بقلم : د. ماجد عزت إسرائيل
تــــعد دراسة الإصلاح القبـــطي في مصر وعلاقــته بالــــحداثة الغربية في الــقرن التاســـع عشر، ذات أهمـــية كبرى سواء في محيــطهم الخاص كطائفة لها نظمها ومؤسستها الكنيسة الراسخة وعاداتها وتقاليدها الدينية، الموروثة أو كجزء لا يتـــــجزأ من المجتمع المــــــصري، الـــذي طــــرأت عليه تـــــــغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية بعيدة المــــــدى عجلت بتــــــطوير أو تـغير الــــعديد من المؤسسات التقلــــيدية المـوروثة؛ نتيجة تغييرات عميقة في ظـــــــــل قيام الحــــــكومة المركزية القائمة على الإدارة الـــــحديثة على النمـــط الأوربي وارتبـــاطـــها بالـــسوق العالــمية والتخصــص في زراعة القـــــــــطن ونشاط حركـــــة، التصـــــدير، ونمو رأس المــال وإنشــــــاء مؤسســـــــات الـــــتمويل وتدفــــــــق الأجــــانب، وتغلـــغل الأساليب والـــعادات الغربية الــــحديثة وبخاصــــــة في المــــدن وهي تغييرات اشتد ساعده وأمتد تأثيرها إلى الجميع.
وأدت التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري في ذات القرن وعلى الأقباط خاصة، من حيث شاركتهم في الإدارة الــحديثة، ومع إلــغاء الجزية وقبولهم بالجيش، بموجب خط همايون الصادر في 1272هـ/1856م،ساعد على زيادة ظهور الحركات الإصلاحية داخل الكنيسة القبطية،وصاحب ذلك حدوث تغييرات في جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية التي انعــــكس أثرها على المجتمع المصري بصفة عامة.
وفى إثناء ذلك عرفت الكنيسة القبطية استمرار التحدي الغربي في صورة حملات التبشير الكاثوليكي والبروتستناتي خـــلال الـــــقرن التاســع عشر، واستطاعت تحديث وإصلاح نفسه، وواكب ذلك إصــــــدار الحكومة المصرية"لائحة إصلاح 1879م" ليكون بمثابة رؤية ليبرالية صافية تربط بين الديمقراطية و الانتماء، والتي توجت بصدور "لائحة إصلاح 1881م" استجابة للمطالب الليبرالية، وفى ظل ذلك ركبت الكنيسة القبـطية بفضل البطاركة، موجة الحداثة الغربية بالثقافة والتعليم وإنشاء المدارس القبطية والكلية الإكليريكية ، حتى أمكن أعادة تنظيم مؤسسات الكنيسة على أسس عصرية حديثة.
ولتحقيق هذا الهدف تطلب قيام المسئولين عن الكنيسة القبـطية بـحركة إصلاح شاملة بتأسيس العديد من المؤسسات التي تحقق الغرض من أجـــل حماية رعاياه وفى مواجهة التحديات والحداثة الأوربـية، فقامت بإنشاء المدارس القبطية، لتعليم اللغة والإلحان القبطية للحافظ على خـصوصـية الأقباط،،و تطلب ذلك استيراد المطبعة لطبع ونشر ثقافتها، وإنشاء المكتبات العامة، بجانب المكتبات الخاصة ، كما أصدرت الصحف القبطية ، ونمــــت الليبرالية داخل الكنيسة في ضوء المجلس الملي العام 1874م، الذي شــهد مشاركة العناصر العلمانية.بجانب الاكليروس، كما شـجعت الـكنيسة في ضوء حركتــها الإصلاحية الأراخنة ورعاياه على دفــع العشور والنــــذور والتبرعات ووقف الأراضي والعقارات والمـحلات من أجل تــوفير مصدر تمويلي لمواجهة النفقات على المؤسسات الإصلاحية الحديثة.
كما أن بناء حركة الإصلاح الحديثة داخل الكنيسة القبـــطية قامت على دعائم من أهمها الجمعيات الخيرية ونشــاطها متــعدد الجوانب في الـــــــبر والفقراء والتــــعليم ورعاية الأرامل والــــــجوع والمرض، كـذلك أنشاءت الملجأ لرعاية الأيتام، والتزمـت هذه الجمعيات والملجأ باللوائح والقوانين المنظـــمة للعمل الأهــلي، ومن ضمنها عدم التدخل في الشئون السياسية والدينية، لأن دورها ،كان لا يقتصر على خدمة الأقباط خاصة،بل خدمة المـــجتمع المصري (مسلميه وأقباطه) في ضوء تنمية الشعور القومي لدى أبناء الأمة الواحدة.