أخبرني صديقي عاشق القراءة عن شراءه كتاب من بائع روبابيكا عجوز يمر يوميا أمام منزله العامر بالجيزة لفت نظره قدمه الشديد، الكتاب ذو غلاف كرتوني شديد الإصفرار وأوراقه تكاد أن تذوب بمجرد لمسها ، يتحدث الكتاب عن محاولات "جوهر الصقلي" الرجوع في كلامه وإعادة بناء قاهرة المعز مرة أخرى، لأن الوضع بعد فترة من البناء لم يعجبه فقرر تحسين المنتج ولكن الأمور في المرة الثانية لم تأتي بما تمناه بل كانت أكثر سوء من المرة الأولى
حمل صديقي الكتاب خلسة ودخل المنزل مخبئا اياه من زوجته لان المسكينة تعاني من كثرة الكتب المنتشرة في أرجاء المنزل فضلا عن حالة الفوضى المنتشرة بكل شبر لأن نظريته العملية أن الإنسان لايشعر بقيمة زوجته المنظمة المرتبة إلا بعد إثارة الفوضى في مكان.. لكن بشكل منتظم.
دخل غرفة النوم متظاهرا بالكسل الشديد وصل لمسامعه صوت زوجته في المطبخ تتحدث لغة غير مفهومة يبدو أنها مع الوقت أتقنت لغات حية؛ بدأ القراءة بشغف عظيم الكتاب يوضح إدارك " الصقلي" أن أزمة القاهرة التي بناها "مهنته" الأساسية قبل يتحول إلى قائدا للجيوش ، حيث أنه أن أصوله أرمنيه من كرواتيا، ولد وعاش فيها قبل أن ينتقل إلى صقلية التى ذاعت شهرته بها، وكان يجيد صناعة الكنافة والحلوى قبل أن يباع كمملوك للخليفة المنصور بالله الذى ألحقه بالجيش وترقى فيه حتى صار أشهر قواده ولذلك سمى بالحلوانى.
اعتدل صديقي في جلسته على السرير ممسكا الكتاب القديم بحرص شديد لاستكمال القراءة وفجأة دخلت زوجته الغرفة فدفن نفسه بسرعة تحت الغطاء في محالة لاقناعها بأنه نائم فسألته : انت هاتنام والبلكونة مفتوحة تحب أقفلها ؟ اجاب فورا لأ سيبها.. لو أغلقتها لن يستطيع القراءة، خرجت زوجته من الغرفة تصدر أصواتا غربية؛ فخرج من تحت الغطاء مكملا القراءة عن صديقنا "الصقلي"؛ فوجده عاد مرة أخرى إلى "صقلية" لتعلم مهنة أخرى، عندما كان حلوانيا أصاب "قاهرته" الكثير من "اللعبكة والتلزيق" كما أن النمل سرح وأصبح له الصوت الأعلى واليد العليا في كل مفاصل المدينة المسكينة ، " الصقلي" الكرواتي الأصل الذي عاش في مصر فترة طويلة حاول كثيرا أن ينجح في إرساء قواعد التنوع وقبول الآخر والمواطنة كأساس وأصل لمدينته الفاضلة ممنيا نفسه أن تكون أحسن مدن الدنيا.
ظل ليال طوال لا ينام التفكير كاد أن يفجر رأسه بحث كثيرا عن المهنة التي تحقق التنوع خرجت ، طرقت جيرانه "ماريا" وزوجها "روسي" باب كوخه على شاطىء البحر المتوسط المواجة تماما لشواطىء مصر حاملة في يدها طبقا كبيرا من السلطة مكونة من كل أنواع الخضراوت بجميع ألوانها ، قفزت الفكرة في رأسه التنوع في الطبق الشهي يتشابه تماما مع "قاهرته" طلب من ماريا وروسي تعليمه فنون طبخ السلطة وأدرك أن مقولة "اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني " ستتغير فورا دون أدنى تعب وستنقل الأجيال أن "الصلقي بناها شكل السلطة"
فجأة صديقي وجد زوجته فوق رأسه مباشرة تصرخ " أنت هاتفضل قاعد لي هنا انا عايز أوضب الاوضة دي ..توقفت عن الكلام ونظرت إلي الكتاب الظاهر بوضوح رغم محاولات إخفاءه تحت الغطاء ونظرت بغضب فقام من مكانه ممسكا الكتاب وخرج من الغرفة باستسلام بينما تكمل الزوجة حديثها باللغة الغريبة بما معناه "كتب تاني ....كتاب تاني ".
عرض الجزء الأخير من الكتاب صدمة الصقلي من رد فعل الشعب والفهم الخاطىء للتغيير من الحلواني للسلطة ، وابتسم بصوت عال عندما أشار الكتاب إلى مجموعة لاعقي الأحذية أطلق عليهم الكاتب اسم "طبقة الهتيفة" التي ساهمت في تحويل المعنى إلى ما يخدم الحاكم مستغلة الطباق بين كلمتي السلطة – الغذاء – والسلطة – الحكومة والحكام - أصيب "الصقلي" بصدمة من طاعة الشعب العمياء لطبقة الهتيفة، خرج زوجته من الغرفة تسأل :بتضحك على ايه؟ أجاب بسرعة "مبسوط يا حبيبتي اني قاعد معاكي" ؛ ضحكت ضحكة صفراء تشبه أوراق الكتاب واتجهت للمطبخ مصدرة أصوات تنتمي للغة الغربية التي تتقنها.
في ختام الكتاب تناول المؤلف أيام "الصقلي" الأخيرة وحزنه الشديد بسبب خنوع وخضوع الشعب للسلطة وقرر ترك الجيوش وافتتح مطعما يقدم "المخ" مع "السلطة" في شارع المعز مشيرا إلى أنه في آخر أيامه هرب من "العسس" بعد بلاغ من "طبقة الهتيفة" يتهمونه أن يقدم أكلات تحث على التفكير والتنوع.
أمسك صديقي الكتاب واتجهة إلى غرفة النوم مبتسما خرجت زوجته من المطبخ ملوحة "بكبشة" كبيرة بما يعني عليه العودة للصالة لأن الغذاء جاهز ، سألها مبتسما عن نوع الطعام فقالت محشي وسلطة.