بقلم : نائل السودة | السبت ٣٠ مايو ٢٠١٥ -
١٤:
٠٦ م +02:00 EET
صورة أرشيفية
المؤكد أنه طوال الفترات التى أعقبت الاستقلال فى البلاد العربية حالَ الحكامُ الذين استولوا على السلطة بالقوة بين المواطنين العرب وبين المشاركة السياسية الحقيقية، ومنعوهم من تكوين تنظيمات مدنية أو جمعيات فاعلة ذات ناتج وأثر ملموس.
تلك النظم الحاكمة حرّمت أى عمل سياسى بل جرّمته وضيّقت سبل الحياة أمام كل من يفكر فى ممارسته، بل عذبت وقتلت بسببه مواطنين كانوا يعبرون عن شكاوى جماعية، أو طلبات عامة، أو يطلبون إصلاحاً وعدلاً وحرية وحقاً.. اللهم إلا إذا كانت مقترنة بالتسليم والخضوع وطق الحنك دون إصرار على تحقيقها!
وكان كثير من الناس يسلمون ويعظمون أحياناً ما هو ضد مصالحهم المادية وما قد يتعارض مع ذواتهم وثقافتهم، ما أدى إلى شيوع النفاق والوصولية والعنف وسوء الأخلاق وانعدام العدالة.
وقد عجزت تلك النظم التى استولت على الحكم مقابل ادعائها بتوفير الخدمات وسبل العيش عن الاستمرار فى ذلك، مما دفعها للاعتماد على تمويلات من صندوق النقد الدولى، ثم خصخصت ما عجزت كمستبدة وفاسدة عن إدارته، فباعته بطرق مشبوهة لزملائها من رجال الأعمال المنتقين، ثم حررت الأسواق وفتحتها أمام الفقراء!
تزامن مع ذلك الفشل الاقتصادى والاستبداد السياسى سقوط الملايين من المواطنين ورصهم فى صفوف الفقراء العاجزين عن الحصول على سكن أو غذاء جيد أو علاج حقيقى أو تعليم جاد، فضلاً عن ارتفاع مستوى البطالة.
كانت السمة الرئيسية التى لا يمكن نكرانها أو الاختلاف عليها فى كل تلك النظم العربية أن الشعوب كانت خارجاً ولم تكن تشارك لا فى حكم ولا فى معارضة ولا فى قرار يتعلق بحياتها ولا مصيرها.
وفى أوائل التسعينات حذر تقرير التنمية للأمم المتحدة من تردى الأوضاع الاجتماعية فى مصر مثلاً.
عجز النظم عن تحقيق التنمية، وتلبية الاحتياجات المتزايدة للمواطنين بفضل نمو الوعى المحلى والتقدم الإنسانى وإلزامه الحكومات بتحقيق حد أدنى من الحقوق الإنسانية، دفع النظم العربية الفاشلة لأن تترك فضاءات ومساحات سياسية واقتصادية لتيارات الدين السياسى فى الريف وفى المناطق الفقيرة بالمدن والتى يمكن إرضاؤها بالقليل جداً، بعدما مارست هى القمع والقتل فى مواجهة احتجاجات الجماهير فى أواخر السبعينات وفى الثمانينات فى مصر والمغرب وتونس والسودان والجزائر والأردن. لقد عمدت هذه التيارات إلى دعم هؤلاء الفقراء بعدما استطاعت تكوين تجمعات اتخذت المساجد غطاء لتقديم الخدمات المادية والاجتماعية والزكاة وخاصة فى المصائب والأحداث الكبرى فى حياة المواطنين كالوفيات والحوادث والإصابات الطارئة وفى تزويج الفتيات ثم الاتصال بالبيروقراطية وإنهاء أعمال المواطنين من خلال الموظفين التابعين، ثم تلا الطوارئ السابقة إنشاء المستوصفات والمستشفيات ومراكز الكمبيوتر والتقوية التعليمية لطلاب المدارس ثم عمل خطوط مواصلات للطلاب من قراهم ومدنهم الصغيرة إلى حيث جامعاتهم ومدارسهم وإنشاء مدارس.
لقد قدر عدد المستفيدين من خدمات الرعاية الإسلامية فى مصر فى مجال الصحة فقط عام 1992 بنحو 15 مليون مواطن! ولولا هذه المستوصفات الخيرية وفى ظل تردى الخدمات الحكومية ربما صار الأطباء المصريون أغنى من تجار المخدرات!
إن شبه هذه الأعمال تمت على امتداد الوطن العربى، وقد ساهمت فى إحساس الامتنان والولاء من المواطنين الفقراء تجاه هذه الجماعات، وقد ظهر ثمن ما دفعته هذه الجماعات من مال وعمل بعد أحداث الربيع العربى.
لم تتأخر الثورة بإيران لأن مثل هذه الأعمال لم تتم قبل ثورتهم إنما بعدها لمواجهة اليسار و«مجاهدى خلق»، بينما هنا عطلت هذه الأعمال وغيرها الثورات وأخرت قيامها لكنها لم تمنعها، إذ كانت (نواية تسند الزير) وكان لا بد أن ينكسر الزير لأنه لا بد أن يزيح النواة.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع