الأقباط متحدون - استشهد القضاة وحضر الوطن
أخر تحديث ٠٤:٠٥ | الاثنين ٢٥ مايو ٢٠١٥ | ١٧بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٧١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

استشهد القضاة وحضر الوطن

كمال زاخر
كمال زاخر

كان الدرس الأول فى رحاب الجامعة، ونحن نخطو خطواتنا الأولى فى دراسة القانون، أن السلطات فى الدولة ثلاث، السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية، وأن ثمة توازناً بينها، وتقف معاً على خط مستقيم، لا تطغى أو تتغول إحداها على الأخريين، فتستقيم الحياة وتتحقق قيم الدولة الحديثة، أماناً وديمقراطيةً وعدلاً. ويقع عبء استشعار الشعب لاستقامة المسيرة فى جانب كبير منه على القضاء باعتباره صرح العدالة، لذلك تجد تمثال أو أيقونة العدالة التى تتصدر أبنيتها لامرأة شابة يافعة معصوبة العينين، ممسكة بيد ميزاناً منصوباً تتساوى كفتاه على استقامة واحدة، وبالأخرى سيفاً يؤكد قوة القانون، وتقف كل الأطياف متحلقة حولها على أبعاد متساوية.

لعل ذلك يفسر لنا لماذا استهدف الإرهابيون المحاكم، أبنيةً وقضاةً، فى خضم الفوضى التى اجتاحتنا مع أيام ثورة 25 يناير 2011 الأولى، وما زالت أغلبها تقف شاهدة بآثار التخريب حتى يومنا هذا، وبعد أن انتفض الشارع ليصحح المسار فى ثورة 30 يونيو 2013، واستطاع أن يسترد ثورته بإرادته، راح ينفض غبار وركام الأحداث الدامية والتخريب الذى طال حتى منظومة قيمه، ووجد نفسه أمام تحدى التنمية، وانطلق يشرع فى مشاريعه الكبرى، على رأسها مشروع قناة السويس الجديدة، وتتوالى المشاريع، وتمتد الطرق تربط ربوع الوطن كبنية أساسية لانطلاقة اقتصادية مدروسة، ويقف رؤوس النظام الإرهابى أمام العدالة، وينتهى القضاء من أهم القضايا التى يحاكمون فيها، ليحيل أوراق المتهمين بجسارة إلى فضيلة المفتى، فيشتط غضب تنظيمهم ليثير الزوابع خارج الوطن، وفى داخله يستهدف ثلاثة من قضاة مصر الشباب، فيغتالهم فى رد فورى على الإحالة، لتسترجع الذاكرة الوطنية ما فعلته أياديهم الملوثة بدماء القضاة الشرفاء، عندما اغتالوا القاضى أحمد بك الخازندار فى مارس 1948، عقب حكمه بعقوبات رادعة على نفر منهم.

ولم يكن اغتيال قضاة سيناء مجرد انتقام لما انتهت إليه محاكمة قياداتهم قبل أيام وحسب، إنما لزعزعة الثقة فى منظومتى الأمن والقضاء، وترهيب القضاة الذين ينظرون قضايا مثيلة، وخلخلة منظومة السلطات الثلاث، فعندما يرتبك القضاء وتهتز العدالة يرتبك الوطن وتتعطل مسيرته وتتعوق خطوات خروجه إلى النهار.

لكن الرد الشعبى الفطرى والتلقائى جاء ليحبط مخططهم ويؤكد من جديد التفاف الشعب حول قيادته، فقد أقيم العزاء فى واحدة من أضخم القاعات الملحقة بمسجد المشير طنطاوى، على مشارف التجمع الخامس، فإذا به يتحول إلى احتشاد ضم كل أطياف المجتمع، حتى إن الحشود التى كانت تقف خارج القاعة كانت أضعاف مَن بداخلها، لم يقف الأمر على رجال القضاء بل امتد لكل القوى السياسية والحزبية والشعبية والبسطاء من عامة الشعب، رغم بعد المكان عن وسط المدينة وعن أطرافها، وكان اللافت الحضور المتميز للشباب، فى رسالة واضحة أن مصر ما زالت عفية ومتوحدة، وما زالت تملك القدرة على التحدى والمقاومة فى جسارة وقوة، وعلى مواجهة الإرهاب وأعداء الحياة.

كان اختيار نادى القضاة الذى أقام العزاء للمكان يحمل إشارة واضحة بأن القضاء والجيش لا يستطيع أحد أن يفصل بينهما أو يشوه العلاقة الوطنية التى تربطهما، وجاءت الحشود التى لم تنقطع حتى ساعة متأخرة من الليل لتثلث هذه الرابطة، وتدعمها بغطاء شعبى يجدد الثقة فى كليهما. وفى طريق العودة تتكشف لك الجهود التى أحالت الصحراء إلى شبكة طرق تم إنجازها على مستوى تقنى وفنى عالٍ، رغم محاولات التعويق المجنونة والعمليات الإرهابية التى تؤكد أن أصحابها قد فقدوا القدرة على مواجهة الدولة والشارع وجموع المصريين.. رحم الله شهداءنا من شباب القضاة، الذين سقوا بدمائهم شجرة الوطن المتجذرة، وأكدوا على وطنية القضاة وأمانتهم وعلى قدرتنا على التحدى والانتصار.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع