بقلم : حلمي النمنم | الاربعاء ٢١ اكتوبر ٢٠١٥ -
٤٠:
٠٤ م +02:00 EET
برلمـــــــــــان 2015
أسابيع ويكون لدينا برلمان، وبه تكتمل أركان الدولة، دولة 30 يونيو، التى هى تصحيح لمسار دولة 25 يناير، وكان من المفترض أن يكون البرلمان انتخب، مع نهاية العام الماضى، لكن الخلافات القانونية أجلت العملية الانتخابية.
والواضح أن لدينا فريقا قلقا من البرلمان القادم، خشية أن يتسلل إليه عناصر ممن تتخوف قطاعات واسعة فى الرأى العام منهم، معركة أحمد عز وسما المصرى لخوض الانتخابات، مجرد حالتين فقط، فى المقابل هناك مخاوف واسعة من أن يتمكن بعض من ينتمون إلى الجماعات الإرهابية من التسلل وفق سيكلوجية «الخلايا النائمة» إلى البرلمان، عبر مقاعد المستقلين أو إحدى القوائم، لكن حتى لو حدث شىء من هذا فإن الأمر سيكون مكشوفا فى حينه أمام الرأى العام، الذى يراقب الجميع، وفى كثير من الحالات يكون هذا الرأى متيقظاً ومنتبهاً، ربما أكثر من المتخصصين.
هؤلاء القلقون والمتخوفون لا ينطلقون من فراغ ولا يعبرون عن وساوس وهواجس شيطانية، فقد سبق أن لدغنا من أمثال هؤلاء فى انتخابات برلمان 2012، حيث عول الناخبون على أمثال هؤلاء، بتفاؤل وحسن نية منحوهم الثقة، فضلاً عن عوامل أخرى كثيرة، وفى النهاية وجدنا أنفسنا أمام برلمان، أراد أن يأخذ الدولة والمجتمع إلى أسفل سافلين، ولم ينقذنا منه سوى حكم المحكمة الدستورية، وقرار المشير طنطاوى بتنفيذ الحكم وحل ذلك البرلمان.
ولا تحتمل مصر مغامرة من هذا النوع، ذلك أننا نحتاج ونستحق أن يكون لدينا برلمان قوى يكون عامل استقرار للدولة، برلمان بحق يراقب أداء الحكومة بنزاهة وإعلاء للمصلحة العليا وتنتفى منه المطالب الشخصية أو الفئوية والجهوية التى رأيناها فى برلمانات سابقة.
وربما بسبب بعض التجارب والممارسات السابقة، فإن لدينا قطاعا واسعا من الرأى العام لا يرى للبرلمان جدوى كبيرة، ويعتبر هذا البرلمان امتدادا للعمل التنفيذى، فالناخب فى النهاية ينحصر دوره فى تحقيق مطالب ومكاسب لأبناء دائرته ومحبيه، لدى الجهات التنفيذية، وهذه المطالب غالباً ما تكون حقاً من حقوقهم، لكن فى النهاية لا يجب أن يقتصر دور البرلمانى على ذلك فقط؛ المهم أن هذا الفريق من الرأى العام لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع ولا ينشغلون بالعملية الانتخابية، وهذا القطاع من المجتمع ليس جديداً علينا، بل كان موجوداً دائماً، فى الانتخابات البرلمانية سنة 1950 خرج أعلى معدل من الناخبين للتصويت، والمفارقة أن نسبتهم تجاوزت بقليل جداً 50% ممن لهم حق التصويت، ظاهرة العزوف ليست مصرية تماماً، بل يمكن القول إنها موجودة فى معظم دول العالم، حتى تلك العريقة ديمقراطياً، واجبنا الآن أن نعمل على تضييق هذه الشريحة لدينا وأن نقنع عموم المواطنين بجدوى البرلمان، وأهمية وجوده.
وفى كل الأحوال لا يجب أن تزعجنا نتائج الانتخابات، لنكن على استعداد للتعامل مع البرلمان القادم، أياً كانت تركيبته، فى النهاية هناك دستور يحكم الجميع ويلزم الجميع أيضاً، والعملية الديمقراطية إذا خلصت النوايا تجاه الديمقراطية ذاتها، ولم يتخذها بعضنا تقية، قادرة على أن تصحح نفسها، ما يجب أن يثير قلقنا هو – لا قدر الله – عدم إجراء الانتخابات، وقد تجاوزنا تلك العقبة وأوشكنا على الانتهاء من المرحلة الأولى.
تاريخيًا كان لدينا برلمان منذ عهد الخديو إسماعيل، وكان برلمانا قويًا، حاول التصدى للتدخل الأجنبى فى شؤون مصر، الذى كان آخذا فى التزايد، وفهم بعض الدارسين أنه بذلك كان يساند الخديو إسماعيل، ولم ينتبه هؤلاء إلى أنه كان يقف على أرضية وطنية لمنع التغول الإنجليزى- الفرنسى، فى الشؤون المصرية؛ وحتى قبل الخديو إسماعيل كان هناك محاولات لتأسيس مجلس أقرب إلى البرلمان، منذ أيام محمد على، بل إن طائفة العلماء- علماء الأزهر- لعبوا فى نهاية القرن الثامن عشر دور البرلمان، فيما كانوا يعبرون لدى الحكام عن مصالح ورغبات المواطنين، وتدخلوا كثيرًا لإيقاف قرارات وفرمانات كانت مجحفة بحق الأهالى، خاصة فى مجال الضرائب والمكوس، ومن ثم فإننا أمة عريقة فى تاريخها البرلمانى، حتى لو أغضبنا أداء بعض البرلمانين، أو لو رفضنا برلمانًا بأكمله، كما حدث بالنسبة لبرلمان 2010 وبرلمان الإخوان من بعده.
لأسباب حزبية وفكرية وتوجهات سياسية لن ترضى كل الفئات عن البرلمان، وهذا طبيعى وصحى، لكن وجود البرلمان فى النهاية أفضل مئات المرات من عدم وجوده، ليس فقط لمهام التشريع ورقابة الأداء التنفيذى، لكن به تكتمل سلطات الدولة ومؤسساتها، وبه يتم تدعيم دولة القانون.. دولة الحقوق والواجبات، ويتأسس ويقوى العقد الاجتماعى، الذى يربط المواطنين وفئات المجتمع ويحدد تعاملاتهم وعلاقاتهم وأدوارهم الاجتماعية، ويحدد كذلك علاقة الدولة بالمواطن، وحقوقه التى يجب أن تكون مصانة وكذلك واجباته.
فى الأسبوع الماضى فازت مصر بعضوية مجلس الأمن، غير الدائمة، وفى ذلك اعتراف دولى بما أنجزناه كمصريين، وبصحة اختياراتنا ومواقفنا، وسوف يكتمل هذا الاعتراف بالانتخابات البرلمانية.
لهذا كله يجب أن نتكاتف حتى يكتمل البرلمان بانتخاب أعضائه، ويجتمع بكامل هيئته، ويمارس أدواره؛ الحمد لله بدأنا، وأجريت الجولة الأولى من انتخابات المرحلة الأولى.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع