في رابعة صعد أحمد منصور مذيع قناة الجزيرة إلى المنبر، وطلب من أنصار المعزول مرسي خفض صوره وعدم المطالبة بعودته للحكم، وأن تعود هتافاتهم لمطالب ثورة 25 يناير والتوحد مع شباب الثورة مرة أخرى، ولا مانع من وضع أيدينا مع الليبراليين المتوحشين والاشتراكيين الثوريين الكفرة، المهم ألا يستقر الحكم أو تعود الدولة.
كان "منصور" يفكر والقطيع متوتر يريد الخلاص النهائي وإقامة دولة الخلافة التى اقتربت فى مخيلتهم الجمعية بلحظة تولى مرسي للرئاسة، وما تبعها من ظهور كل أفراد خلايا للتنظيم السري فى كل مكان فى مصر، ظهر رجال الظلام فى ضوء الشمس، فسرعان ما احترقوا مثل أفلام مصاصى الدماء.
تمترسهم عند نقطة مرسي والتمويل المتدفق من الخارج دفعهم إلى رفض فكرة منصور، وقادهم للقيام بمئات الثورات الصغيرة التى تكسرت على صخرة كشف المجتمع لهم وعدم اقتناع الناس بقدرتهم على حل أزماتهم ومشاكلهم، ثم ظهرت الضربة القاسمة بإنشاء تنظيم القاعدة للخلافة قبل الإخوان في سوريا والعراق، والتى تحولت بعد ذلك إلى خلافة داعش، معنى ذلك أن تنظيم حسن البنا فشل فى إنشاء الخلافة ونجح تلميذه الذي لا يدين له بأي ولاء أبو بكر البغدادي.
فترت قوة التنظيم فى الداخل وأصبح أكثر قبولًا لتطبيق فكرة منصور، والتى أضيفت لها بعض التعديلات التى تضمنت انسحاب كامل من المشهد والدفع مرة أخرى بالشباب غير المنتمى للجماعة، والراغب فى التغيير وغير الراضي عن مسار الأحداث بعد 30 يونيو، وتحولت قوه التغيير داخله إلى طاقة تشكيك وإحباط منفجرة على صفحات التواصل الاجتماعى، وقد تجده يردد شائعات ومعلومات تاريخية مغلوطة لو تتبعت مصدرها ستجدها صادرة من مواقع تابعة للإخوان أو للمتحالفين معهم.
في الوقت نفسه، أداء الدولة وتصريحات الوزراء تعطي لهذا النوع من الدعاية السوداء هدايا ثمينة، يكفي أن تسمع تصريحات وزراء حكومة محلب بداية من وزير العدل السابق وحتى وزير التعليم لتزيد جرعة سخطك على الأوضاع وتصبح مهيأ تمامًا لحرب المعلومات أو الجيل الرابع من الحروب الذي تعرض كمًا من الابتذال كاد ينال من واقعيته وحقيقة وجوده علميًا.
لقد تأكدت الولايات المتحدة أن الدبابة لم تحسم الأمور لصالحها في أفغانستان والعراق وقبلهما فيتنام، التكلفة المادية والبشرية كبيرة، فلماذا لا نطوع الدول بالفوضى الخلاقة، فالشعوب يزداد سقف تطلعاتها وستلجأ حتميًا إلى مساعدة الولايات المتحدة أو الاستدانة منها لمواجهة العجز المالي الناتج عن الفوضى، ومن ثم ستتمكن الولايات المتحدة من فرض شروطها وتوجية قيادة هذه الدول إلى تحقيق أهدافها دون احتلال أو حتى تحريك عسكرى واحد.
لقد تمكنت الدولة المصرية بمساعدة أشقائها العرب من المرور من المرحلة الأولى من الحرب، ونجحت فى تغيير قواعد اللعبة بعد 30 يونيو، وتحولت نقاط الاشتباك إلى نقاط تقدم للدولة المصرية، فلدينا دستور ورئيس منتخب، يبقي البرلمان، ولعل تويتة البرادعي عن عدم المشاركة فى الانتخابات تعطي مؤشرًا واضحًا على استهداف البرلمان القادم، لذلك سنرى بين الحين والآخر تشكيكًا فى رغبة وقدرة الدولة على إجراء انتخابات البرلمان وإثارة للقلق والضغط على مفاصل الدولة عن طريق إثارة قضايا الفساد وتحريك الغضب الشعبي نحو رواتب القضاة وتدمير وزارة الداخلية بصراعها مع الأمناء ثم الضغط على الجيش بالعمليات الإرهابية، بالإضافة إلى فرض حصار اقتصادي بتقليل الاستثمارات وعدد السائحين، وما ينتج عنه من اختفاء للدولار فضلًا عن انهيار قيمة الجنيه.
واجه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تحديًا مشابهًا عام 1954 فى قمة النشاط المصرى خلال مفاوضات الجلاء وتعرضت لأبشع صور الدعاية السوداء ضد الثورة ووصلت إلى داخل وحدات الجيش نفسها فكان اعتصام ضباط الفرسان ثم حصارها بضباط المدفعية إلى أن نجح عبد الناصر بثباته وصموده فى المرور من هذه الأزمة، مستندًا على رغبة السواد الأعظم من ضباط الجيش في استكمال الثورة وتنحى "نجيب".
اقترب "عبد الناصر" من الناس بصدقه ووطنيته المفرطة رغم حداثة عمره.. فهو ابن البوسطجى الذي لم يُخف أصله فى زمن حكم البشوات، ساعد الفلاح بقوانين الإصلاح الزراعي، لم يقبل رشوة الأمريكان وبنى بها برج القاهرة.. لم تنجح محاولات إفساده داخليًا وخارجيًا.. حرص على اختيار معاونيه وسيطر على المتلاعبين في الإعلام.. حلم بمصر القوية وعمل على ذلك بكل قوته حتى شعر الناس بها، لكنه ككل البشر أصاب وأخطأ.
أعتقد أن المعركة مع حروب الجيل الرابع هي معركة وعى بالأساس، وعى الناس بالخطر الذي يلتهم في هذه اللحظة كل دول الجوار ومن المستحيل عدم تأثرنا به، وقوف القيادة السياسية ضد الفساد الإدارى وحماية المال العام، حسن اختيار الوزراء وتدريبهم على التعامل مع وسائل الإعلام والدقة المطلوبة فى التصريحات الرسمية وسرعتها حتى لا تعطي الشائعات فرصتها في الانتشار والتوغل والتمركز فى مخيلة الناس.
يجب أن تتبنى الدولة سريعًا استراتيجية لبناء الأمل فى المستقبل عبر تغيير الصورة النمطية لوزارة الداخلية فى الأذهان والاهتمام بنوعية الضباط والأفراد المتعاملين مع المواطنين، وأن يصبح احترام المواطن هو السمة الغالبة، والإسراع فى توظيف الشباب عبر آليات شفافة ونزيهة، والإسراع بانتخاب البرلمان وتشكيل حكومة من نوابه حسب نصوص الدستور لقطع الطريق أمام خطة منصور - البرادعي.
الحلول الأمنية تستنفد قوتها في مواجهة حرب المعلومات، وسلاح الدولة الوحيد هو الحفاظ على ثقة الناس بشفافيتها ونزاهتها.
نقلا عن البوابة نيوز
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع