هناك أسماء تعتبر علامة جودة، وعندما تتعاون، وتشترك فى عمل فنى إبداعى واحد تصبح الجودة امتيازاً.
توم هانكس، وستيفن سبيلبرج عندما ترى الاسمين على أفيش فيلم، إذاً هناك متعة بصرية وفكرية وتمثيلية، ووجبة درامية دسمة حتماً تنتظرك، لذلك راهنت على فيلم «جسر الجواسيس»، ودون أخذ ضمانات، فأنت مع توم هانكس لن تخسر، ومع سبيلبرج، وقّع شيكاً على بياض، ونم مطمئناً، الفيلم عن قصة حقيقية بطلها محامى تأمينات شهير الذى يؤدى دوره توم هانكس، لكن المخابرات الأمريكية تطلبه فى نهاية الخمسينات، وفى قمة الحرب الباردة فى تخصص قانونى بعيد عن تخصصه، يطلبونه للدفاع عن جاسوس سوفيتى يعمل فى الأصل رساماً، النقطة الجوهرية فى الفيلم والرسالة التى تهم المشاهد المصرى والتى أتمنى أن تكون قد وصلت هى الضمانات القانونية للمتهم، التى لا بد أن تتوافر مهما بلغت بشاعة الاتهام، وخسة ودناءة الجرم، المتهم جاسوس وهى تهمة بشعة مهينة تمثل قمة وذروة الخيانة،
والوقت حساس، والرأى العام ضاغط يطالب برقبة المتهم، والحكومة الأمريكية تريد الانتقام، والقاضى يمتلك موقفاً مسبقاً، ويعتبر إعلان إعدامه تحصيل حاصل، لكن المحامى يؤمن بتوفير كل الضمانات القانونية للدفاع عن موكله، مهما كانت النظرات الغاضبة المعاتبة، ومهما كان الثمن الذى سيدفعه هو وعائلته، موقف المتهم الجاسوس الذى لا يريد إفشاء السر، فسره المحامى تفسيراً مختلفاً وهو أن الجاسوس مؤمن بقضية بلده وخدمة وطنه من وجهة نظره، احترم فيه هذا الإصرار، برغم الغضب الداخلى، الذى يحمله كمواطن أمريكى تجاه هذا الجاسوس السوفيتى، خرج المحامى الذكى من هذه المعادلة المعقدة بإقناع القاضى بأن الأمريكان من الممكن أن يحتاجوا هذا الجاسوس فى صفقة تبادل مع السوفيت، وقد حدث هذا فعلاً وتحققت النبوءة حين سقط طيار أمريكى فى الأراضى السوفيتية، وتم أسره، كلف المحامى بإتمام صفقة التبادل،
ولكن أثناء هذا التكليف ظهر مسجون أمريكى جديد، طالب اقتصاد تم القبض عليه فى ألمانيا الشرقية، ظهر صراع آخر بين المخابرات التى لا يهمها إلا الطيار الذى يمتلك معلومات مهمة عن طائرته الحديثة، وبين المحامى الذى يهمه المواطن الأمريكى فى المقام الأول ولا فرق عنده بين طيار عسكرى، ودارس اقتصاد، المهم أنه مواطن أمريكى، تلهث الأنفاس فى المفاوضات التى تأخذ منحنيات خطرة ولعبة شد حبل مثيرة مليئة بمشاعر متناقضة، فالمفاوض الألمانى يحس بالدونية، وبأن أمريكا لا يهمها إلا روسيا ولا تعترف بألمانيا الشرقية، والمفاوض الروسى مهتم و«متسربع» على اقتناص أى معلومة من الطيار قبل تسليمه،
والمفاوض الأمريكى يريد إنجاح مفاوضة غير عادلة اتنين أمريكان مقابل واحد سوفيتى، وتنتهى الصفقة بنجاح المفاوض الأمريكى، الذى صار بطلاً بعد أن كان موصوماً بعار مساندة الخائن الجاسوس. من الممكن أن يكون الفيلم ليس على درجة الأفلام التى تعاون فيها سبيلبرج مع هانكس من قبل، لكنه فيلم مهم يكمل به سبيلبرج ولعه بالقصص التاريخية الحقيقية، مثل: لينكولن، وميونيخ، المهم أن نخرج من الفيلم، ونحن نتبنى فكرة أن الرأى العام لا بد أن يتنحى عن إصدار الأحكام القضائية، وأن المحامى الذى يدافع عن أى متهم، حتى ولو كان جاسوساً، ليس رجلاً خائناً، بل هو رجل يكمل منظومة العدالة.
نقلا عن الوطن