بقلم : وسيم السيسي | السبت ٥ ديسمبر ٢٠١٥ -
٠٢:
٠٥ م +02:00 EET
وسيم السيسي
كبر البلياتشو مهرج السيرك فلم يعد قادراً على إضحاك الناس، فلجأ إلى أحد الأديرة يعمل فيه على قدر طاقته مقابل المأوى مع الطعام والشراب، وجد البلياتشو كل الرهبان يصلون، يقرأون، يزرعون، يصنعون، وهو لا يعمل شيئاً.
كان الرجل بسيطاً ساذجاً، فكر فى عمل بسيط يقدر عليه، فهداه تفكيره إلى عمل نصف ساعة كل مساء أمام صورة كبيرة للسيدة العذراء!
تكرر اختفاء المهرج كل مساء داخل الكنيسة وحده، قرر الرهبان مراقبته، فإذا بهم أمام بهلوان يسير على يديه وساقيه فى الهواء، ثم يثبت ثمرة طماطم فى أنفه ويدهن وجهه باللون الأبيض محاولاً إضحاك السيدة العذراء! هجم الرهبان على المهرج يريدون الفتك به، فخرجت العذراء من صورتها تحتضن المهرج وتحميه من رهبان الدير، قائلة لهم: إنه يريد تسليتى فى وحدتى حسب تفكيره.. إن أى عمل شريف مهما كان بسيطاً.. إنما هو عمل مقبول عند الله.
هذه القصة الرمزية من روائع أناتول فرانس.
إيف شارليه أخذت الدواء من زوجها، فأحست بالراحة بعد صراع مع المرض طويل، قامت من فراشها حتى تشكر زوجها، وجدته فى أحضان فتاة من فتيات القصر، صرخت فلم يسمعها أحد، عادت لسريرها وجدت نفسها ميتة! وصوت فى أذنها: اذهبى لدار تسجيل الموتى! بيير دومان زعيم اشتراكى، يخطب فى العمال، تلقى طعنة فى صدره، وجد نفسه ينزف بغزارة، وملقى على الأرض، سمع صوتاً: اذهب لدار تسجيل الموتى! أخذ الاثنان يسألان ولا أحد يرد عليهما، حتى التقى الاثنان فسمعا بعضهما، سارا حتى وصلا للدار، على بابها سيدة تسجل، ودون أن تسألهما: بيير دومان مت بطعنة سكين.. ادخل! إيف شارليه مت مسمومة من زوجك.. ادخلى!
دخل الاثنان، تحاب الاثنان، تعانق الاثنان، كانت القبلات باردة لا طعم لها! تدخل محام بجوارهما: إن حبكما لم يبدأ على الأرض.. لذا لا طعم له! ولكن القانون 114 من قوانين السماء يعطيكما الحق فى العودة للحياة، وإذا قدرتما على الحب 24 ساعة فقط، يمد الله فى أعماركما حتى مائة عام.
عاد الحبيبان للحياة، تقابلا فى مكسيم للعشاء، فرحا، رقصا، وإذا بمظاهرة خارج المطعم تهتف بسقوط بيير دومان خائن الاشتراكية الذى يراقص زوجة أكبر زعيم للرأسمالية إيف شارليه.
استأذن منها لإقناع العمال أنه اجتذبها للاشتراكية، واستأذنت منه لتأديب زوجها الخائن، على أن يلتقيا بعد ساعة واحدة! مرت 24 ساعة وهى فى عراك مع زوجها، وهو فى خطب متصلة مع العمال، مات الاثنان ثانية، وعند مسجلة الدار بكى الاثنان، طلبا فرصة ثانية قالت المسجلة: لم أر غباء مثل غباء الإنسان.. أنت بيير أضعت حياتك من أجل حفنة تراب اسمها الشهرة والمجد، وأنت يا إيف حرقت الحب فى أتون الكراهية والعراك، أنتما لا تستحقان الحياة.
توسل الاثنان، ولكنها رفضت قائلة:
لا يا سيدى.. لا يا سيدى.. لقد تمت اللعبة!
هذه رائعة جان بول سارتر «لقد تمت اللعبة»، وقد اختار لها هذا الاسم من لعبة الروليت، لك أن تختار الرقم ولك أن تغيره، ولكن ليس لك حق التغيير إذا نطق صاحب الروليت: لقد تمت اللعبة.
أراد سارتر أن يعلمنا أن الحب هو أعظم وأرقى ما فى الوجود، ونحن نضيعه بحفنات من تراب!
كانت «جدران» مستشفى أدنبرووك فى كمبردج تحب زميلى الهندى دكتور باتل، سألته يوماً عن السر! قال: أخذتنى أمى لقمة جبل فى الهند وأنا ابن أربع سنوات، وقالت: قل بصوت عال أنا أحبك.. فرد علىّ أحدهم: أنا أحبك، قالت أمى: قل: أنا أكرهك، قلت، فرد علىّ واحد وقال: أنا أكرهك! سألت أمى: من الذى يرد علىَّ؟ قالت: إنهم الناس إذا أحببتهم سيحبونك، وإذا كرهتهم سيكرهونك، عليك أن تبدأ بالحب، وإذا قالوا لك فى المدرسة إنه صدى الصوت، قل لهم: إنه صدى صوت الناس!
تعلمت من القصة الأولى أن أى إنسان مهما كان بسيطاً فهو ثمين عند الله، ومن الثانية أن الحب هو أعظم ما فى الوجود، ومن الثالثة أن أبدأ بالحب حتى يحيط بى حب الناس.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع