فجأة ودون مقدمات، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف إسلامى عسكرى مؤلف من 34 دولة، من بينها مصر، لمحاربة الإرهاب، يكون مقره الرياض. يحمل هذا القرار العديد من الدلالات المبدئية، أولاها أن فكرة «القوة العربية المشتركة» طواها النسيان، وهى الفكرة التى تبنتها جامعة الدول العربية بدعم كل من مصر والسعودية، بهدف مكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الأمنية التى تلف المنطقة من عدة أنحاء. ورغم تنبيه صانع القرار المصرى إلى أهمية التعجيل بهذه الفكرة فى أكثر من مناسبة، فإنها لم تجد طريقها إلى التفعيل، وظلت تتوارى شيئاً فشيئاً، حتى أطلق «التحالف الإسلامى» الرصاصة الأخيرة عليها. الدلالة المبدئية الثانية أن السعودية هى الدولة التى ستقود هذا التحالف، وقد تجلّى ذلك فى أمرين: الأول أنها الجهة التى أعلنت تشكيل التحالف، والثانى أن مقر التحالف سيكون فى الرياض، ويؤشر ذلك إلى أن الدعم المالى هو المحرك الأول له، وأن للمملكة وللمواجهات التى تخوضها أولوية على ما سواها فى المواجهات التى سيخوضها التحالف. الدلالة الثالثة تتعلق بطىّ صفحة التحالف العربى الذى قادته المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج لمواجهة الحوثيين فى اليمن، وقد جاء الإعلان عن التحالف بعد ساعات من مقتل قيادة سعودية كبيرة فى عدن، وأعقب هذا الإعلان قرار بوقف إطلاق النار فى اليمن، بطلب من عبدربه منصور هادى!. تلك هى أبرز الدلالات المبدئية التى يمكن أن تظهر للمتابع من قراءة الظروف والملابسات التى أحاطت بالإعلان عن إطلاق التحالف.
تعالَ بعد ذلك إلى الدلالة الأخطر والأهم التى يمكن أن تجيبنا عن سؤال: التحالف الإسلامى.. ضد مَن؟. وهى تتعلق بطبيعة التركيبة التى يتشكل منها هذا التحالف. وأهم ملمح يمكن رصده بسهولة فى هذا السياق هو الطابع المذهبى «السُنى» الذى يسيطر على دول التحالف. فالدول الـ 34 التى تنضوى تحت لوائه هى دول ذات أغلبية سُنية، وهو ما يدعونا إلى استخلاص أن الوقوف ضد الأطماع الإيرانية فى المنطقة هو أحد الأهداف المحورية للتحالف. ويترتب على ذلك استنتاج أساسى مفاده أن القوة الإسلامية المشتركة تضع ضمن أولويات عملها مواجهة الحوثيين فى اليمن (المدعومين من إيران)، وأن أى تحرك مقبل فى هذا الاتجاه يحتمل أن يتم من خلال التحالف الإسلامى وليس من خلال التحالف العربى.
الأمر اللافت والذى يستحق التأمل فى تركيبة التحالف الإسلامى أنه يضم عدداً من «الفرقاء السياسيين». أبرزهم: مصر والسعودية وتركيا وقطر. الكل يعلم أن بين مصر من ناحية وتركيا وقطر من ناحية أخرى ضغائن عديدة، أبسطها أن الطرفين التركى والقطرى، لا يعترفان بصورة أو بأخرى بالنظام المصرى الذى تولد عن موجة الثورة فى 30 يونيو. من المنظور الإيجابى يمكننا اعتبار هذا التحالف مقدمة لتذويب الجليد بين النظام وخصومه السياسيين الأبرز على مستوى المنطقة والذين يلعبون دوراً فى دعم جماعة الإخوان التى يتوقع أن يصبح ظهرها عارياً بعد ذلك من الدعم الذى كانت تحظى به من كل من قطر وتركيا، لكن ثمة بعد آخر ينبغى الانتباه إليه ونحن نحلل هذا التلاقى الذى أحدثه التحالف الإسلامى بين الفرقاء السياسيين. ثمة عامل يجمع بين الأطراف الأربعة السعودى والمصرى والقطرى والتركى، يمكن أن يفسر لنا عملية التلاقى التى حدثت بينهم، يتمثل فى «العامل السورى». سيقفز إلى ذهن البعض مباشرة تضارب الرؤى بين مصر والسعودية وتركيا وقطر فيما يتعلق بالموقف من نظام بشار الأسد، وهو تضارب واقعى وحقيقى، لكن يبدو أن هذا التضارب بدأ يتراجع لحساب الاتفاق على ضرورة خوض مواجهة على الأرض فى سوريا، وفى مساحات من العراق، هدفها الأساسى تقليم أظافر التنظيمات الإسلامية المتشددة هناك، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، وفى الوقت نفسه التمدد الإيرانى فى كل من سوريا والعراق، وهو ما يؤكد الطابع المذهبى للتحالف الجديد من ناحية، ويبرز أيضاً الطابع الطائفى له. خطورة ما يحدث يرتبط بتضارب المصالح بين الدول التى تملك جيوشاً حقيقية داخل التحالف، وعلى رأسها مصر وتركيا، وأخشى أن يكون العبء الأكبر من القوة الإسلامية المقترحة من نصيب مصر التى ترى أن من مصلحتها عدم السماح للتنظيمات المتشددة بالتمدد فى سوريا، وفى الوقت نفسه ترغب فى دعم المملكة العربية السعودية التى تخوض حرباً ضروساً فى اليمن، بدت فيها غير قادرة على تغيير الموقف على الأرض مع الحوثيين، بالإضافة إلى الخشية مما يمكن أن يترتب على الانزلاق فى المستنقع الداعشى فى سوريا والعراق من مخاطر، فى وقت يحق لنا أن نتساءل فيه عن موقف التحالف الإسلامى الجديد من مواجهة التمدد الداعشى فى ليبيا، والذى مثل سبباً رئيسياً من الأسباب التى دعت مصر إلى تشكيل «القوة العربية المشتركة»، تلك الفكرة التى تحطمت على صخرة المذهبية والطائفية!.
نقلا عن الوطن