الأقباط متحدون - اللائمون والشامتون!
أخر تحديث ٠٧:١٩ | الاثنين ١٦ نوفمبر ٢٠١٥ | ٦ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٤٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

اللائمون والشامتون!

بقلم منير بشاى
اكتب هذه الكلمات فى صبيحة السبت اليوم التالى لمعركة الارهاب فى باريس.  غبار المعركة ما يزال يملأ الجو، وليس هناك حصر نهائى لحصيلة ذلك اليوم المشئوم.  التقارير حتى الآن تقدر حجم الخسائر ب 130 قتيلا وحوالى 350 جريحا نصفهم فى حالة حرجة.  هذه الارقام من المتوقع ان تتغير فى الايام القادمة.
وقد استرعى انتباهى ردود الافعال لهذه العمليات.  قليل منها ايجابى من الذين تالموا لقتل او جرح الابرياء الذين لم يشتركوا فى عمل عدوانى ضد احد.  كانوا فى مسرح لسماع الموسيقى والغناء او فى استاد لمشاهدة مباراة لكرة القدم، وبعضهم كانوا فى مطعم للاستمتاع بوجبة شهية فى بداية عطلة نهاية الاسبوع.  ولم يكونوا يعلمون انهم فى موعد مع الموت رتّبه لهم اعداء الحياة.
ولكن ما استرعى انتباهى هو كم اللوم والشماتة التى ظهرت من بعض الناس فى مواقع التواصل الاجتماعى.  بعضها يتغطى برداء الوطنية ويبرر مشاعره هذه بحبه لمصر وكراهيته لكل من انتقدها.  والبعض الآخر يرتدى رداء التقوى ويتصور انه حامى حمى الدين وممثل الله على الارض ليقتص من القوم الكافرين.
اللائمون يلقون بالمشكلة فى احضان الضحية وهم الفرنسيين انفسهم.  بعضهم يلوم فرنسا على قبولها للاجئين من المسلمين ويعتبرون ما حدث هو نتيجة سوء قراراتهم.  ناهيك ان بعض هؤلاء كانوا يلومون الغرب كله على ترددهم فى قبول اللاجئين الفارين من ويلات الحرب فى سوريا.  وقصة إيلان الطفل ذو الثلاث سنوات ما تزال عالقة بالذهن.  ايلان طفل كردى كان مع ابيه وامه واخيه فى قارب ترك تركيا فى طريقه الى جزيرة كوس اليونانية هربا من الحرب السورية وسعيا الى مكان آمن.  ولكن العائلة كلها ماعدا الاب غرقت فى بداية الرحلة، وبعد ايام رمت الامواج جثة الطفل على شواطىء تركيا.  ونشرت وسائل الاعلام صورة الطفل الغريق وهو ملقى على الشاطىء والتى ابكت ملايين الناس حول العالم.  بعدها تغيرت السياسة الاوربية تجاه اللاجئين وتبنت الدول الغربية سياسة بها نوع من القبول لهؤلاء الناس.
اما الشامتون فبعضهم يلوم الفرنسيين على الاجراءات الامنية المشددة لتى اتخذتها فى مواجهة الاعتداءات على ارضها، ومنها اعلان حالة الطواىء وغلق الحدود واستدعاء الجيش لمساعدة الشرطة فى اقرار الامن.  ويرون ان هذه الاجراءات من جانب  فرنسا تناقض ما لامت به مصر عندما اتخذت اجراءات مشابهة ضد الارهاب.  هؤلاء يشمتون فى فرنسا ويقولون للفرنسيين: اشربوا من نفس الكاس الذى اذقتموه لنا.  وفى هذا يشيرون الى ما حدث فى قصة لطائرة الروسية المنكوبة. والتى ادت الى ايقاف الرحلات الجوية الغربية لمصر مع ما يحمله هذا من تأثير على السياحة وضرب الاقتصاد المصرى الذى ما يزال يعانى.
ولكن الشامتين يقدمون لنا حالة كلاسيكية للمنطق المغلوط.  فالوضع يختلف بين ما حدث فى باريس وما حدث للطائرة الروسية.  ما حدث فى باريس عمل ارهابى قام به ارهابيون.  ولكن – اذا كان ما يقوله الغرب صحيحا – فان الطائرة المنكوبة سقطت بسبب قنبلة وضعها الارهابيون بالتعاون مع موظفين فى مطار شرم الشيخ.  ومن البديهى ان مصر مسئولة عن تصرفات عمالها فى المطارات.  وهذا يترك الغرب فى حالة شك من امكانية ضمان سلامة مواطنيهم الذين يسافرون الى مصر ويستخدمون خدمات العاملين المصريين فى مطاراتها.  هذا كله من حق هذه الدول فليس هناك ما يفرض علي هذه الدول ارسال مواطنيهم الى مصر.  ثم لماذا نلوم الغرب بينما نفس الموقف تبنته روسيا حبيبتنا الغالية؟  من حق كل انسان ان يسافر او يمتنع عن السفر الى اى جهة بناء على احتمالات الامن والامان.  بالمثل من حقنا نحن ان لا نسافر الى باريس اذا اعتقدنا انها غير آمنة. 
والشامتون ايضا يشيرون الى استدعاء فرنسا للجيش لحماية الشعب الفرنسى ويقولون انه يتناقض مع موقفها الذي يلومنا علي الاستعانة بالجيش للتخلص من حكم الاخوان.  وهذا ايضا يقع تحت نفس المنطق المغلوط.  فمصر تستخدم الجيش باستمرار فى ضرب الارهابيين فى سيناء دون ان يعترض احد فى دول الغرب بل كان رد الفعل هو تاييد مصر حيث دعا هذا امريكا الى ارسال طائرات الاباتشى التى كانت قد اوقفتها وذلك لمساعدة مصر فى مجهوداتها ضد الارهاب.
ولكن لكى نفهم منطق الغرب علينا ان نفهم الامور من منطلق القيم التى تحكم تفكيرهم.  الغرب لا يفهم كيف ننتخب رئيسا للجمهورية عن طريق العملية الديمقراطية ثم قبل ان يكمل مدته نأتى بالجيش لنخلعه من كرسيه.  طبعا كلنا نؤيد الجيش المصرى فيما قام به، ولكن لا يجب ان نستغرب اذا لم يفهم الغرب منطقنا وعلينا ان نشرحه لهم ونحاول اقناعهم.  وفعلا بعد ان عملنا هذا رأينا معظم دول الغرب تتفهم موقفنا وتراجع موقفها وتعود الى تأييدنا.  ولكن ان نشمت فيهم ونفرح فى مصيبتهم فهذه مشاعر ابسط ما يمكن ان توصف انها غير انسانية وغير مصرية.
ولا يمكن ان انهى هذا المقال دون الاشارة الى نوع من الشامتين الذين وجدوا المأساة فرصة لاظهار مشاعر الفرح.  هؤلاء مثل الذين وزعوا الشربات فى الشرق الاوسط بعد نجاح بن لادن فى تحطيم برجى منهاتن فى نييورك وقتل 3000 مواطن امريكى برىء.  بنفس هذا المنطق ظهرت فتاوى بعد اعتداءات باريس لتشجيع الارهابيين احدها يقول ان الانتحاريين لن يعذبوا فى قبورهم، وان الملائكة سوف تقبل جراحهم وتنقلهم الى الجنة لينعموا فى احضان الحوريات. 
بائعوا الوهم وكارهوا الحياة وسافكوا الدماء ليس لديهم بضاعةغير هذه يصدّرونها الى العالم.  ولكن ما هو اكثر شرا مشاعر الحقد والشماتة التى تغمر بعض الناس عندما يروا مصائب الغير، والشرالاكبر من هذه وتلك ان نجد من يبرر هذه كله بانه ارضاء لله.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter