بقلم : مدحت بشاى | الاربعاء ٢٠ يناير ٢٠١٦ -
٠٩:
٠٩ م +02:00 EET
مدحت بشاى
رغم أن عبارات التوجيه والإرشاد والنصح بأشكالها المتكررة والمحفوظة، لم تعد تجد الاستجابة لدى مواطنينا، حتى الشباب منهم بل والأطفال، فإن خبراء التربية وعلماء الاجتماع وأساتذة علم النفس لا زالوا يؤكدون أن دور التربية بأوجهها وإطاراتها التقليدية تمثل الخطوة الأولى في مجال إيجاد حالة التواصل المرجوة بين الناس ومجتمعاتهم ودعم القيم المجتمعية المثالية وأيضًا في دعم تنامي أشكال التلاقي بين الأجيال.. ثم والأهم من وجهة نظرهم - وفي مرحلة تالية- وبنظم تربوية أكثر معاصرة دورها في تعبيد وإتاحة سبل هامة وضرورية لإيجاد مناخ عام حافز يدفع الناس إلى الاقتحام الهجومي لزلزلة الواقع، عندما يُصاب بنيانه بالسكتة الدماغية والفكرية لإحداث التغيير..
التغيير والإصلاح والتجديد والتحديث والتطوير والنهضة والصحوة والثورة وإعادة الهندسة وإعادة البناء وإعادة الصياغة.. وغيرها من عشرات التعبيرات والمصطلحات الفكرية والعلمية وأحيانًا "الحنجورية" التي تطالعنا عبر كل وسائل الإعلام تستصرخ أولي الأمر أن "افعلوا أي شيء وكل شيء من أجل تغيير ملامح الواقع .. واقع الحياة والأشياء والأهم واقع البشر..
والبشر كأحياء خلقها المولى تتحرك وتنمو وتسعى وتعمل وتكد وتتقلد المواقع والمناصب وتتبادلها وتسلمها عبر الأجيال.. وهذه كلها أفعال وأنشطة متغيرة تتبدل حالها من آن إلى آن ومن مكان إلى آخر ومن واقع إنساني وحضاري إلى واقع مغاير ومن بيئة نوعية إلى أخرى لا تشبهها.. وهكذا، فالتغيير سمة حياتية فطرية، لا تغادرنا ما دمنا أحياء.. والتغيير أيضًا ضرورة حتمية للأفراد والمجتمعات، فرضتها ظروف تغير وتبدل الأزمنة والأوقات والأحوال نظرًا لتنامي احتياجات الناس وأعدادهم وطموحاتهم المتنوعة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتفاعلهم مع حضارات وثقافات شعوب الدنيا، بعد أن صار العالم قرية كونية صغيرة .. إلا أن تعاطينا وتعاملنا مع قضايا المجتمع الآنية، لا يمكن أن تكون بنفس السبل وآليات إيقاع تنفيذها كما كان في زمن الأجداد أو حتى الآباء.. وهنا تكمن أولى إشكاليات التغيير، فنحن في أحيان كثيرة وعند تعاملنا مع القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى إحداث تغيير نتبع نفس الخطوات التقليدية والكلاسيكية النمطية غير مدركين لقوانين ومعطيات العصر ومنجزاته التي قد تتيح لنا حلولاً عبقرية تعبر بنا رتابة وبلادة أزمنة الأمية والتخلف.. بل وفي أحيان كثيرة ـ وللأسف ـ يبدو أننا نستحدث ونضيف خطوات أشد تعقيدًا، قد تعود لمتخذ قرار ارتعشت يداه أو آخر يرى الأمر من وجهة نظر الموظف التقليدي ممثل السلطة، فيجد في السلطوية جاهًا ومكانة ونفوذًا، فيطيب له البطش والقهر.. أو ثالث نال مكانة وموقعًا قياديًا بقدرات هائلة من التسلق والانتهازية، فصارت قراراته وأفعاله وإنجازاته لصالحه فقط ولمن أولوه الثقة وأهدوه الكرسي، ورابع وخامس وسادس من يمثلون أنماطًا متخلفة من رجال الإدارة ومن بيدهم صناعة واتخاذ القرار ومسئولية متابعته .. وتبدو هذه الإشكالية في ظاهرها أنها تقتصر على البعد الإداري .. ولكن واقع الحال يشير إلى أبعاد أخرى حاكمة ساهمت في تشكيل ملامح الشخصية المصرية كالظروف التاريخية والتأثيرات الفولكلورية والتراثية بل وكل الأحوال البيئية والمناخية التي أحاطت به عبر المراحل التاريخية المختلفة ومن خلال الأطياف الفكرية والثقافية والتراثية التي تعامل معها..
وعندما نتحدث عن التغيير، لا يجب أن نتوقف عنده باعتبار أنه فقط يمثل انتقال البشر والوطن من حال إلى حال.. لأنه لو لم يكن ذلك الانتقال بأداء محسوب وفي تحرك ومسيرة ترتكن إلى ركائز تراعي تركيبة المواطن بأنماطه السلوكية وتراثه التليد وهو الذي من أجله نسعى إلى التغيير وهو المستهدف به، فإن هذا الانتقال قد يُحدث نوعًا من التحول السلبي لا يحقق التطوير والتقدم والتنمية ولن يضع المواطن وأمته على مضمار السباق بعد مكابدته حياة رتيبة خارج الحلبة، فاقدًا حتى حق الحلم في التغيير، فالأجدى هو التوجه المباشر نحو مواقع الخلل والوهن والركود والسلبيةـ وهي لم تعد غائبة عن أحدـ والتعامل معها بموضوعية على أن يكون ذلك بإرادة حقيقية تمتلك قوة الاقتحام بفاعلية، لتسقط معاقل لهياكل ونماذج سلبية لتطبيقات بيروقراطية وتكنوقراطية تجاوزها الزمن وأصبحت في ذمة التاريخ..
إن أي تغيير عشوائي انتقائي مزاجي، سوف يحدث نوعًا من الفوضى وسيتوه بنا عن الأهداف بل وسوف يكرس عددًا من المفاهيم السلبية المريضة التي قد تؤدي بدورها إلى الانحراف والفساد.. فعلى سبيل المثال، عندما تم التحول في النظام الاقتصادي من نظام انغلاقي اعتمد آليات لدعم المنتجات الخاسرة والتوظيف غير المرشد وغيرها من صنوف الولاية التي ينتفي معها الحافز على العمل والإنتاج والإجادة ويتشابه فيها البشر كصور منسوخة إلى نظام انفتاحي اعتمد العمل بآليات السوق ومعطيات العرض والطلب والانخراط في السوق العالمي الكبير.. عندما تم هذا التحول بشكل فوضوي دونما تحديد لأهداف هذا التغيير وعدم وجود رؤية استراتيجية محددة تستهدف نتائج بعينها يراد تحقيقها للوطن والمواطن.. فإن التغيير قد أتى بنتائج عكسية بالغة السوء شهدناها واكتوينا بآثارها وأطلقنا عليها الانفتاح الاستهلاكي..
في هذا الصدد أرى أهمية ما قاله نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب في أهمية التغيير من وجهة نظر المسيحية.. قال: "من وجهة نظر دينية، أن يكون التغيير شاملاً للكيان الإنسانى كله وقادرًا على الاستمرار حتى إلى الخلود..
فما قيمة تغيير يصيب الجسد والمادة والزمن فقط، ولا يقود إلى تغيير الفكر والنفس والروح... ويقود إلى حياة أبدية؟ !
من هنا جاء السيد المسيح بشعار أفضل وأكمل وأشمل... لخصه لنا بولس الرسول بقوله: تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12 : 2) ..هذا هو التغيير الحقيقيى، الذى يجب أن نصل إليه ونحياه!!.. بمعنى أن تتغير حياة الإنسان كلها، فإن الكلمات السابقة تشرح الآية، إذ يقول الرسول: "لا تشاكلوا هذا الدهر" (رو 12: 2) والكلمة فى الأصل اليونانى معناها: "لا تتشبهوا بهذا الدهر" .. وفى الإنجليزية: ( bo not conformed to this world ) ... والمعنى واضح: أى لا تأخذوا "فورمة" هذا العالم، ولا تتشبهوا بهذا الدهر.. " .
متى تتوفر لنا إرادة التغيير.. للمواطن والحاكم وحكوماته؟!
نقلا عن الطريق والحق
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع