الأقباط متحدون - البشر بعد الحرب غيرهم قبلها
أخر تحديث ٢٣:٥٢ | الثلاثاء ٧ يوليو ٢٠١٥ | ٣٠بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٦١٤السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

البشر بعد الحرب غيرهم قبلها

على سالم
على سالم

«احترس من هذا الذي لا يمتلك شيئًا من شكاوى الفلاح الفصيح» والنصيحة عمرها أكثر من ثلاثة آلاف سنة وكانت موجهة لحاكم أحد الأقاليم في مصر، بعد أن تعرض الفلاح صاحب الشكوى لحادث سرقة المتهم فيها كان أحد كبار الموظفين.

انفعالات متباينة وكلها مؤلمة تمر بي هذه الأيام، من بينها الإحساس بالحزن الغامر والمرارة التي تفسد عليّ كل لحظات نهاري وليلي. إن الحرب التي تخوضها مصر في صحراء سيناء سوف تخرج منها مصر أخرى ومصريون آخرون. هذا هو درس التاريخ، أن نفقد عددًا كبيرًا من خيرة شباب مصر كثمن واجب السداد من أجل سلامة عموم المصريين. نعم إنها الحرب.

وكأي كاتب عاجز عن الاشتراك في القتال الدائر الآن، ألجأ للتفكير في المستقبل بحثًا عن خريطة طريق جديدة لا وجود فيها للدواعش، كيف نتجنب ظهور أشخاص واقعين في عشق الموت في بلادنا وبلاد الآخرين؟ وأعود لنصيحة الفلاح المصري القديم محاولاً فهم الخطر الذي يشير إلى وجوده، وهو ألا يمتلك الإنسان شيئًا. ترى ما هو المقصود بالملكية؟ المال..؟ الأرض..؟ المهنة الرفيعة والمركز الاجتماعي؟ الواقع أن أسامة بن لادن كان يمتلك من الأموال أكثر مما أمتلك أنا أو أنت. والدكتور أيمن الظواهري كانت له مهنة تحظى باحترام الناس جميعًا. لا بد أن الملكية تشكل أبعادًا أكثر من ذلك. لا بد أن يمتلك المواطن الفرد نصيبًا كبيرًا من حب الحياة والاستعداد الدائم للدفاع عنها. أنا أريدك أن تلاحظ أن الأفكار الأولى في كتالوج التطرف تبدأ دائمًا بتحقير الحياة والحض على كراهيتها وتمجيد الموت والتحدث عنه كمطلب جميل. وكأن الله سبحانه وتعالى خلق لنا الحياة لنعمل على تدميرها وتدمير أنفسنا.

ولنبدأ من النقطة التي لا بداية قبلها وهي الأطفال.. إذا لم نقم بتعليمهم في تلك السن الصغيرة أن البشر جميعًا متساوون، وأنه من الطبيعي أن تكون لكل فئة دين ومذهب مختلف عنا، وأن كل سكان الكرة الأرضية يشكلون أسرة واحدة، وأنه لا بد أن نحب الحياة لأننا بهذا الحب سنزرع الأرض، ونقيم الصناعات ونبعد الفقر والحاجة عن البشر.. إذا لم نبدأ مع الأطفال بحملة تمجيد الحياة وحبها وحتمية الدفاع عنها، فعلينا ألا نتوقع أن تكف رياح «داعش» عن الهبوب.
البشر بعد الحرب غيرهم قبلها.

بعد انتهاء الحرب يكون البشر أكثر ذكاءً وفهمًا لحقائق الحياة وأقل كذبًا ورغبة في خداع النفس، لأنهم دفعوا ثمن ذلك كاملاً، سددوا كل الفواتير بحياة أولادهم. أتوقع أننا في مصر سنقتنع بأن سيناء أرض مصرية تسري عليها كل القوانين المصرية التي تعطي الحق لكل المصريين في تملك كل أرض مصر، والحق كل الحق في الاشتراك في كل مشاريعها. لا بد أن تكف سيناء عن أن تكون أرضًا للخوف. إن خوفنا غير المبرر على أرض سيناء دفعنا للمساهمة في تحويلها لأرض حاضنة للإرهاب. لقد كنا أشبه بأسرة أغلقت كل نوافذ البيت حتى لا يصاب طفلها بالبرد فأصيب بسبب فساد الهواء بفقر الدم وفقر الحياة وفقر العقل. هذه الحرب من المحتم أن تدفعنا لإدراك أن كل من لا يمتلك شيئًا هو مصدر لخطر أكيد.

نقلا عن الشرق الاوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع