بقلم :احمد رفعت | الاثنين ٧ سبتمبر ٢٠١٥ -
٤٢:
٠٩ م +02:00 EET
احمد رفعت
فجأة.. وبغير ترتيب - من المؤكد بترتيب نتحرى عن مصدره - تجد مواقع التواصل الاجتماعي ويتصدرها موقعها الأكبر والأهم وهو "فيس بوك"، يتناول ناشطوه موضوعا واحدا يكتبون عنه وتقريبا بصياغة واحدة وعبارات ثابتة وكأن جهة ما أطلقت لجانها الإلكترونية الطلقة الأولى، وتبعها التابعون وبغير وقفة واحدة لمناقشته أو تحليله!
الموضوع هو فرار الأشقاء السوريين من المعارك الطاحنة في سوريا.. والمعالجة المفاجئة هي باختصار أنه "لا يصح أن يهرب شباب سوريا من المعركة"، ونصائح لهم بالعودة بعد ترحيل الأبناء والسيدات، ولا يخلو الأمر من توبيخ للفارين، وبما يعني أن هذا الفرار ليس من "الرجولة" في شيء، وأن الموت دفاعا عن أراضيهم أشرف من الحياة خارجه، ثم مدح في المصريين لأنهم "لم يتركوا أرضهم مرة واحدة في أي حرب سابقة"!!
هذه العبارة الأخيرة تؤكد أن طلقة البداية ليست مصرية إطلاقا، وأن صياغة الفكرة تمت من جهاز إعلامي غير مصري، أراد أن يبعد الشبهة عنه، وأن يفتح شهية المصريين للترويج للموضوع، فيبدو الأمر أنها دعوة مصرية خالصة، وقد وقع مصريون كثيرون جدا في الفخ!
المهم.. تطور الأمر بنفس السرعة وبنفس الكيفية، إلى مئات المقالات والمداخلات الهاتفية ومئات الآلاف من البوستات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكد أن ما يجرى مخطط لتفريغ سوريا من سكانها، ضمن مخطط إسرائيلي لاحتلال سوريا وبناء إسرائيل الكبرى!
هنا نتوقف عند الجريمة الحقيقية التي تتم.. فعند جمع الفكرتين السابقتين "جريمة ترك السوريين لأرضهم" و"مخطط تفريغ سوريا"، نستنتج أمرين لا ثالث لهما:
- تسبب انتشار الفكرتين معا وبسرعة فائقة، في تشتيت الانتباه بعيدا عن الجريمة الأصلية.. وهي أن هناك شعبا كان آمنا يسير في معدل تنمية جيدة، وأن عصابات إرهابية مسلحة بتمويل من بلاد عربية وغير عربية دست أنفها في مستقبله دون دعوة من أحد، وقتلوهم وشردوهم ودمروا بلادهم ومشاريعهم الكبرى، وآثارهم التاريخية العظيمة، وهؤلاء المجرمون من حولوه إلى شعب به ملايين من المشردين يبحثون عن الأمان في أي مكان في العالم!
- الثاني وهو الأخطر.. هو الترويج لفكرة خطيرة جدا مثل التي تم الترويج لها ضد الشعب الفلسطيني، من أنه "باع أرضه"؛ حيث يجرى الآن الترويج لفكرة شبيهة، وهي "أن السوريين هربوا من أرضهم وتقاعسوا في الدفاع عنها"، والنتيجة فيما بعد هي: "عليهم أن يتحملوا نتيجة ذلك"!
الآن نسأل: هل يمكن فعليا تفريغ سوريا من سكانها؟.. وهنا نجيب بالأرقام.. فسكان سوريا يبلغون 24 مليون نسمة تقريبا، غادر سوريا منهم في خمس سنوات طاحنة من القتال وبلا أي أمل في أي حل للأزمة، ما يقرب من أربعة ملايين نسمة!.. ونحتاج لاعتبار ما يجرى تفريغا لسوريا من سكانها إلى تهجير أكثر من نصف سكانها، أي تهجير 14 مليونا مثلا من السكان!!.. أي أننا نحتاج إلى أكثر من عشر سنوات أخرى، يستمر فيها الصراع هناك بنفس القسوة والشراسة، وبلا أي أمل في أي حل وبقاء كل الظروف الحالية على حالها.. فما بالنا أن تركيا إلى مشاكل، وإيران إلى استقرار، وداعش إلى حصار ومواجهة؟!
السؤال الثاني: عدد سكان الدول العربية المحيطة بإسرائيل ينسف الفكرة.. لبنان وما شاء الله قفز سكانه إلى سبعة ملايين، والأردن ارتفع سكانه ما شاء الله إلى أربعة أضعاف في 15 عاما، ووصل إلى 11 مليونا!.. في حين يصل عدد سكان إسرائيل إلى ثمانية ملايين، بينهم ما يقرب من مليوني عربي ونصف مليون غير معروف الانتماء، في حين يقترب فلسطينيو الأرض المحتلة في الضفة وغزة إلى ما يقرب من خمسة ملايين!!
السؤال: مش لما تنتهي إسرائيل الأول من الفلسطينيين بداخلها ثم فلسطينيي الأرض المحتلة حولها، ثم من سكان لبنان الحبيب ثم سكان الأردن الحبيب، عندها نتحدث عن سكان سوريا؟! ها؟
قد يقول أحدهم إن تركيا تريد ذلك، ونقول: لهذا حديث آخر، رغم أن الكلام عن إسرائيل الكبرى وليس عن تركيا الكبرى ولا حتى الصغرى!!
والخلاصة: انتبهوا.. البعض يقدم خدمات جليلة لعدوه، وهو يعتقد أنه يقدم خدمات وطنية جليلة، وبكل أسى يكتبون ويكررون كلاما مشابها في استخفاف لا مثيل له، رغم حسن النية، ورغم عشق المصريين الحقيقي والمؤكد للأشقاء السوريين!
نقلا عن vetogate.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع