السبت ٢٥ يوليو ٢٠١٥ -
٠٠:
١٢ ص +03:00 EEST
ناصر
مينا ملاك عازر
أتفهم جيداً حلم الناصريين لجعل ناصر بطل وزعيم لا مثيل له، والناس فيما يعشقون رؤساء، لكن أن يكن هذا على حساب مصر وتاريخها، فهذا أمر يدعوني لمراجعة القواعد الوطنية والأسس التي ننطلق منها لتفهم التاريخ بل ولاستيعاب الحاضر.
أول أمس حلت الذكرى الثالثة والستون لثورة يوليو غير المباركة، تلك الثورة التي بدأت بحركة داخل الجيش، وقلبت بانقلاب، وانتهت لثورة قام بها الضباط الأحرار، ولن أقل نجيب أو ناصر قام بها، من قام وجنى ثمارها ناصر، وحكم مصر، وفي تلك الذكرى كنت أعتاد الكتابة لتوضيح ما جرى بالثورة، وقد كان يجرني قلمي أو أدفعه أنا للكتابة عن ناصر وتوضيح مساوئه، وكنت قد توقفت عن هذا منذ وصول الإخوان للحكم لأنهم كانوا يقومون بهذا بكثير من الافتراء على ناصر بل كنت أدافع عنه لأنني ما كنت أقبل الظلم والمزايدة.
تلك المزايدة التي يتبعها الآن أنصار ناصر وعلى رأسهم السيد حمدين صباحي الذي يقول أنه لا يوجد رئيس مثل ناصر لمصر، وصباحي حين يزيف التاريخ مادحاً ناصر يقدح باقي رؤساء مصر، وهو حين يعني منهم لا يعني إلا السيسي أي أنه يهاجم السيسي بمدحه لناصر، لا أظن صباحي يرنو لمدح ناصر بقدر انتقاد السيسي الذي هو نفسه يجل ويقدر عبد الناصر في كثير من الأمور، لكن تزييف التاريخ لدى الكثير من الناصريين يدفعهم دون أن يدروا لتشويه الحاضر.
وكنت قد كتبت مقال من قبل وقلت أن ثمة وجه شبه كبير بين ناصر والسيسي كما أنه هناك تشابه بين السيسي والسادات، وأن السيسي يجمع بين شخصية الزعيمين لكنني الآن أريد الإشارة إلى أن ثمة فارق جوهري بين السيسي وناصر يجعل الاول يتفوق على الثانى وهي انضباط ألفاظ السيسي فلا تراه يهاجم أحد بإساءة أدب ولا يسيء لأي دولة وإن أساءت له، لا يفعل ما يكسبنا العداوات التي هي موجودة بالفعل بميل الكثير من الدول المعادية لنا لجماعة الإخوان، ولا يتوعد بإلقاء دول في البحر وهو غير قادر على هذا، وإن كان السيسي قادر فهو لا يفعل ولا يهدد بهذا لأنه سياسي ويدرك أهمية كلمته، يسعى لإيقاف بلده على قدميها وليس لتوريطها في حروب كحرب اليمن، وحتى لما فعلها السيسي واشترك في ضرب حوثيي اليمن فعلها بحساب العسكري المدرك لحدود تدخله، فلم يندفع حتى غطس في مستنقع التورط في حرب لا طاقة لجيشه ولا لاقتصاده بها.
أيها السادة، هذا فارق بسيط بين ناصر والسيسي، المقارنة تصب في مصلحة الأخير، فلا داعي لأن تحاولوا تشويه حاضركم في سبيل تمجيد ماضيكم الذي به من العورات والسوءات ما يكفيه لأن نمحه من التاريخ، ولولا بعض الإنجازات التي لا نستطع أن نغفلها لأننا عقلانيين ولأننا نحب البلد أكثر من حب أشخاص ولأننا أكثر حيادية منكم عذراً.