فى أكثر من رسالة وجهها رئيس الدولة إلى طوائف الأمة، كانت كعادتها هادئة، ولكنها واضحة يطلب فيها من معظم هذه الطوائف أن تغير من مسلكها وأسلوبها لخدمة المصالح العليا لهذا الوطن وتفادى أخطار تهدده.
ولنبدأ بزملاء مهنتى من رجال الإعلام، وهم مسؤولون عن توجيه الرأى العام، وهى مسؤولية بالغة الأهمية والحساسية، وسنجد أن فى ردود فعل الزملاء هناك فارق فى التقييم، فنجد أن الزميلة العزيزة رولا خرسا تخشى أن نقد الرئيس للإعلام يعنى دعوته إلى ما سمته «إعلام الستينيات»، أى «لا يتحدث أحد إلا بناء على تعليمات من الدولة». أما يوسف الحسينى، ابن المرحوم الكاتب الحسينى، من مدرسة روزاليوسف، فإنه كان يفضل أن يدعو الرئيس الصحفيين والإعلاميين إلى لقاء يُعقد بالاتحادية.
أما إبراهيم عيسى بلغته الصريحة فيقول: «الدولة واخدة اتجاه الإعلام اللى يطبل ومش عايزة الإعلام اللى ينتقد». وجاءت كلمات لميس الحديدى المتوازنة، قائلة: «هناك إعلاميون يحترمون المشاهدين، وهناك آخرون يخطئون»، وطالبت بتفعيل قانون تنظيم الإعلام الموجود فى أدراج مجلس الوزراء.
ولكن نقد الرئيس للإعلام المصرى وردود فعل كُتابه «لا يعنى من جانب الرئيس نوعا من التحريض أو أنه يعكس نية اتخاذ إجراءات استثنائية..»، وأنا هنا أتفق تماما مع رأى الزميل نقيب الصحفيين يحيى قلاش.. يُهَيَّأ إلىَّ أنه فى كثير من الأحوال يبدو الرئيس وكأنه يعرض الأمر للرأى العام ليحتكم إليه وأن يكون طرفا فى هذا الحوار الوطنى بين الدولة والإعلام.
الآن لنذهب إلى ما يوده رئيس الدولة من التجار ورجال الأعمال، لا شك أن أمام الدولة مسؤولية حماية أهل هذا البلد من الزيادة المستمرة فى الأسعار وآثارها على إمكانيات المستهلك محدود الدخل.
لا تستطيع الدولة دائما اتخاذ إجراءات استثنائية لضبط ارتفاع الأسعار، ولكن من الممكن أن يبذل التجار ورجال الأعمال جهودهم فى تحديد طموحاتهم نحو الربح المبالغ فيه، والذى أصبح فوق احتمال جمهور المستهلكين.
نريد إذن نقدا ذاتيا من التجار ورجال الأعمال حينما لا يقيمون توازنا بين طموحاتهم والاحتياجات الملحة لفقراء هذا البلد.
وكلمات الرئيس حول هذا الموضوع بالذات تأتى دائما فى شكل دعوة الرأى العام إلى التعاون الاجتماعى والتكافل بين فئات المجتمع سواء نابعا من التزام اجتماعى أو خلق دينى أو المطالبة باحترام قوانين الدولة.
والآن أتوجه إلى ما أطالب به من نقد ذاتى لطائفة تمثل خطرا على مجتمعنا، وهى طائفة الإداريين والبيروقراطيين، الذين يمثلون عقبة كبرى أمام كل ما يخططه قادة الدولة من مشروعات يهدم طموحها جشع وفساد البيروقراطيين، إن هذه المشكلة هى من قديم الزمن وكأنها وُلدت مع «قدماء المصريين..!!».
البيروقراطية هى السرطان الذى يمنع تنفيذ ونجاح الأفكار والمشروعات، فضلا عن أن الفساد يدفع بالبيروقراطيين إلى نوع من الجشع يحرم البعض، حتى من لقمة حينما لا يقدر صاحبها أن يعطى للفاسدين ما يطلبه طموحهم وجشعهم وفساد هؤلاء البيروقراطيين.
وخطر البيروقراطيين ليس فقط فى فسادهم، بل فى مناوراتهم وألاعيبهم لتخريب أداء مَن يريدون القيام بواجباتهم والتزاماتهم.
البيروقراطيون فى احتياج إلى تنظيم تشريعى يعاقب بقوة وبلا تهاون انحرافاتهم.
ولا نريد أن «نحلم: لتتخيل أن طائفة البيروقراطيين سيذهبون يوما إلى منحنى النقد الذاتى، هؤلاء لا سبيل تجاههم إلا القوة الرادعة للقانون..».
بقى أن نلقى نظرة فاحصة على التعليم وما وصل إليه من حالة من الانهيار وفوضى وسيطرة أصحاب المصالح فى حماية إمبراطورية الدروس الخصوصية، التى أفرغت المدارس من طلابها لصالح الدكاكين التى تسمى أحيانا «المراكز التعليمية»، والتى تفرض على الطلاب الخوف من الرسوب فى حالة عدم اللجوء إلى الدروس الخصوصية، فضلا عن الضغوط المالية التى لا ترحم ثمنا كدرس فى الابتدائية أو الثانوية، وتحدث ولا حرج عن انخفاض المستوى العام للتدريس الذى دفع بى إلى أن أقول دون هجوم شخصى على أحد: «إن المعلم فى مصر أصبح فى حاجة إلى أن يتعلم..!!».
نقد ذاتى أخير حول مشكلة الدولار، التى أرهقت ذهنيا وعمليا الرأى العام المصرى، مشكلة الدولار فى رأى الدكتور طارق رياض، أحد كبار الخبراء فى التحكيم الدولى: «مشكلة الدولار تحتاج إلى حل واقعى يأخذ فى الاعتبار حال البلاد ككل اقتصاديا وسياسيا بواسطة عناصر جديدة لديها القدرة على التخيل وعلى إيجاد حلول، واضعين فى الاعتبار تجربة مصر السابقة وقت رئيس الوزراء الراحل عاطف صدقى حينما رفع سعر الفائدة على الجنيه المصرى، ليصبح مصدر جذب لتحويل الدولار إلى الجنيه، بالرغم من خطورة ذلك على الاقتراض من البنوك الوطنية».
وحينما ننادى جميع طوائف الأمة بأن تقبل سياسة النقد الذاتى كمرحلة أولى لحل مشاكلنا بلغة الهدوء والعقل، نكون قد كسبنا فى سلام معاركنا الإعلامية والاقتصادية والتعليمية.
نقلا عن المصري اليوم