موشى عميراف من قيادات حزب الليكود، ولكن كانت لديه مبادرة تستند إلى تأسيس أرض موحدة كونفيدرالية من كيانين أحدهما يهودى والآخر عربى. وكانت لهذه المبادرة جاذبية لدى الفلسطينيين، إذ كانوا فى حينها من مؤيدى تأسيس دولة علمانية ديمقراطية موحدة. ومن ثم انعقدت عدة لقاءات بين عميراف من جهة وسارى نسيبة وفيصل الحسينى من جهة أخرى فى شهرى يوليو وأغسطس من عام 1987. وفى النهاية قال الحسينى لعميراف: «أنت تطلب وضعاً خاصاً لليهود فى الأراضى التى ستنسحبون منها، وأنا بالمثل أطلب وضعاً خاصاً للفلسطينيين فى حيفا ويافا». وافق عميراف مع إضافة إيجابية وهى أن يكون للفلسطينيين الذين هاجروا من فلسطين الحق فى العودة إلى منازلهم التى تركوها قبل الهجرة. إلا أن هذه الإضافة لم تكن مقبولة من الغالبية الإسرائيلية.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق شامير على علم بلقاءات عميراف ولم يعترض ولكن مع نصيحة بأن يلتزم السرية. وفى 30 يوليو اجتمع إيهود أولمرت بنسيبة فى منزل عميراف من أجل التشاور إلا أن عميراف فى هذا اللقاء اقترح إصدار «وثيقة مبادئ» مع زملائه الفلسطينيين لتقديمها إلى كل من شامير وعرفات. واللافت للانتباه فى هذه الوثيقة أنها قد تجاوزت حركة السلام الآن، إذ نصت على أن حق تقرير المصير لدى الشعبين غير قابل للتفاوض، وأن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى. إلا أن هذا النص كان نوعاً من الهرطقة فى رأى شامير. ومع ذلك فإن الوثيقة تمادت إلى أبعد من ذلك، إذ طالبت بأن تكون العاصمة الإدارية للكيان الفلسطينى فى الأجزاء العربية من القدس، وأن يكون لهذا الكيان الحق فى صك العملة ورفع العلم وإصدار بطاقات شخصية وجوازات سفر.
والمفاجأة هنا أن عرفات قد احتضن الوثيقة ودعا عميراف إلى الالتقاء به فى جنيف. وهنا ثارت حفيظة شامير، إذ استدعى عميراف فى مكتبه وأمره بالكف عن الالتقاء بالفلسطينيين. استسلم عميراف لأمر شامير، إلا أن أعضاء من الحزب الشيوعى الإسرائيلى قد التقوا عرفات فى جنيف وسلموه الوثيقة فى 6 سبتمبر 1987 مع اعتراضهم على أسلوب شامير فى مواجهة الوثيقة.
أما عميراف فقد حدث له توتر أفضى به إلى تحرير رسالة اعتذار وجهها إلى زملائه فى حزب الليكود، إلا أنه لم يتوقف عن الترويج لآرائه. أما شامير فقد شعر بضرورة تبرئة نفسه وحزبه من تهمة الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية. أما عميراف فقد ترك الحزب، وبحركة رمزية مزق بطاقة العضوية أمام وسائل الإعلام قائلاً: «أنا مغتبط من ترك مستودع الوقود الذى يتحصن به شامير». ثم دعا زملاءه إلى طرد شامير من الحزب.
وما حدث بعد ذلك كان مدعاة للسخرية. فالخبرة المريرة التى عاناها عميراف كانت مبرراً للمحاذير التى كانت تراعيها حركة السلام الآن فى تناولها لعملية السلام. وقيل فى حينها إن السذاجة السياسية لدى عميراف قد دمرت نواياه الطيبة. والدرس المستفاد أنه فى الصراعات القومية المتواصلة لا تعنى الحوارات التى تتم قبل المفاوضات مجرد إصدار وثيقة أو تبادل وجهات النظر، إنما هى وسيلة هامة لبناء تراكمات تسمح مع الوقت بإبرام اتفاق.
ومع طرد عميراف من الحزب توقف نشاطه السياسى. وبالرغم من أنه كان يُدعى للمشاركة فى حوارات ومؤتمرات، وبالرغم من كثرة اتصالاته بالفلسطينيين إلا أنه فشل فى تدعيم إنجازاته السابقة وظل وحيداً ومعزولاً بلا أدنى تأثير.
والسؤال بعد ذلك:
هل كان للانتفاضة أثر فعَّال؟
نقلا عن المصري اليوم