نادر شكرى
بعميق الحزن وبالغ الأسى تنعي نقابة الصحفيين فى مصر رمزا وقامة كبيرة من أعضائها، الكاتب الصحفي والمفكر والأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي أعطى للإنسانية وللأمة العربية ولمصر جهده وفكره وصلابة موقفه وريادته الفذة في مهنة الصحافة وفي الكتابة الصحفية والمراجع السياسية والتاريخية.
إن بصمة الأستاذ في كل تلك المجالات كانت وستبقى فريدة في تميزها سواء من حيث القدرة على الوصول للمعلومات من أدق وأرقى وأوثق مصادرها، أو من حيث السبق وسبك المادة الصحفية بحرفية فذة وصوغها بلغة متفردة، كان له الفضل فى صك العديد من المصطلحات التي لم تكن موجودة وصارت شائعة مشهورة.
لم ينفصل هيكل المواطن عن وطنه وأمته لحظة واحدة ولم يفصل بين المرونة في إدارة العملية الصحفية وبين الصلابة في التمسك بقواعد المهنة والإصرار على اتخاذ المواقف المبدئية في الحياة العامة، وكان أن دفع ثمن ذلك بالسجن والمنع من النشر في وطنه وبحملات التشهير، ولم ينل كل ذلك من عزيمته ولم ينجر لحظة إلى معارك جانبية.
كان العمل مع الأستاذ والانتماء لمدرسته فخرا لمن شاء حظهم أن يعملوا معه وأن ينتموا لمدرسته، بل إن إحدى سماته المتميزة كانت عمق علاقاته الإنسانية مع أطياف وأجيال من الصحفيين والمفكرين والباحثين والسياسيين، وظل لآخر أيامه حريصا على التواصل مع الناس متواضعا بغير تكلف ومترفعا بغير صلف.
كانت ذخيرته المعرفية الشاملة الممتدة من حافظة شعرية جبارة إلى ذاكرةتاريخية لا تعرف الوهن إلى الاطلاع على كل ما هو حديث ومعاصر من المصادر والمراجع عدا عن رحلاته ومقابلاته مع مفكري العالم وسياسييه وكبار صحفييه، ذخيرة تتجلى في كتاباته وكتبه وجلساته.
إن نقابة الصحفيين سوف تحتفظ للراحل الكبير بالعديد من المواقف دفاعا عن حرية الصحافة باعتبارها إحدى الحريات العامة ولا تنسى له موقفه الشهير عندما وجه رسالة لأعمال الجمعية العمومية الطارئة في العاشر من يونيو 1995 لرفض التعديلات التي أقرها مجلس الشعب في حينها، وكانت تمثل عدوانا على حرية الصحافة وقال فيها "إنها ليست أزمة قانون ولكنها أزمة سلطة شاخت على مقاعدها" وكان لكلمته أثر كبير في أعمال الجمعية العمومية التي ظلت في حالة انعقاد مستمر على مدى عام، كما لا تنسى له اختياره للنقابة لتحضن مشروعه الذي ترك به وصية لأولاده في قيام مؤسسة هيكل. ولا تنسى أيضا عندما تم اختياره بالإجماع عام 2000 ليكون أول من يحصل على الجائزة التقديرية "الهرم الذهبي"، وقال في الاحتفال الذي حضره آلاف من شباب الصحفيين إنه "يعف عن قبول الجوائز والتكريم ولكنه لا يستطيع أن يرد جائزة تأتي إليه من نقابته"، وكأنه أراد أن يعلي من قيمة الكيان النقابي وأن يصل بهذه الرسالة وهذا النموذج لأجيال عديدة، كما لا ننسى له رغبته التي أخطرنا بها منذ شهور قليلة بتخصيصه جائزتين بقيمة مالية كبيرة تخصص لشباب الصحفيين.
لقد تواصلت النقابة في الأيام الأخيرة مع الراحل العظيم وهي بصدد الإعداد للاحتفال باليوبيل الماسي على إنشاء النقابة الذي يوافق 31 مارس المقبل، وكان شديد الحماس للحدث والمناسبة.. لكن قدر الله وما شاء فعل، لكننا نعد الأستاذ أن تكون هذه الاحتفالية مناسبة حضور لكل ما تركه وسيظل باقيا لنا جميعا.
لن نقول للأستاذ وداعا بل نقول له إننا على العهد محافظون وعلى الدرب سائرون ولنا جميعا أن نفخر بأننا عشنا عصرا كان نجمه المبهر هو محمد حسنين هيكل.