تحدثتُ فى كتابى الجديد «الجهاد ضد الجهاد» عن نموذج جديد فى حركات الإسلام السياسى.. أطلقتُ عليهم وصف «مجاهدى أمريكا».. وبعد صدور الكتاب جاءت تصريحات الرئيس الروسى بوتين ورئيس الوزراء ميدفيديف.. لتؤكدَ الطرح الذى ذهبتُ إليه.
أودّ أن أطرح رؤيتى للتدخل الروسى فى سوريا على النحو التالى:
1. الصراع الأكبر فى عالم اليوم يقع بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب وبين روسيا والصين من جانب آخر.
2. لا يدور هذا الصراع على أساس أن روسيا والصين كتلة واحدة وإنما على أساس أنهما قوتان منفصلتان.. ولكنهما فى مجال واحد.
3. تدرك واشنطن أن أدوات الحرب الباردة كانت أكثر حسماً وأقل تكلفة فى إسقاط أكبر أعدائها على مرّ التاريخ وهو الاتحاد السوفيتى.
4. تدرك واشنطن أيضاً أنّ ما كان صالحاً فى إسقاط الاتحاد السوفيتى.. لايزال صالحاً فى إدارة الصراع مع روسيا والصين.
5. تدرك واشنطن كذلك أن أقوى أسلحة الحرب الباردة والحرب نصف الساخنة هو سلاح مثير تم اكتشافه فى الحرب العالمية الثانية.. كان هتلر أول من اكتشف الدور الخطير لهذا السلاح، ثم أدركت الولايات المتحدة خطورته الكبرى.. فواصلت استخدامه بعد هزيمة هتلر.. إنه سلاح «الإسلام السياسى».
6. يشرح كتاب «مسجد فى ميونخ» لمؤلفه الكندى إيان جونسون الفكرة ببساطة:
أدرك هتلر أن استخدام «سلاح الإخوان المسلمين» وحركات الإسلام السياسى فى مواجهة الحلفاء.. هو أداة قوية للغاية فى هزيمة الاتحاد السوفيتى الذى يضم داخله ملايين كثيرة من المسلمين.. وأن إعلان المسلمين الجهاد ضد السوفيت.. بالتوازى مع إعلان هتلر الحرب ضد السوفيت، سيؤدى إلى هزيمة ساحقة للسوفيت.
وعلى ذلك فإن تحالف «المجاهدين المسلمين» مع «المحاربين الألمان» سيؤدى إلى سقوط موسكو.. إنها معادلة بسيطة ومذهلة:
الجهاد الإسلامى + القتال الألمانى = انتصار ألمانيا وهزيمة الاتحاد السوفيتى.
7. لأنَّ ذلك لم يحدث.. ولأن أداء هتلر العسكرى كان مليئاً بالأخطاء.. انتصر الاتحاد السوفيتى وانهزمت ألمانيا.. ولكن الأمريكان أدركوا أن فشل هتلر فى استخدام سلاح الإسلام السياسى فى الحرب العالمية الثانية لا يعنى حتمية فشله دائماً.. وقرروا أن يدخلوا «سلاح الإسلام السياسى» فى الخدمة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية.
8. يقوم هذا السلاح على استثمار المخابرات الأمريكية الروح الدينية القوية عند شباب المسلمين غير المثقفين، ودعمها بتوجيه قوى ومعقّد، يصعُب إدراك حلقاته.. أو ترتيب مستوياته. وبذلك يتشكل سلاح الإسلام السياسى من مكوّنيْن أساسييْن: العُملاء والجُهلاء.. وبينهما تتوهُ خُطَى المخلصين.
9. نجحت الولايات المتحدة فى أكبر وأخطر اختبار لسلاح الدمار الشامل الجديد «سلاح الإسلام السياسى».. حين استخدمته فى حرب استنزاف الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان.
10. لم يكن ذلك السلاح يعمل بمفرده.. بل كان هناك سلاحان حاسمان: سلاح الاقتصاد وسلاح السياسة.
11. كان سلاح الاقتصاد هو خفض سعر البترول، وكان سلاح السياسة هو استخدام أو استثمار «الجهاد الإسلامى» فى الحرب.
12. نجحت الولايات المتحدة فى خفض سعر البترول من (20) دولاراً للبرميل إلى (10) دولارات.. ولم يتمكن الاتحاد السوفيتى من بيع بتروله إلا بـ(6) دولارات للبرميل عدة سنوات.
13. كان «خفض سعر البترول + المجاهدين الأفغان» سلاحَىْ واشنطن فى القتل البطىء للاتحاد السوفيتى.. وقد مات.
14. كان معظم المجاهدين الأفغان.. من الأبطال المخلصين لدينهم ووطنهم، واستخدموا سلاحهم وأرواحهم من أجل طرد الاحتلال السوفيتى وتحرير بلادهم وإقامة حكومة وطنية.
15. لكن وراء «الإخلاص الأفغانى» كانت السياسة الأمريكية.. تموّل، وتراقب، وتستثمر.. وتوجِّه.
16. سقط الاتحاد السوفيتى.. ثم تساقط حُكم المجاهدين الأفغان.. لم يكن «تساقط المجاهدين الأفغان» مهماً لواشنطن.. فاستمر التساقط طويلاً.. ذلك أن سقوط الاتحاد السوفيتى كان الهدف الوحيد، أما تحرير أفغانستان وإنقاذ شعب مسلم، وإقامة وطن رائع وآمن ومتحضِّر للمسلمين فى أفغانستان، فلم يكن هدفاً أمريكياً على الإطلاق.
17. يكرر الرئيس باراك أوباما ما فعله الرئيس رونالد ريجان.. نفس الطريق.. نفس الخطوتيْن: خفضْ سعر البترول وإطلاق «الجزء الثانى من المجاهدين الأفغان».. أو «الموجة الجديدة من الإسلام السياسى».
18. من الطبيعى أن يُواجَه هذا التحليل بالإنكار من الباحثين الغربيين، ومن السهل إصابته برصاصة واحدة.. عبْر إغراقه فى نظرية المؤامرة.. لكن بوتين وميدفيديف يريان ذلك التحليل صحيحاً تماماً.
19. تريد واشنطن بعد خفض سعر البترول.. وتكسير الاقتصاد الروسى.. تقديم دعم وتسهيلات واسعة لحركات الإسلام السياسى المتشددة من أجل العمل ضد الدولة الروسية.. ويرى الروس أن «داعش» و«النصرة» هما «جامعات» إرهابية برعاية غربية.. يجرى تجهيز «المجاهدين الجُدد» فيها من أجل قتال موسكو.. من جديد.. وأن الهدف من تمدُّد حركات الإرهاب فى العالم العربى ليس فحسب: إسقاط العواصم العربية، وإنهاء المجتمع العربى.. وإنَّما الهدف الأكبر هو روسيا ثم الصين.
وأمّا احتراق العالم العربى.. فقد كان ضرورياً من أجل تجهيز كتائب حرق روسيا.. التى هى «هدف الأهداف».
20. ثمّة تحليلات معقدّة.. لا نهاية لها بشأن التدخل الروسى فى سوريا.. وقد تكون كلها منطقية.. رغم تناقضها وتعارضها.. لكن «نظرية مجاهدى أمريكا» تبقى الأكثر منطقاً.
انظر ما قاله بوتين وما قاله ميدفيديف: ذهبنا للدفاع عن الأمن القومى الروسى.. لدينا ميزانية عسكرية كافية لتغطية الحرب.. كان لابد أن نحارب الإرهاب فى سوريا قبل أن نحاربه فى روسيا.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع