اقرأ هذين الخبرين، الأول: «خادم زاوية يمارس الجنس مع عشيقته داخل مسجد بدمنهور».. الثانى: «لم يمنعها عمرها الصغير من ارتكاب سلسلة جرائم، بدأت بعلاقة محرمة مع شقيق زوجها، استمرت أكثر من عام، وانتهت بجريمة قتل «الزوج». المتهمة وضعت سماً لزوجها فى الطعام، والعشيق أكمل الجريمة وتعدى عليه بالضرب بـ«شومة» حتى لفظ أنفاسه الأخيرة». يمنحك هذان الخبران مؤشراً عن حالة الانحطاط التى وصلنا إليها، بعد أن أصبح هذا النوع من الحوادث من المواد اليومية الثابتة داخل الصحف، وغيرها من وسائل الإعلام، والحالة الصعبة التى نحياها، وأصبحت تدعو للقلق على المستقبل. لقد أصبح الفساد يلف جوانب كثيرة من حياتنا، ويأكل بشيطانه قلوب الكثيرين. وإذا أضفت ما ذكره المستشار هشام جنينة من أن الفساد كلف مصر خلال الفترة الماضية ما يقرب من 600 مليار جنيه إلى هذا النوع من الحوادث، فستخلص إلى أن ثمة حالة من الانحطاط العام، يشمل الكبير والصغير.
من الواجب ألا نمر على هذه الأمور مرور الكرام، لأنها تؤشر إلى خطر مقبل يهدد هذا المجتمع أشد التهديد. ثمة بلاد تحيط بنا تعرضت لمحن جسام، عندك سوريا وليبيا والعراق واليمن، وأنت تعلم أن أهلها يعانون أشد المعاناة، ولا نستطيع ونحن نحلل ما يحدث هناك أن نعزو أسبابه إلى ديكتاتورية الحكم، أو قوى البطش وفقط، أخشى أن يكون هناك أسباب أخرى تتعلق بالمواطنين العاديين الذين يعيشون فوق أرض هذه البلاد، أسباب تتعلق بحالة السيولة الأخلاقية، والسكوت على القبائح، والصمت الطويل على الظلم، والتماهى مع الفساد إلى حد العشق، والنظر إلى ممارسته على أنها أمر اعتيادى. عندما يصل إنسان أو مجموعة من البشر إلى تلك الحال، فعلينا أن نقلق عليهم، وأن نفهم أن الابتلاءات التى تصيبهم فى الحياة لها عدة أسباب، بعضها ذاتى يتعلق بهم وبأخلاقياتهم وأسلوب حياتهم.
يقول الله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». كثير من المصريين يستمعون إلى هذ الآية الكريمة، ولو أنهم تدبروا معانيها لفهموا كثيراً مما يقع حولهم، ويقع عليهم. نحن نصف أنفسنا بأننا شعب متدين، ولو أن أى منصف راجع حالة التردى الأخلاقى التى وصلنا إليها فسوف يدرك أن مقولة «الشعب المتدين» تتردد لمجرد الاستهلاك المحلى، شأنها شأن مقولات عديدة فى حياتنا. لأن التدين فى جوهره حُسن خلق، ومنطق حياة الكثيرين هو الترخُّص، الترخُّص فى كل أمر، وكل سلوك، وتبرير الأفعال الحمقاء للذات، لدرجة أنها أصبحت جزءاً من الذات المصرية. وذلك مكمن الخطر.
نحن بحاجة إلى مواجهة أنفسنا، قبل مواجهة أى شىء آخر. فكل ما فى العالم المحيط بنا من مخاطر يمكننا أن نواجهه، لكن الخطر الذى عشّش فى النفس ليس بمقدور أحد مواجهته، إلا ابن آدم نفسه. الفساد والانحطاط الذى وصلنا إليه أخطر علينا من «داعش». لا تتركوا الخطر يتمدد أكثر من ذلك، لأن نهايته محنة أكبر مما نتصور. القضاء على الداعشى الذى يوجد بالخارج سهل ويسير. المشكلة الكبرى فى «الداعشى» الذى يسكن النفوس.
نقلا عن الوطن