الأقباط متحدون - مؤتمر باريس لدعم داعش!
أخر تحديث ٠٠:٠٢ | الجمعة ٥ يونيو ٢٠١٥ | ٢٨بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٨٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مؤتمر باريس لدعم داعش!

د.عبدالخالق حسين
عقد في باريس يوم 2/6/2015، مؤتمر دولي لوزراء خارجية 24 دولة، كما حضره عن العراق السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء، الذي شارك في رئاسة المؤتمر إلى جانب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ونائب وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن. والغرض من هذا المؤتمر كما أعلن عنه هو دحر داعش، والإصلاح السياسي في العراق. وحضر المؤتمر أيضاً وزراء خارجة الدول الداعمة للإرهاب مثل السعودية، وقطر وتركيا، رغم نفيها القاطع. وهذا المؤتمر هو ليس الأول، وعلى الأغلب ليس الأخير من نوعه. وبما أنه لم تتحقق أية نتيجة إيجابية ضد الإرهاب من المؤتمرات السابقة، كذلك لا أعتقد يرجى أي نفع من هذا المؤتمر أيضاً.

فقد ركز المؤتمرون على كليشة باتت تتكرر إلى حد الملل، وكما جاء في البيان الختامي، وهي التشديد على ("الأهمية البالغة" لإجراء اصلاحات سياسية في العراق لحشد العراقيين في النضال ضد التنظيم [داعش]). وضرورة اتخاذ " تدابير ملموسة لمعالجة المظالم المشروعة للمواطنين العراقيين". قول حق يراد به باطل.

والمقصود هنا بـ(الإصلاحات السياسية ومعالجة المظالم المشروعة)، وكما كانت إدارة أوباما تعيده باستمرار، أن تتشكل حكومة عراقية شاملة (inclusive government)، وكأن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 ولحد الآن لم تكن شاملة لجميع مكونات الشعب العراقي. ورفضت الإدارة الأمريكية تسليح الجيش العراقي لمواجهة داعش بحجة أن حكومة المالكي، وبعدها حكومة العبادي، لم تكن شاملة بما فيه الكفاية. والسؤال هنا ماذا يجب على العبادي أن يعمل لكي تعتبر حكومته شاملة، مع الالتزام بشروط الدستور والديمقراطية، ونتائج الانتخابات؟

كما وسبقت هذا المؤتمر حملة من التصريحات المضللة لمسؤولين من الدول الخليجية. فقد صرح وزير خارجية دولة الإمارات خلال زيارته لموسكو، أن الحكومة العراقية والسورية هما سبب الإرهاب وذلك بحرمان السنة من المشاركة العادلة في السلطة. طبعاً هذا افتراء مفضوح. أما نظيره القطري فقد جاء إلى بغداد مطالباً، بكل وقاحة وصفاقة وحماقة، وبدون أية كياسة دبلوماسية، بإلغاء جميع الأحكام الصادرة بحق كل من المجرمين طارق الهاشمي ورافع العيساوي لأسباب إرهابية، وإعادتهما إلى مناصبهما في الدولة.

أليس هذا تدخل فظ من خارجية هاتين الدولتين في الشأن العراقي؟ فكلا الشخصين، الهاشمي والعيساوي، لم يعودا متهمين، بل مجرمين إرهابيين لأن صدر الحكم بحقهما وأُدينا بالإرهاب من قبل القضاء العراقي المستقل، والذي تفتقر إليه أية دولة عربية. إن وزير خارجية قطر هو آخر من يحق له المطالبة بعودة الهاشمي والعيساوي، لأن العالم بات يعرف كيف يتم تداول السلطة في قطر حيث يقوم ابن الحاكم بحركة انقلابية على سلطة الأب. فالشيخ حمد (والد تميم، الحاكم الحالي) قام بإنقلاب على والده وطرد 6000 مواطن قطري من قبيلة (مرة) لعدم تأييد شيخهم للإنقلاب. وهذا تقليد متبع في دول الخليج في انتقال السلطة من الآباء إلى الأبناء، ليأتي وزير خارجية هذه الدولة أو الدويلة ليعطي العراقيين دروساً في الديمقراطية والمصالحة الوطنية... أليست مهزلة؟

وقد بات من المؤكد وحتى باعتراف نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدين، الذي ذكر في محاضرة له في جامعة هارفرد، أن السعودية ودولة الإمارات وقطر وتركيا تدعم الإرهاب في العراق وسورية. هل هذا الاعتراف جاء نتيجة زلة لسان، أم عن قصد وقول الحقيقة؟ على الأغلب عن قصد، فهذه المحاضرات والتصريحات من قبل مسؤولين غربيين كبار تمر خلال فلتر التدقيق قبل وصولها إلى الإعلام.

وإذا كان هؤلاء هم الأعضاء الناشطون في مؤتمر باريس، فأي نفع يرجى منه؟

لذلك أعتقد أن المؤتمر الأخير كان هدفه ليس دحر الإرهاب، بل لدعمه وذلك بإعادة الهاشمي والعيساوي إلى مناصبهما، وهذا هو المقصود بـ(المصالحة الوطنية "الحقيقية")، بل طالب وزير خارجية قطر في تصريح صحفي له بعد المؤتمر، طالب التحالف الدولي بعدم قصف داعش. أليس هذا دفاع عن الإرهاب؟

و ما ذكرته عن الهاشمي والعيساوي ليس تخميناً أو رجماً بالغيب، بل سمعته من أحد المعلقين على راديو بي بي سي، وهو من مركز بحثي في واشنطن، يؤكد أن هدفهم هو فرض المزيد من الضغوط على الحكومة العراقية لإعادة هذا الثنائي. إن ربط الإرهاب بإعادة الهاشمي والعيساوي اعتراف ضمني أن هؤلاء هم وراء الإرهاب، لذلك لا يمكن القضاء عليه إلا بإعادة هؤلاء إلى السلطة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أن الإرهاب كان على أشد ما يكون خلال الفترة التي كان فيها الهاشمي والعيساوي مشاركان في السلطة، الأول بمنصب نائب رئيس الجمهورية، وقام بتعطيل القوانين المتعلقة بمحاربة الإرهاب وتجريم البعث. والثاني، كان يحتل أخطر وزارة حيث كان وزيراً للمالية، ومع ذلك كان الإرهاب على أشده. فما المقصود إذن بالمصالحة الوطنية الحقيقية وتوسيع المشاركة في السلطة؟

كان على السيد حيدر العبادي أن يشرح للمؤتمرين حقيقة تركيبة الحكومة العراقية، ففي دراسة لباحث لبناني سني، أن السنة العرب يشكلون نحو 19% فقط من الشعب العراقي، ولكنهم يشغلون نحو 26% من المناصب الوزارية إضافة إلى مناصبهم في الرئاسات الثلاث. فهل هذا تهميش وعزل، أم وراء الأكمة ما وراءها؟

فداعش وجبهة النصرة والقاعدة ومشتقاتها وفروعها في سوريا والعراق تتمتع بإمكانيات عسكرية ومالية هائلة تفوق ما للدولتين إلى حد أن نجحت هذه التنظيمات الإرهابية احتلال نحو نصف مساحة سوريا، وثلث مساحة العراق. فكيف يعقل أن تتمكن هذه التنظيمات إلحاق الهزيمة بجيوش نظامية محترفة بدون دعم حكومات غنية مثل السعودية وقطر ودولة الإمارات وتركيا؟ وهذه الدول هي الحاضرة والناشطة في جميع مؤتمرات محاربة الإرهاب! لذلك نرى أن حضور مندوبين عن هذه الحكومات هو ليس لدحر الإرهاب بل لدعمه وتبريره، وإظهاره بأنه نتيجة سياسات "الحكومة الشيعية الموالية لإيران، وتهميش السنة"، وتبرئة أنفسهم من دعم الإرهاب، والمطالبة بعدم تسليح الجيش العراقي، والأهم، تشويه سمعة الحشد الشعبي وتشبيهه بداعش أو حتى أسوأ من داعش كما قال وزير خارجية الإمارات!

كذلك نقرأ هذه الأيام مقالات لكتاب غربيين، يحاولون إبراز السعودية وكأنها ضحية الإرهاب الداعشي، ويستشهدون بما حصل من إرهاب في مساجد الشيعة في السعودية. نسي هؤلاء أن غالبية الانتحاريين في هذه التنظيمات الإرهابية هم سعوديون، وبتأثير من مشايخ الوهابية الذين يحرضون شعوبهم ليل نهار ضد الشيعة ويهدرون دمائهم، ولا يمكن أن يتم ذلك بدون موافقة ومباركة الحكومات الوهابية في السعودية وقطر. لذلك، فهذا التباكي على السعودية واحتمال تعرضها للإرهاب الداعشي هو لذر الرماد في العيون ليس غير.

وبناءً على كل ما تقدم، لا أرى أي نفع يرجى من هذه المؤتمرات. وهذا ليس دعوة لمقاطعتها، بل على الحكومة العراقية توظيف هذه المؤامرات الدولية لشرح حقيقة الصراع، وحقيقة ما يسمى بالتهميش والعزل، وحقيقة ما يسمى بالحكومة الشيعية الموالية لإيران، وفضح الدول الراعية للإرهاب مثل السعودية وقطر وتركيا، وقلب الطاولة عليها لا السكوت عن جرائمها.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter