بقلم : حسام السكري | الخميس ٤ يونيو ٢٠١٥ -
١٥:
٠٩ م +02:00 EET
حسام السكري
كان يشق السوق المزدحمة بخطوات حثيثة وهو يخطر فى جلبابه الرث. استوقفه جمالها وملابسها الكاشفة. اقترب منها فى وجل. لم يتردد رغم الزحام المحيط. مد يده وتحسس جسمها بينما كانت عيناه تمسح مرآها فى شبق. لمس صدرها ثم قبلها، وانزلقت يده على ظهرها الأملس. توقف بغتة وظهرت على وجهه علامات الانزعاج. واصل المشى بعد أن تذكر هو، وبعد أن تبين لنا نحن على البعد، أنها لم تكن إلا دمية (مانيكان)، انتصبت أمام دكان ملابس فى أحد الأحياء الشعبية!
حرمان ما بعده حرمان، عرضه مقطع فيديو عابر انتشر فى المواقع وعلق عليه كثيرون. رأيت الفيديو صدفة فى نفس الأسبوع الذى شاهدت فيه فيلم بنتين من مصر والذى يتحدث عن حرمان يعانى منه قطاع واسع من المصريات اللائى يفتقدن شريك الحياة. ملايين من النساء لا تعرفن الحب أو العلاقة مع «الجنس الآخر». ربما يسعفهن الحظ بعد أن يولى الشباب، وتنحصر الاختيارات، إن وجدت، بين «ظل رجل وظل حائط».
فى الأسبوع نفسه ظهر أمامى الفيديو الذى وضعه الأمريكى إليوت رودجر على الإنترنت قبل أن ينطلق فى مايو من العام الماضى فى رحلة انتقام كان حصادها ستة قتلى وأربعة عشر جريحا. رودجر، الثرى الوسيم، البالغ من العمر 22 عاما، تحول إلى سفاح ثم انتحر لأنه فشل فى إقامة علاقة مع أية فتاة. أراد انتقاما من النساء لرفضهن إياه، ومن الرجال، لأنهم نجحوا فيما فشل فيه، ومن نفسه لأنه لم يتمكن من أن يكون ما خلق عليه.
رودجر كان ينتمى إلى أقلية فى مجتمع مفتوح، لا يجرم العلاقة الاختيارية بين الرجل والمرأة. ولكن أشباه رودجر من المحرومين، أعدادهم لدينا كبيرة. لم يمارسوا القتل العشوائى انتقاما من عجزهم حتى الآن (باستثناء المنضمين إلى داعش وأخواتها). ولكن يصعب أن نفصل بين إحباطاتهم فى كثير من مناحى الحياة (وهذا منها) والعدوان الذى صار يطبع علاقات المنزل والشارع ومحال العمل فى مصر.
مجتمعنا لا يربط الجنس فى الوعى العام سوى بالدنس والخطيئة. والكلام عن مشروعيته فى إطار الزواج لا يعدو أن يكون عبارة زائدة تتكرر فى برامج السائل والمجيب. ما استقر فى الوعى الجمعى العام هو أن الجنس شر ما بعده شر والعلاقة مع «الآخر» رذيلة وإثم. طالع الصحف وبرامج التليفزيون ونشرات الأخبار وأفلام السينما وأعمال الأدب لتكتشف أن الكلمة التى تشير إلى فعل الحياة الذى يعتبر من أرقى علامات الحب، لا تقترن إلا بمفاهيم: الاعتداء، الشذوذ، والتحرش، والدعارة، وبوليس الآداب، وعناتيل محافظات المحروسة. يستحيل إلا فيما ندر، أن تعثر على فعل الحب مرتبطا بالحب، أو بأى مفاهيم إيجابية لعلاقة الرجل بالمرأة. تحدث مع الأطباء وستعلم أن معاناة الحرمان ليست مقصورة على «السناجل» أو العزاب. كم من الأبواب تغلق على رجل وامرأة ارتبطا بعلاقة شرعية أمام الناس ليكتشفا أن ما ترسخ فى نفسيهما عن قذارة الجنس ووضاعة مفهوم الاتصال الجسدى صار حكما وإحساسا راسخا فى النفوس تصعب إزالته بـ «زغرودة» وورقة مأذون.
إرث حزين، ربما تخفف وطأته أجيال قادمة تعيد تعريف المفاهيم، وتبنى سعادتها وعلاقاتها وزيجاتها على شراكات واعية دون تدخل من الغير. فاختيار الحياة رغم احتمال الخطأ، أفضل بكثير من الحرمان وانتظار الموت، إيثارا للسلامة.
أحبوا تصحوا وتصح مجتمعاتكم.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع