هى كلمة كثيرًا ما نسمعها تتردد بعد إخبار أحد المتحدثين أو بعد إعلام الحضور بإلغاء ندوة ما، أو دورة تدريبية ما، خاصة لو كان موضوعها سياسيا أو حتى فى بعض الأحيان اقتصاديا. وهو أمر متكرر رغم اختلاف الجهات المنظمة لهذه الندوات سواء كانت مراكز بحثية أو مؤسسات أهلية. وتكراره رغم اختلاف المحاضرين وخلفياتهم، بل رغم تعدد الجهات المستضيفة سواء كانت أحد قصور الثقافة، أو أحد بيوت الثقافة الأثرية، أو حتى أحد الفنادق، شىء مزعج، كى لا نقول تعيسا.
نعم، بشكل عام يمكن أن نتفهم وضع بعض القيود على موضوعات بعينها، ربما نظرًا لخطورتها الأمنية أو حتى لحساسيتها الدينية، خاصة حينما يتعلق الأمر بنقاشها فى المجال العام وبشكل مفتوح. لكن أن يتم منع أو حتى التضييق على النقاشات الجادة فى المجال العام بدعوى وجود أسباب أمنية تدفع لذلك، شىء لا يمكن تخيله فى القرن الواحد والعشرين، كما أنه أمر لا يصح أن تقبل به دولة تدعى أنها تسابق العصر للنهوض. فأسوأ ما نشهده اليوم هو حالة تسفيه الجدل العام كى يشمل كل ما لا قيمة له، ويبتعد عن كل ما هو حقيقى ومؤثر. يعج الإعلام، كما الفضائيات، بالسجالات التافهة حول الإنس والجن والخرافات... إلخ، أما النقاش الجاد والعلمى حول سياسات تخص التعليم أو الصحة أو الطاقة فى مرحلة مفصلية كهذه، فغائب. ببساطة، النقاش حول توافه الأمور متاح، أما الحوار الجاد والمنهجى حول القوانين الجديدة التى تهل علينا كالمطر فى فصل الشتاء، فغير مطلوب، أو على أقل تقدير، لا يبدو أنه مرحب به.
أصيب البلد مؤخرًا بداء «التجويد» أو بمرض التأييد المبالغ فيه. فيميل عدد ليس بالقليل من العاملين فى الإعلام أو حتى مالكيه إلى عدم إبراز الأصوات الناقدة بهدف تقديم فروض الولاء والطاعة، حتى وإن لم تطلب منهم. وكى يثبت الكثير من المسؤولين أو الموظفين دعمهم للنظام السياسى أو للرئيس يسعون لغلق أبواب النقد البناء حتى بدون أن تصلهم أوامر مباشرة بذلك. فلسان حال الكثير من بينهم: ولماذا وجع الدماغ؟ الأسهل هو حجب النقاش من الأصل. والحقيقة هى أن كل هؤلاء مسؤولون تمامًا، حتى ولو بشكل غير مباشر، عن أى قرار خاطئ يتخذ، لأنهم ببساطة يحرمون مجتمعا بأسره من ثمار البحث والمناقشة الجادة. بالتأكيد ليس هناك دخان من دون نار، فهذا الداء «التجويدى» لن ينتشر إلا لو وجدت إيحاءات تشجعه، أو إملاءات واضحة بالسماح بهذا أو ذاك، أو منع هذه أو تلك. وهو أمر إن صح، فلن يدل سوى على مزيد من القصور فى الرؤية فى وقت لا تنفع فيه إدارة بلد يريد أن يركض، بطريقة مكبلة ومقيدة كهذه.
لذا وأخيرًا دعونا نقلها صراحة: عودة الطريقة القديمة التى تنحى أدوات البناء، من عقل وخبرة وحوار، لصالح موافقات أمنية فى قضايا لا تمس أمن مصر من قريب أو من بعيد، لن تقيم بلدًا ولن تخدم شعبًا. فالنقد والمراجعة هما سبيل التطور والتطوير، ومقابلة الحجة بالحجة المضادة هى طريق التفاعل السليم واللازم لمن أراد التقدم إلى الأمام.
نقلا عن المصري اليوم