مصراوى | الجمعة ٣٠ اكتوبر ٢٠١٥ -
١٦:
٠٧ م +02:00 EET
"صبايا الشر" في الإعلام.. ريهام سعيد ليست المتهمة الوحيدة (تقرير)
اتسعت موجة الغضب بسبب مقطع فيديو تتحدث فيه المذيعة ريهام سعيد سلبا عن الشعب السوري، ولاقى الفيديو ردود حادة من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، متهمين المذيعة بـ"العنصرية"، بينما لم يكن ذلك المقطع هو الأول الذي يثير جدلا، فقد استقبلت المذيعة منى عراقي حملة أشد شراسة بسبب حلقة من برنامجها "المستخبي"، ورغم أن سعيد وعراقي هما النموذجان الأشهر غير أن هناك أخطاء أخرى يخوض فيها بعض مقدمي البرامج في سبيل "خوض المغامرات" أو الكشف عن "خبطة إعلامية" جديدة.
ما بين المهني الأخلاقي، والقانوني، تتعدد سلاسل أخطاء الإعلاميين في مصر. وفي ظل عدم وجود وزارة للإعلام أو كيان رسمي تعود إليه الشكوى من أي انتهاك بحق المشاهد، تكبر التساؤلات حول محاسبة الإعلاميين جراء تلك الانتهاكات.
على الشاشة.. المتهم غير برئ
"ما تبص لي.. ما تخلي عندك جرأة وشجاعة واجه الناس.. خجلان من نفسك؟.. ليه بتبيع أدوية مغشوشة للناس؟"، هكذا قال أحمد رجب، مقدم برنامج "كلام في سرك" على قناة الحياة، لأحد المتهمين عقب عرضه على النيابة التي احتجزته أربع أيام للتحقيق، فيما يحاول رجب وضع الميكروفون أمام المُتهم الذي رفض الالتفات ليواجه الشاشة.
يقول جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن المُتهم شخص لم تثبت التهمة عليه، لذا على الإعلامي ألا يضغط عليه للاعتراف، وحتى لو تم إثبات الجُرم فالتشهير ممنوع قانونا، وفي حالة أن الإعلامي سيحاور شخص محكوم عليه أو مُتهم يجب إخباره بخطورة إظهار وجهه وتبعاته "لأن إظهار الوجه نفسه تشهير والإعلامي لازم يبقى عارف لأن دي شغلته".
في ديسمبر الماضي اُذيعت حلقة من برنامج "المستخبي" للمذيعة منى عراقي، زعمت خلالها أنها ترصد "الكشف" عن وكر شذوذ جنسي بحمام "باب البحر" بوسط البلد، إذ قامت عراقي بتصوير أشخاص من الحمام أثناء مهاجمة المكان، ما أثار نوبة غضب ضدها، خاصة بعد أن أفصحت أنها من أبلغ عن "الوكر"، وأجلت إذاعة الحلقة حتى يتم القبض على الموجودين فيه لأن "هدفنا منذ البداية هو تقديم إعلام يحقق تغييرا على أرض الواقع، وليس إعلاما للبروباجندا والفرقعات الصحفية" كما تقول بحوار صحفي بجريدة الشروق، غير أنه عقب إذاعة الحلقة فترة حصل 26 متهما تم القبض عليهم من داخل الحمام على البراءة.
يوضح عيد، أن وزارة الداخلية نفسها تخالف القوانين، حين تنشر على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، صورا لمتهمين بجانب الأحراز، قبل أن تُحقق النيابة، فـ"الداخلية جهة تحقيق وليس إعلام والصور اللي بتتنشر منافية للأخلاق والقوانين"، وأكد الإعلامي لا يجب أن يكذب على الضيف أيا ما كانت تهمته، لصنع حلقة تليفزيونية "مينفعش يقوله إنه من وسيلة إعلامية معينة مثلا عشان يتكلم أو يقوله إن فيه شخص هيطلع في نفس الحلقة معاه ودة مش حقيقي"، كما لا يصح للإعلامي أن يفضح معلومات شخصية عن المُتهم مهما كان جُرمه.
جرائم على الهواء
منذ 15 عاما بدأ حنفي السيد برنامجا على قناة الصعيد الإخبارية، التابعة للتليفزيون المصري، ويُسمى عيون الشعب، إذ يحاور فيه المذيع مرتكبي الجرائم بصورها المختلفة، ويركز على قضايا الشرف، ما يجعله داخل دائرة الانتقادات بشأن إظهار وجه مرتكبي الجريمة، ما قد يضر بأسرهم في الأوساط المحافظة.
"انا بعتمد بشكل أساسي على القضايا المنتهية" قال السيد، موضحا أنه يستضيف أشخاص اعترفوا بالجريمة بالفعل وقاموا بتمثيلها أمام النيابة، ويأخذ رأيهم قبل التصوير، مؤكدا أن بعضهم يرفض الظهور بوجهه فيما لا يمانع المعظم "بل على العكس فيه أكتر من حالة اتصلوا بيا أهله عشان أروح أصور لأنه بيبقى عايز يحكي قتل إزاي خاصة في جرائم الشرف".
يسأل السيد المتهم إذا أراد حضور محاميه أثناء التصوير، كما يطلب من المُتهم أن يوقع له بالموافقة على التصوير، ويفعل ذلك أحيانا على الهواء لتجنب أي ملاحقات قضائية، مضيفا "انا مبجبرش حد على التصوير ومش بعمل زي البرامج اللي بتروح تسجل مع ناس لسة بيتحقق معاهم"، على حد قول مذيع قناة الصعيد.
"الإعلامي لازم يبقى على علم بالأعراف المجتمعية اللي بتؤثر سلبا على المُتهمين أو ضيوف البرامج" يقول مدير الشبكة العربية، موضحا أن قانون العقوبات به مواد تتحدث عن عواقب السب والقذف والتشهير ولا يتم الأخذ بها "لأن القانون عموما مش مُفعل في مصر".
تضيف نجلاء العمري، رئيس بي بي سي لمشروعات الشرق الأوسط، أن ضوابط المهنة وأخلاقياتها لا يتم مراعاتها في العموم، فهناك الإساءة لسمعة الآخرين، والكذب من أجل التشويق وتزوير الأدلة، والإعلام المصري يقع في تلك الأخطاء دون أدنى محاسبة، ما ينذر بخطورة الترسيخ لنمط ردئ من الإعلام، ويجعل منه المعيار، بل وأن عدد من الإعلاميين الذين ينتهكون القانون يصبحون الأعلى مشاهدة، والذي يرسخ لأجيال جديدة من الإعلاميين في ذهن طلاب الإعلام.
حملات شعبية.. هل تجدي؟
في الأيام الأخيرة دشن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة لوقف برنامج ريهام سعيد، عقب مقطع الشعب السوري، لا سيما وأن مقدمة برنامج صبايا الخير ظهرت بأكثر من مناسبة وهي تتعامل مع المُتهمين بمنطق "محققي النيابة".
يرى ياسر عبد العزيز، أستاذ الإعلام، إن الحملات الشعبية التي تظهر بمقاطعة برنامج أو إعلامي، ربما تؤتي ثمارها أكثر من العقاب المهني بوقفه، وأن انصراف الجمهور عن المادة الإعلامية هو أسوا عقاب للإعلامي، مؤكدا أن ذلك أدنى من العقاب القانوني الذي يتم في المحاكم لمن اخترقوا القانون.
بينما ترى العمري أن علو الأصوات ضد الممارسات الإعلامية الخاطئة أمر جيد، لكن لابد من وجود تيار يحاسب ويقاطع، وألا ينجرف المشاهدين بتداول مقاطع لإعلام ينتهك أخلاقيات المهنة، لأن ذلك يزيد من شهرة هذا الإعلام، وكل ضغطة على الرابط تمثل ربحا لهم، تقول "لابد من المقاطعة والإشادة بكل عمل مهني ملتزم".
أين مواثيق الشرف الإعلامي؟
"المهنة الوحيدة التي لا يُحاسب أصحابها".. هكذا يعلق عبد العزيز، مضيفا أن الإعلام هو السلعة الوحيدة التي لا يخضع منتجها لأي نوع من المحاسبة في حالة انتهاكه لآداب المهنة، والسبب الرئيسي لهذا إنه لا يوجد نقابة مهنية للعاملين بالإعلام في مصر، قائلا "مواثيق الشرف كلام في الهوا".
ويؤكد عبدالعزيز أن كل مواثيق الشرف الإعلامية كانت اقتراحات، آخرها المقترح بتشكيل ميثاق للإعلام بجانب تأسيس نقابة الإعلاميين على مكتب رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، والذي لم يتم البت فيه، ويؤكد عبد العزيز أن في كل دول العالم من المفترض أن تقوم الجماعة المهنية بكتابة تلك المواثيق والالتزام بها، لإن هذا هو المسار الطبيعي، وليس من دور الحكومة ذلك.
الأمر يسير بصورة معاكسة في النصف الأخر من العالم، حيث تشدد العمري على وجود محاسبة داخلية في الإعلام بالدول الأخرى، فقناة بي بي سي عوقبت لتجاوز أحد أكبر مذيعيها ببرنامج "توب جير" في حق أحد العاملين، والمصورة المجرية التي ركلت لاجئ سوري قناتها فصلتها عن العمل، بعد أن كشفها صحفي ألماني آخر.
مسئولية أصحاب القنوات
ظهرت المذيعة بسمة وهبة ببرنامج "هي مش فوضى" منذ عدة أشهر على قناة ten، وقد تناولت في إحدى الحلقات عالم المتحولين جنسيا، وقامت بدخول مكان يجمعهم مع تصوير لقطات فيديو للموجودين به، معتبرة ذلك "مغامرة تليفزيونية".
من جانبها تبدي رئيس بي بي سي سابقا، استغرابها من انتقاد للإعلاميين في مصر، دون توجيه نفس الانتقاد للوسيلة الإعلامية، قائلة "نحن لا نتحدث عن الوسيلة رغم إنها مسؤولة بنفس القدر، فإدارة القناة وافقت على إدارة الموضوع، وتوافق على ما يقوم به أي إعلامي من تجاوزات".
وفقا للمادة 77 من الدستور فإن النقابة المهنية هي من تحسب المقصر فيها، ويؤكد عبد العزيز أن الوضع الإعلامي ربما يتحسن بوجود نقابة بعد استكمال الاستحقاقات الدستورية، بخطوتها الاخيرة في وجود برلمان قبل نهاية العام، مشيرا إلى أن تلك النقابة تؤسس لوجود نظام إعلامي جيد يمتلك القدرة على المحاسبة وحق الشكوى من المواطنين.
لم يكن ما فعلته ريهام سعيد بحق السوريين هو الأول من نوعه، فبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة انتشرت حالة من الاستهزاء باللاجئين السوريين من قبل أكثر من إعلامي -بألفاظ خادشة للحياء- على رأسهم يوسف الحسيني وأحمد موسى، وكذا تطوع أكثر من مذيع في إحداث علاقات متوترة مع دول شقيقة مثلما فعلت المذيعة أماني الخياط قبل الشعب والملك المغربي ناعتة إياهم بشعب يرعى "الدعارة"، حسب وصفها.
وتضرب العمري مثالا بما حدث في برنامج على بي بي سي عندما انتقد مذيع أحد الأفراد بألفاظ جارحة، فقُدمت شكوى للهيئة المنظمة في بريطانيا، وحققت الهيئة في الأمر، وعاقبت المذيع على ما فعله، بينما "في مصر المنظومة الإعلامية كلها مختلة لا توجد هيئة منظمة، ولا يهتم رؤساء التحرير والقنوات بمعاقبة من يخطئ على العكس، نشاهد تكرار استضافة ضيوف يصل بهم الامر إلى السب والقذف، في حق افراد فقط لأنه يحقق نسبة مشاهدة" ويتحول السباب الى مقاطع للفيديو، يتداولها الناس، وبالتالي يحقق صاحب البرنامج أرباحا مع كل لينك نفتحه وهكذا، بجانب مزاج عام مرتبك.
الجهل بثقافة حقوق الإنسان وأخلاقيات المهنة ليس الدافع وراء انتهاكات الإعلاميين المستمرة كما يظن رئيس الشبكة العربية، بل يعزي ذلك إلى "غياب ضمير" المذيع في الأساس، بالإضافة لعدم وجود عقاب أو سيادة القانون "عبد الرحيم علي لما نشر تسجيلاته رغم إنها بتنافي القوانين والأعراف والحقوق ومع ذلك الدولة لم تعترض".