بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(538)
عاد الرئيس السيسي ليجلس مرة أخري مع مجموعة من رؤساء الأحزاب السياسية,وقام مرة أخري بتذكيرهم بأهمية وخطورة وجسامة المرحلة الثالثة والأخيرة من خريطة الطريق وهي الانتخابات البرلمانية,واحتاج أن يلفت نظرهم إلي حتمية ترفع الأحزاب عن المصالح الشخصية وضرورة إعلائها للمصلحة الوطنية,بل إنه تجاوز كل ذلك بإغرائهم بأن الرئاسة لن تتردد في مؤازرة وتأييد تحالف وطني قوي إذا تشكل منهم لخوض هذه الانتخابات.
عدت أسأل نفسي:لماذا احتاج الرئيس أن يفعل كل ذلك مرة أخري بعد أن كان قد سبق له الاجتماع بذات الرموز السياسية والحزبية؟…وجاءت الإجابة الحزينة بلا تردد:لأن المشهد الحزبي مازال بائسا مبعثرا مشرذما أبعد مايكون عن أي تشكيل يدل علي تنظيم الصفوف لخوض الانتخابات البرلمانية بتحالف سياسي قوي يضم نخبة من الأحزاب السياسية المتوافقة والتي تحشد أنصارها معا بأمل الفوز بأغلبية مطمئنة من مقاعد البرلمان….ذلك البرلمان الذي ينتظره دور تاريخي لتفعيل الدستور الجديد بحزمة تشريعات تحمل الإصلاح الذي تتوخاه مصر بعد ثورة30يونية.
بل لايخفي علي أحد أن الرئيس احتاج أن يجتمع بقيادات حزب الوفد ليصلح فيما بينهم بعد أن احتدم الخلاف داخل الحزب وافتضح أمره بفضل إعلامنا اللاهث وراء الإثارة…حاول الرئيس رأب الصدع الذي أصاب الوفد في هذا التوقيت الدقيق بالنسبة للوطن,لكن للأسف وبعد مرور قرابة الشهر علي ذلك الاجتماع ماتزال الأنباء تتواتر يوميا حاملة استفحال الخلافات بين الفرقاء المتصارعين وتضاؤل الأمل في إمكان توحدهم تمهيدا للالتفات إلي الانتخابات البرلمانية والاستعداد لتحدياتها.
وإذا عدنا إلي المشهد الانتخابي نجده مايزال ضبابيا يدعو للقلق والشفقة,فلا ملامح واضحة لقانون الانتخاب ولا استقرار نهائي علي توزيع مقاعد البرلمان ولا تكتلات سياسية راسخة وملموسة تتنافس ببرامجها وسط الجماهير…صحيح أن الانتخابات ستجري قبل نهاية العام وقد يعتقد البعض أننا نملك ترف كفاية الوقت للاستعداد,لكن الذي يتأمل ماحدث خلال عام مضي لن يفوته أن خريطة الأحزاب السياسية تعج بالأحزاب وتفشل شهرا تلو الشهر في استثمار الوقت لصالح خلق تحالف أو ائتلاف قوي يخوض الانتخابات.
ولأني لست متفائلا من إمكان إدراك مثل ذلك التحالف الوطني القوي في المستقبل القريب-ومثلما عاد الرئيس السيسي للاجتماع مرة ثانية بالأحزاب- أجدني مدفوعا لأكتب مرة ثانية رؤيتي التي سبق أن قدمتها في هذا المكان منذ أشهر ثلاثة حين كتبت عنغياب الحصانة السياسية لدي التحالفات الانتخابية!!…تصورت أنه إذا تعذر الاتفاق علي تحالف واحد وطني قوي يخوض الانتخابات أمام التيارات الدينية أن يتجه الفكر الحزبي إلي تكوين ثلاث حزم رئيسية تمثل تيارات اليمين والوسط واليسار بحيث تندرج تحتها سائر الأحزاب-التي يقترب عددها من90حزبا!!!-تبعا لانتماءاتها وبرامجها وأيديولوجياتها,فنخلص إلي ثلاثة كيانات سياسية قوية تستطيع التنافس فيما بينها وترسي الأساس السليم لكيفية التوجه إلي الجماهير واستمالتها وحشدها وتكون الاختلافات السياسية بينها واضحة قاطعة لالبس فيها…هذا بدلا من المشهد الهزيل الضحل لأحزاب غزيرة العدد ضيئلة الحجم تزاحم بعضها البعض تحت أسملاء متشابهة لا مدلول لها وتتنافس علي شئ واحد فقط هو ما تحشده من أسماء شخصيات عامة أو سياسية أو إعلامية أو رياضية أو فنية متوهمة أن ذلك رأسمالها لاجتذاب الجماهير إلي صندوق الانتخاب!!!
أمام ذلك كله لا أستطيع أن أمنع نفسي من تصور صدور قرارات فوقية لإعادة ترتيب الخريطة السياسية وفق تقسيم اليمين والوسط واليسار لعلاج التبعثر الحزبي وانعدام الشخصية السياسية المحددة للأحزاب…ولم لا؟…ألم يحدث ذلك من قبل في عالم الاقتصاد عندما أرادت مصر إنقاذ الكيانات المصرفية من التعددية الصغيرة الضعيفة…وقتها أصدر محافظ البنك المركزي قرارا بتحديد مهلة زمنية تلزم أي بنك يعمل في السوق المصرية ويقل رأسماله عن500مليون جنيه أن يرفع رأسماله إلي ذلك الحد أو أن يندمج مع بنوك أخري لتوفيق أوضاعه في هذا الإطار…وكانت النتيجة أن حصلت مصر علي كيانات بنكية عددها أقل لكن وزنها أكبر في العمل المصرفي وأقدامها راسخة في خدمة الاقتصاد والسوق…لم تبادر البنوك الصغيرة الضعيفة بعمل ذلك طواعية من تلقاء نفسها,لكنها انصاعت سواء راضية أم صاغرة لقرارات فوقية…وهذا عينه ما أتصور أن يحدث في الخريطة الحزبية لعلاج غزارة الأحزاب الصغيرة وخلق كيانات حزبية قوية تستطيع التنافس ومخاطبة الجماهير وتداول السلطة.
لكن من عليه أن يفعل ذلك؟…أرجوكم لاتقولوا لي لجنة شئون الأحزاب لأني لست أعلم إن كانت موجودة أو فاعلة أو قلقة علي وضع الأحزاب أو حتي مهمومة بتطهير الخريطة الحزبية مما يعلق بها من أحزاب دينية مناقضة للدستور…إننا لانسمع عنها شيئا بل تستحق منا أن نرثي لحالها(!!)…إذا الأمر برمته يجب إحالته إلي الرئيس السيسي باعتباره مهموما فعلا بالأحزاب وبادر بالاجتماع بها أكثر من مرة.
نقلا عن وطنى