الأقباط متحدون - المخلِّص
أخر تحديث ٠٥:١٩ | الاربعاء ٨ يوليو ٢٠١٥ | ١أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦١٥السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

المخلِّص

حسن حنفي
حسن حنفي

 فى أدبيات العلوم الاجتماعية يظهر موضوع الزعامة وأنماطها، الزعامة الفردية، صلاح الدين وعبد الناصر، والزعامة الجماعية، ترويكا. ولكل مزاياها وعيوبها. فمزايا الزعامة الفردية الوضوح وعيوبها الاستبداد. ومزايا الزعامة الجماعية الديمقراطية وعيوبها الغموض.

 
ومن النمط الفردى الأول، المخلِّص. نجح فى حالة موسى وفشل فى حالة فرعون. نجح فى حالة ديجول، وفشل فى حالة هتلر. فالمقياس فى الزعامة ليس الصواب والخطأ بل الفاعلية والتأثير.
 
ومن أدبيات الزعامة الفردية «المخلِّص» الزعيم الذى يأتى لينقذ المجتمع من الهاوية. فقد اختاره الله لهذه المهمة، إنقاذ الأمة. فقد أتى المخلِّص فى لحظة تاريخية معينة لإنقاذ المجتمع الذى كان على حافة الهاوية مثل موسى وبنى إسرائيل، المسيح والمجتمع الرومانى، محمد والمجتمع العربى، صلاح الدين والأمة الإسلامية، عبدالناصر والأمة العربية. وإن لم يظهر فإنه سيظهر. لذلك يسمى فى أدبيات الشيعة الإمام المنتظر.
 
ومصر الآن على حافة الهاوية. وقد ظهر مخلِّص يخلصها مما هى فيه قبل أن تهوى فى أتون الحروب الأهلية والتفتيت كما هو واضح عند جيرانها، سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن. وهى ميادين التحرك المصرى فى الستينيات أيام «الجمهورية العربية المتحدة». والسؤال هو: هل كانت مصر على حافة الهاوية أم أن هذا تهويل لإقصاء نظام وإحلاله بنظام آخر؟ وسؤال: هل هذه ثورة أم انقلاب سؤال صحيح. والخلاف حوله خلاف صحيح طبقا للرأى، إسلاميا هو انقلاب، وعسكريا هو ثورة ثانية بعد الثورة الأولى.
 
مصر فى لحظة تاريخية فارقة إما الإنقاذ وإما الهلاك، إما يأتيها المخلِّص أو لا يأتيها أحد فتقع فى هوة الحرب الأهلية والفتنة الطائفية، أقباط ومسلمين، والتفتيت الإقليمى: بدوى، سيناوى، نوبى، صعيدى، بحراوى. وهو ما يسرى الآن فى سوريا والعراق ولبنان وليبيا والسودان واليمن حتى تبقى إسرائيل هى الدولة الموحدة الكبرى فتدافع عن نفسها بلا حرب. إسرائيل توحد يهود العالم بالهجرة إليها من كل الأجناس. والعرب يتفتتون إلى أكراد وأرمن وشركس، وسنة وشيعة، وحوثيين وزيديين، وأقباط ومسلمين على الأقل.
 
وتتضخم الذات. وتغتر بنفسها. وتصبح منقذة للعالم كله وليس لمصر وحدها. ويتحول هذا التضخم إلى مرض نفسى، غرور وهمى. وتبتلع الذات الموضوع. ويقوى فيه التراث الدينى، الإمامة، تراث الشيعة للمجتمع المظلوم الذى فى حاجة إلى منقذ. ويظهر فيه التراث النبوى، فقد كان كل نبى يظهر فى قومه ليحررهم من الاستبداد والظلم مثل موسى وبنى إسرائيل. والإمام الشيعى بما له من قدرات خارقة، والإمام السنى فى الحاضر أو فى المستقبل الذى يقتل المسيح الدجال. فالنبوة والإمامة نموذجان للزعامة. ففى الدين تراث الكوارث، الإمام عند السنة لإنهاء فتن آخر الزمان، والإمام عند الشيعة المهضوم حقهم على الأرض فيظهر فى السماء من أجل تدمير أهل الظلم.
 
وقد ينشأ صراع بين الأئمة عند أهل السنة فيتحول المظلوم منهم إلى شيعة. وتتحول الإمامة عند الشيعة أيضا إلى فرق طبقا للمناطق. فتتوزع فى أرجاء الجزيرة العربية وخارجها، فى إيران. وتتحول المذاهب إلى طوائف، والطوائف إلى قوى. والقوى تتخاصم فيما بينها، كل منها يدعى أنه المذهب الحق. وعندما تتحول المذاهب والطوائف إلى دول تتصارع الدول وتنشأ بينها الحروب، فيزداد الشقاق، لا مصالحة بين الفرق بعد أن تتحول المذاهب إلى فرق أى أحزاب، والأحزاب إلى دول، والدول لها حدود. وسيناء هى الحد الشرقى لمصر.
 
وسيناء نفسها تعيش فى سلام وأمان. ويزداد الشقاق عبر التاريخ بتداخل المصالح. ويصعب بعدها فك الارتباط بينها والعودة إلى أصول الدين والخطاب الرئاسى يغرق فى الدين. يكتب له من هو شديد التدين، أشعرى بالأصالة، يجعل الله بيده كل شىء. تبعد المصالحة مثلما تبعد فى قلب الرئاسة. ويسود منطق «إما...أو»، إما هو أو لا شىء. الأنا الفرد لا يصالح. هو دائما على حق حتى ولو كان مظلوما. ووظيفة العلماء تبرير الفرقة المختارة.
 
وفى التحليل الاجتماعى يستند المخلِّص إلى جهل الناس وطاعتهم. ويعنى الجهل عدم الوعى بحقوقهم السياسية وقيام المخلِّص بذلك نيابة عنهم. فالمخلِّص هو الوعى الخارجى الذى لم يستقر داخل الشعور وطاعة الناس وأن غيرهم سينال لهم حقوقهم وسيثور نيابة عنهم. فالإمام هو الصورة والمادة، الشكل والمضمون، الرأس والجسد، الروح والبدن. فى هذه الحالة يستطيع الزعيم توجيه الجماهير إلى أى وجهة يريد. يربيهم على أى مبادئ يشاء. ويلزمهم بالطاعة. ويوجههم نحو أى طريق يريد.
 
وما يريده الحكام الاستبداد والطاعة المطلقة لهم. ينتظر الناس ظهور المخلِّص ويصبرون ويتوكلون عليه. ولا بديل عنه. هو الفاعل الواحد مثل الله. وأحيانا يظهر مخلِّصان. يدعى كل واحد منهم أنه المخلِّص فينقسم المجتمع قسمين، زعيمين متصارعين على السلطة أيهما الإمام الحق. ويستعمل سلاح التكفير. كل منهما يكفّر الآخر. فالدين فى صالح كل واحد منهم. فهل التغيير ممكن فى هذه الحالة؟ هل توجد ثقافة ثورية قادرة على نقل المجتمع من مرحلة قديمة إلى مرحلة جديدة؟ هل ثقافة المنتظر تولد ثقافة الثورة أم ثقافة الصبر والتوكل تدعمها الثقافة الصوفية المغروزة فى أساس الثقافة الشعبية؟ لقد حاول موسى قيادة بنى إسرائيل وتحريرهم إلى خارج مصر. فعصوه.
 
وغضب عليهم. وانبرى وحيدا على جبل طور سيناء يذكر الله، زعيما بمفرده بلا شعب. ثم حاول المسيح تحريرهم مع غيرهم فأُرسل الزعيم. وبقى الشعب تحت سيطرة الرومان. ثم نجح محمد فى زعامة العرب، توحيدهم، وتحسين أخلاقهم، وإنشاء مجتمع جديد يقوم على العدل والمساواة. وقضى نحب الزعيم وبقى المجتمع ومبادؤه قادرة على إنشاء مجتمعات جديدة على مر الزمن.
 
المخلِّص يثير الخيال ولكنه يطيل الانتظار. والثورة تدعو العقل إلى التفكير لاختيار اللحظة الحاسمة.
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع