أصدرت وزارة العدل فى مصر قراراً ينص على تعديل بعض أحكام المرسوم باللائحة التنفيذية لقانون التوثيق، رقم 68 لسنة 1947 المعدل بالقانون رقم 103 لسنة 1976 «يكلف طالب الزواج الأجنبى من طالبة الزواج المصرية بتقديم شهادات استثمار ذات عائد دورى ممنوح المجموعة (ب) بالبنك الأهلى المصرى بمبلغ خمسين ألف جنيه باسم طالبة الزواج المصرية، استيفاء للمستندات المطلوبة لدى مكتب التوثيق وذلك إذا ما جاوز فارق السن بينهما خمساً وعشرين سنة، عند توثيق عقد الزواج».
وقد أثار هذا القرار عاصفة من الرفض لأنه فى الحقيقة لمس قضية تشكل قلقاً كبيراً لكل المعنيين ليس فقط بحقوق المرأة وإنما بحقوق الفقراء وغياب العدالة، وهو الزواج الذى تقوم به عصابات منظمة وأصبح معروفاً باسم الزواج السياحى والذى يعد أسوأ أشكال العبودية، حيث يعكس ممارسات عبودية تامة من حيث وجود سمسار، وولى للفتاة يستفيد من الأمر وشخص يدّعى أنه يكتب العقد العرفى والذى يفتقد لأى معنى للعقد سوى كونه ورقة تغطى ممارسة الدعارة حتى لا يتورط السائح فى مشاكل مع الشرطة، المثير للغثيان أن الجميع يعلم أن ما يقومون به ليس زواجاً وإنما استغلال موسم السياحة ويمكن لأهل الفتاة القيام بما يسمى (زواج) مرتين أو أكثر فى أقل من شهر دون اعتبار لأى اعتبارات إنسانية أو أخلاقية أو شرعية.
وبحجم هذه الممارسات المزرية التى تدل على وجود عالم سفلى للاتجار بالفتيات فى مصر جاءت عاصفة الرفض لقرار الوزير «رغم الخلط بين الزواج العرفى والزواج الموثق»، وجاء رد الوزارة أنه قرار قديم يتم تجديده، وفى تقديرى وإن كان قرار الوزارة يعكس نوايا طيبة بدافع «تحصين البنت المصرية وتأمين مستقبلها»، كما جاء على لسان المتحدث الإعلامى لوزارة العدل، لكن ما لم يؤخذ بالاعتبار أن قانون التوثيق موجود منذ عام 1976، يمنع تجاوز فارق السن بين الزوج الأجنبى والزوجة المصرية 25 سنة، وفقاً للبند 2 من المادة 5 من القانون 103 لسنة 1976. وقد يتم فى حالات استثنائية بموافقة وزير العدل. ولكن فى 1993 وتحت ضغط جماعات الإسلام السياسى حوّل وزير العدل آنذاك الاستثناء إلى قاعدة عامة للأسف الشديد، وجعله مشروطاً بتقديم شهادات استثمار ذات عائد دورى بالبنك الأهلى المصرى بمبلغ 25 ألف جنيه باسم طالبة الزواج المصرية.
فى 2004، تم فتح الموضوع مرة أخرى وبدلاً من إلغاء الاستثناء والعودة إلى الأصل فى القانون وهو المنع، زاد هذا المبلغ إلى أربعين ألف جنيه. بالتالى جاء قرار وزير العدل الحالى أحمد الزند بتحديد فئة ومصدر شهادات الاستثمار (فئة «ب» من البنك الأهلى) ورفع قيمتها من 40 ألفاً إلى 50 ألف جنيه.
فى تقديرى هذا القرار وإن كانت نواياه طيبة فقد جانبه الصواب لأن الأفضل لحماية المرأة من الاستغلال وضمان حقوقها ليس زيادة المبلغ وإنما العمل لتحقيق عدة إجراءات:
الأول: الرجوع إلى الأصل فى القانون الصادر عام 1976 والذى يجعل حالات الزواج بفارق 25 سنة من أجنبى غير مسموح.
الثانى: التعاون مع الشرطة للتكثيف من عملها لمواجهة عصابات الاتجار.
الثالث: دعم النظام القانونى والقضائى لمحاربة هذه الجريمة.
الرابع: فرض شهادات الاستثمار فى حال الزواج من أجنبى فى كل الحالات التى تتوافق مع شرط السن حتى نمنع الشاب الوسيم الذى يأتى من الخارج مدعياً الزواج ليأخذ الشابة للاتجار بها فى أعمال غير قانونية فى بلده، هنا قد يكون التشديد المالى رادعاً لأنه سيجعل ما يخطط له هذا المجرم من مكسب أقل مما سيدفعه وبالتالى تجارته خاسرة.
هذا ما يدخل فى اختصاص «العدل» وعلى باقى الوزارات رفع مستوى المعيشة والحد من الفقر للحد من هذه الجريمة.
نقلا عن وطنى