كثر الكلام عن الاستراتيجية بمناسبة تشكيل وزارة المهندس شريف إسماعيل وما أثير بين السيد رئيس الجمهورية وبين سيادته حول «استراتيجية الوزارة»، التى ستعرضها على مجلس النواب بعد أن تم انتخابه ويبدأ فصله التشريعى.
والذى يفهمه المواطن العادى - من أمثالى- من كلمة الاستراتيجية أنها تعنى حزمة أو مجموعة من الخطط التى تعدها الوزارة الجديدة لكى تلبى عن طريقها أو بواسطتها الأهداف التى تبتغى تحقيقها. ولا يعنى تقديم هذه الاستراتيجية للمجلس التشريعى أنها نوع من طرح الثقة بمعنى أنه إذا لم يقرها المجلس تعيّن على الحكومة أن تستقيل. هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلاّ إذا نص عليه الدستور صراحة وهو الأمر الذى لم يرد له ذكر فى الدستور. وعلى ذلك فإن طرح «استراتيجية الوزارة» على المجلس التشريعى لا يعنى أكثر من أن الحكومة تتقدم بالخطط التى تعتزم أن تقوم بها والتى يمكن للمجلس التشريعى طوال فصله التشريعى أن يسألها لماذا لم يتحقق هذا الأمر أو لماذا تأخر هذا الأمر أو لماذا تم هذا الأمر على هذا النحو، ولم يتحقق على هذا النحو الآخر دون أن يؤدى ذلك إلى طرح الثقة بالوزارة وإن كان من غير شك يعكس صورة عن مدى التوافق والانسجام بين المجلس التشريعى – أو السلطة التشريعية – وحكومة المهندس شريف إسماعيل أو السلطة التنفيذية، هذا ما يمكن أن يفهمه المواطنون مما أثير هذه الأيام. وهو شىء إيجابى على كل حال أن تعلن الوزارة الجديدة على الرأى العام وعلى المجلس التشريعى أفكارها الأساسية التى عن طريقها تنتوى أن تحقق الأهداف والغايات التى تريد جماهير الشعب المصرى أن تحققها له حكومته الجديدة.
وكلمة «البوصلة» لا تعنى بدورها شيئا أكثر مما تقدم. البوصلة بالمفهوم اللغوى هى ما تحدد اتجاه طريق السير.
هذه السفينة بوصلتها تدل على أنها تتجه نحو الشرق وتلك بوصلتها تشير إلى أنها تتوجه نحو الغرب.
وكثيراً ما استعملت فى مقالاتى وأبحاثى هذه الكلمة «البوصلة» لأعبر عن أن عدم وجود «بوصلة» يعنى عندى أن هناك اضطرابا وعدم يقين فى معرفة الاتجاه الذى تسير عليه الحكومة. هل هو اتجاه نحو تمييز الأغنياء على حساب الفقراء أم أنه على العكس اتجاه يهدف إلى تقريب الفوارق بين الطبقات وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية.
وهكذا نرى مدى التقارب بين كلمة الاستراتيجية وكلمة البوصلة.
والآن أتساءل أيّا كانت الاستراتيجيات التى تتحدث عنها الحكومة، ما هى فى تقديرى كمواطن يحس أو يحاول أن يحس بنبض الجماهير التى أحبها وعمل من أجلها طوال حياته العملية والنظرية. فما هى الأولويات التى يجب أن تتوجه إليها الحكومة؟
فى تقديرى أن الأولويات التى ينبغى على السلطة التنفيذية – أى الحكومة – أن تتجه إليها لكى تحقق أغراضها هى:
أولاً: إصلاح الجهاز الإدارى.
ثانياً: إصلاح التعليم.
ثالثاً: الاهتمام الكبير بموضوع السياحة.
ونحاول أن نعالج كل واحد من هذه الأغراض على حده وبقدر من التفصيل الذى يتسع له المقال.
بالنسبة للجهاز الإدارى الوسيط والذى هو أدنى منه الكل يعرف مدى ترهله ومدى فساده ومدى مقدرته على تعطيل كل شىء.
كم قلت وكم كررت فى مقالات سابقة أن المستثمر- مثلاً- يأتى وهو ملىء بالرغبة والإقبال على الاستثمار ويقابل رئيس الجمهورية فيلقى ترحيباً واهتماماً وكذلك مع رئيس مجلس الوزراء ثم يبدأ فى العمل مع الأجهزة المختصة وهنا يبدأ المرار والحيرة التى لا تنتهى.
والمستثمرون مهما كان حبهم لمصر ورغبتهم فى الاستثمار بها فإن لهم طاقة على الاحتمال، خاصة أن أبواب الاستثمار فى كثير من البلاد الأخرى مفتوحة وميسرة.
لابد وأن نبدأ بالإصلاح الإدارى وهناك طرق علمية كثيرة وهناك تجارب دول أخرى يجب أن نستفيد منها. أما عن التعليم فلا أحد يختلف على أنه لا تقدم بغير التعليم وأنه لا توجد أمة متقدمة والتعليم فيها متخلف.
ولا أحد يستطيع أن يجادل فى أن التعليم الحكومى فى مصر على كل درجاته، بدءاً من المدارس الابتدائية وانتهاء بالجامعات الحكومية قد وصل إلى حال لا تسر حبيبا ولا يرى من ورائها خير ومع ذلك كله فإنه توجد دراسات عديدة أعدت من أجل مواجهة هذه المشكلة ولكن الكارثة أن الدراسات فى جانب والتنفيذ العملى فى جانب آخر. كان هناك فى مصر ما يسمى المجالس القومية المتخصصة وكان من بينها المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى وأزعم أن هذا المجلس لم يترك مشكلة من مشاكل التعليم فى كل مراحله - لم يبحثها بحثاً جاداً. ومع ذلك فهذه الدراسات فى الأدراج لمن يقرأها؟!!!
أما التوصية الأخيرة وهى قضية الاهتمام بالسياحة. أزعم أن هذا البلد- مصر- من أغنى بلاد الدنيا قاطبة فى كل المجالات السياحية. السياحة التاريخية والسياحة الدينية والسياحة الثقافية والسياحة العلاجية. وسياحة الشواطئ وسياحة الصحارى ومع ذلك فإن نصيبنا من السياحة العالمية لا يتناسب مع كل هذه الثروة.
الاهتمام بالسياحة يستطيع وحده أن يعدّل أحوالنا الاقتصادية ويجعلنا من أهل الرخاء.
والله المستعان.
نقلا عن المصرى اليوم