الأقباط متحدون - القطن بهدوء
أخر تحديث ١٣:٠٠ | الاثنين ١٣ يوليو ٢٠١٥ | ٦أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٢٠السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

القطن بهدوء

بقلم: أ. د. نادر نورالدين
يبدو قرار حظر استيراد الأقطان قصيرة التيلة والذي أصدره وزير الزراعة في ظاهره قراراً في صالح الفلاح وهو كذلك بالفعل ولكن في باطنه هناك العديد من المخاطر والتي ينبغي النظر فيها بحكمة وترو لذلك سنعرض للأمر برمته.

في نهاية موسم القطن حدثت خلافات حادة بين وزارة الزراعة ومزارعي القطن. أعلن وزير الزراعة السابق بأن الدولة لن تلتزم بتسويق القطن وأستلامه من المزارعين إلا بالمساحات التي تحددها فقط للزراعة وتصرف تقاويها يلتزم فيها الفلاح بمواعيد الزراعة والتي ينبغي ألا تتجاوز نهاية شهر إبريل.. تم تحديد المساحات المطلوب زراعتها من الأقطان المصرية طويلة التيلة وفائقة الطول في كل محافظة وصرف التقاوي المناسبة لكل نوع تربة ولكل مناخ ألتزم الجميع بالمساحات والأصناف التي حددتها الزراعة ووصلت المساحة المزروعة بالقطن هذا العام إلي 250 ألفاً فدان وهي أقل مساحة مزرعة بالقطن في تاريخ مصر وكانت 350 ألفا في العام الماضي و 650 ألفاً من عامين منحدرة بتدهور مستمر من سبعينات وثمانينات القرن الماضي وقت أن كانت مساحات القطن في مصر تصل إلي 2 مليون فدان وتمثل عماد الاقتصاد المصري نوعيات القطن المصري الطويل والفائق الطول للتيلة مخصص للتصدير فقط لأن 75% من مصانعنا للنسيج تعتمد في إنتاجها علي الأقطان قصيرة ومتوسطة التيلة والتي تتناسب بشكل عام مع احتياجات الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل من الشعب المصري من الملابس الداخلية والجينز والتيشيرت والقميص والجلباب والبيجاما. وبالتالي فماكيناتها مصممة علي الغزول القصيرة فقط وعند تحويلها إلي استخدام الغزول الطويلة تحتاج إلي تعديلات مكلفة ويقع عبئها علي المصانع.
 
تستورد هذه المصانع الأقطان قصيرة التيلة بسعر نحو 600 جنيها للقنطار في المتوسط بينما أسعار الأقطان طويلة وفائقة الطول تتراوح حاليا بين 1200 - 1300 جنيه ومرشحة للصعود إلي 1500 جنيه بعد قرار حظر استيراد الأقطان وبعد أن أصبح القطن المصري ليس له بديل ولا منافس وبالتالي فقد يستفيد الفلاح المصري من هذه الارتفاعات في الاسعار ولكن ينبغي أيضا أن ننظر إلي الجانب الآخر والذي سيتحمل الفلاح والفقراء جزء كبير من زيادة تكاليف شراء المصانع للقطن كمادة خام اساسية هذه المصانع التي اصبحت تدفع من ضعفي إلي ثلاثة أضعاف السعر الذي تدفعه ثمنا للقطن المستورد اصبح ليس أمامها بديل إلا رفع اسعار منتجاتها بل وربما رفعه إلي الضعف للملابس الداخلية والجلباب والبيجاما والقميص والبنطلون وفانلات الشباب وغيرها وبالتالي فإن ما سيتحصل عليه الفلاح باليمين من زيادة في أسعار قطنه سينفقه بالشمال في شراء ملابسه وملابس أولاده وأسرته. ويأخذ معه في الرجلين فقراء المدن والحضر والعشوائيات لارتفاع اسعار ملابسها الرخيصة بما قد يفتح الباب أمام المزيد من استيراد الملابس الصينية الرخيصة ليتم تدمير صناعات النسيج في مصر كاملة.
 
الأمر الثاني أن تتكبد مصانع النسيج المصرية خسائر فادحة بسبب ارتفاع أسعار القطن المصري عن المستورد بما يهدد استمرارها ويؤثر علي دخول عمالها وتراجع أرباحهم القليلة وفي هذه الحالة ينبغي للدولة أن تتدخل لتتحمل خسائر هذه الشركات حفاظا علي حقوق العمال وعدم اتساع نطاق البطالة وبذلك تكون الدولة قد تسببت في مشكلة كبيرة وتحملت هي نتائجها بسبب الدراسة غير العميقة لقرار حظر استيراد الأقطان القصيرة والمتوسطة والخاصة بمصانع نسيج العامة من الشعب.
 
الأمر المهم أن وزارة الزراعة ومعهما الشركة القابضة للأقطان تعلم تماما أن مصر تزرع الأقطان الطويلة التيلة وفائقة الطول للتصدير وليس لتسويقها محليا أو فرضها فرضا علي المصانع ولا ينبغي للمصانع والفقراء أن يتحملوا نتائج فشلهما في تصدير القطن المصري الفاخر وأن تدفع مصانع النسيج المصرية المثقلة بالهموم والمشاكل والتي زارها محلب من عام ووعد بحل مشاكلها وبالتالي فالدولة تعلم أن هذه المصانع لا تتحمل المزيد من المشاكل بأن يفرض عليها شراء الأقطان بثلاثة أضعاف سعرها لانتاج المنسوجات الشعبية.
 
نعلم أن الدولة أخطأت كثيرا في الماضي بعدم تحويل العديد من مصانعنا للنسيج لكي تعمل علي الأقطان المصرية الفاخرة وتصدير منتجاتها إلي بيوت الأزياء وسلاسل المحال العالمية الراقية التي تفتخر بأن منتجاتها مصنعة من القطن المصري الخالص. وفي نفس الوقت تصدير المفروشات إلي الفنادق الكبري الفاخرة في العالم لنظامي السبع والخمس نجوم مقابل أن تفتخر بأن مفروشاتها كاملة مصنعة من القطن المصري الفاخر.
 
الخطأ الثاني هو عدم التحول في جرأة مطلوبة لزراعة الأقطان قصيرة ومتوسطة التيلة التي تحتاجها مصانعنا وبذلك نكون "نزرع أقطانا لا نصنعها ونصنع أقطانا لا نزرعها" الحل بسهولة تخصيص محافظات جنوب الصعيد ومشروع توشكي إلي زراعة الأقطان قصيرة ومتوسطة التيلة ولعل القطن قصير التيلة هو المحصول الصيفي الوحيد المناسب لحراراة توشكي. علي أن نخصص أراضي الدلتا في الشمال الأوسط للأقطان الطويلة والفائقة وبالمساحات التي نستطيع تسويقها فقط مع حتمية وقفة جادة مع جهاز التجارة الخارجية عن أسباب فشل تسويق القطن المصري في حين تنجح السودان وبعض الدول الأفريقية والآسيوية في تسويق قطنها الطويل والذي لا يمثل أكثر من 3% فقط من انتاج الأقطان في العالم.
 
لماذا لم نستطيع فرض حظر استيراد علي الذرة الصفراء للأعلاف والتي نستورد منها 3.5 مليون طن سنويا وإجبار المستوردين علي شراء الذرة الصفراء من المزارعين وهو أمر لا يكلف مصانع الأعلاف إلا القليل من المجففات بينما سارعنا بحظر استيراد القطن؟!
 
الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة
nadernour@hotmail.com


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter