الأقباط متحدون - تحرير العقل
أخر تحديث ٠٤:١٣ | الجمعة ٥ فبراير ٢٠١٦ | ٢٧طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٢٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

تحرير العقل

خالد منتصر
خالد منتصر

عندما تقرأ كتاب د. جابر عصفور الجديد «تحرير العقل» الصادر عن هيئة الكتاب تشعر أنك تقرأ عن كائنات فضائية هبطت على مصر فى عصر النهضة وزمن التسامح ثم عادت إلى كوكبها واستقرت فيه لتراقب عن بُعد ما يحدث فى مصر الآن من عبث فكرى وعشوائية سريالية لا عقلانية، تحس أن أبطال الكتاب ومن يقف على خشبة مسرح سطوره هم من عالم افتراضى اخترعه جابر عصفور: محمد عبده وفرح أنطون وشبلى شميل وأحمد لطفى السيد وطه حسين وقاسم أمين وعلى عبدالرازق... إلخ، يطلون علينا من عليائهم، أظنهم تارة يلطمون حتى يسيل من خدودهم الدم عندما يجدون مشروعهم الفكرى قد تحول إلى فخ يسجن من أجله أى مفكر يريد تشغيل عقله، وتارة يضحكون حتى يستلقوا على أقفيتهم من كوميديا الفتاوى السوداء التى تنطلق فى مناخ مصر المحروسة من رضاع الكبير وتضييق الطريق على المسيحى حتى زواج الطفلة المربربة الملظلظة وتكفير ميكى ماوس والسيارة الشيفروليه!! الكتاب مهم أن تقرأه لا لمصمصة الشفاه والتحسر ولكن لاستكمال مشروع التنوير الذى بدأه الطهطاوى وأجهضه أحفاد البنا بضوء أخضر من السادات. ينطلق الكتاب من تعريف الفيلسوف كانط للتنوير بأنه خروج الإنسان على مرحلة القصور العقلى وبلوغه سن النضج وتمرده على الوصاية، وشعاره الشهير كن جريئاً فى استخدام عقلك، ويؤكد عصفور أن للتنوير جذوراً فى تراثنا الإسلامى،

وللعقل منزلة كبيرة ومهمة فيه، فالرازى يقول عن العقل: «خليق بنا ألا نحطه عن رتبته ولا نجعله وهو الحاكم محكوماً عليه». وفى قصة حى بن يقظان الدليل الكافى على قدرة العقل الذاتية على المعرفة بدون وسائط، وقراءة الكندى وابن رشد وابن سينا تمنحنا السند والدعم التنويرى والعقلانى الكافى، وأيضاً ما حدث معهم من اضطهاد وحرب من المتزمتين يجعلنا نفهم بسهولة أن الحرب السلفية ضد التنوير ليست بنت اليوم. سيندهش قارئ الكتاب الشاب حين يقرأ كلمات سعد زغلول التى كتبها فى زمن افتتاح الجامعة عندما قال: «جامعة لا دين لها إلا العلم»!! طبعاً لو قال زعيم الأمة هذا الكلام الآن لحجزنا له الزنزانة المجاورة لإسلام بحيرى! الصراع الثقافى طوال رحلة الكتاب هو ما بين العقل والنقل، وما بين الإبداع والاتباع، ولحظات نهضة الأمة لا تتحقق إلا عند انتصار العقل وغلبة الإبداع، وأيضاً عندما يضيف عقل الأفندى خلطته السحرية إلى عمامة الشيخ المهيبة مثلما حدث فى حالة الطهطاوى وعلى مبارك. تقرأ فى الكتاب الحوار الراقى بين مفكرى زمن النهضة بدون جرجرة محاكم وقضايا ازدراء، تقرأ حوارات الأفغانى وشبلى شميل حول نظرية التطور، ومناظرات محمد عبده وفرح أنطون حول المدنية والعقل، هذا فى مجلة المنار وذاك فى مجلة الجامعة بكل رقى واحترام ومحاولة إقناع لا محاولة إقماع!!

أسئلة كثيرة يطرحها د. جابر عصفور فى كتابه «تحرير العقل»، منها ما هو التنوير؟ ما هى الحداثة؟ ما هو العلم؟ ما هى الأصولية؟ ما هو التعصب؟ وكلها مصطلحات لا بد أن نتفق على مفهومها قبل أن نتناقش فى كيفية تحقيقها إن كانت معانى إيجابية، أو التخلص منها وعلاجها إن كانت معانى سلبية، إنه كتاب جاء فى وقته بالضبط ولكن الظاهر أننا نحن الذين حضرنا متأخرين.

نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع