أعلن مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية سعد الدين إبراهيم أن "جماعة الإخوان المسلمين" وحلفاءها طلبوا منه تجديد اتصالات المصالحة مع الدولة المصرية.
تصريحات سعد الدين إبراهيم ليست بالمستغربة من شخص لعب دورا في فتح حوار بين "جماعة الإخوان" والأمريكيين إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولا سيما أن الرجل يقوم حاليا بزيارة إلى اسطنبول، لإلقاء محاضرات أكاديمية، التقى على هامشها في تركيا، معقل قيادات "جماعة الإخوان" وحلفائها الهاربين من مصر: الدكتور محمود حسين أمين عام "الجماعة"، وعددا من قيادات الجماعة؛ إضافة إلى لقائه مؤسس حزب "غد الثورة" أيمن نور.
سعد الدين إبراهيم أدلى بتصريحاته أمس، الاثنين 29 – 2- 2016، ولم يصدر حتى الآن أي موقف عن الإخوان ينفيها، أو يؤكد مبادرته للمصالحة بين الجماعة والدولة.
في غضون ذلك، يستمر جمود العلاقات المصرية-التركية، في الوقت، الذي يشهد فيه الشهر المقبل حدثا بارزا، يتمثل في استضافة تركيا للقمة المقبلة لمنظمة التعاون الإسلامي، والتي تترأسها مصر حاليا، ويفترض أنها ستسلم رئاستها إلى تركيا في اسطنبول. ذلك، على الرغم من المساعي، التي بذلتها المملكة العربية السعودية ولا تزال تبذلها، وكذلك الأمين العام للمنظمة إياد بن أمين مدني.
فبعد أيام من تصريحات مستفزة لأردوغان بشأن المصالحة مع مصر، رهن فيها الحديث مع النظام المصري بالإفراج عن قيادات "الإخوان" والرئيس السابق محمد ومرسى من السجون، نافيا وجود مشكلة في الحوار مع الشعب المصري "باعتباره شقيقا للشعب التركي".. بعد أيام من هذه التصريحات، حاول وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو تلطيف الأجواء بتصريحات عن أهمية حضور مصر للقمة الإسلامية، قائلا: "إن حضور مصر اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول يجب فهمه على أنه مشاركة في اجتماع دولي.. ونحن نلتقي المسؤولين المصريين في الكثير من المنتديات الدولية، ولا مانع لدينا من إجراء مباحثات ثنائية". ونوه وزير الخارجية التركي بأهمية دور مصر القوية للمنطقة بأسرها.
غير أنه لم تمض أربع وعشرون ساعة حتى أفقد مشروع قانون الكونغرس حول ارتباط "الإخوان" بالإرهاب المسؤولين الأتراك صوابهم، فخرجت الرئاسة التركية للتحذير من السعي الأمريكي لتصنيفهم كمنظمة إرهابية، ودافع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين عنهم قائلا، إن: "الجماعة" لم تتورط في أي أعمال عنف، خلال السنوات الأربعين الماضية"، ليمحو بذلك التصريحات الإيجابية لتشاووش أوغلو.
وفي المقابل، أدى ثبات الموقف المصري من العلاقة مع تركيا، ومن المصالحة مع جماعة "الإخوان"، وغموض موقف مصر من القمة الإسلامية المرتقبة في اسطنبول، إلى إرباك واضح وتردد في المواقف التركية حيال مصر؛ وهو الأمر، الذي ينعكس بالضرورة على "الجماعة" ومواقفها.
وبالعودة إلى القضية الرئيسة المتمثلة في المصالحة بين "الجماعة" والدولة المصرية؛ يبدو هذا الأمر في غاية الصعوبة على الجانبين: "الجماعة" والدولة معا. لأن الأمر فيه دماء؛ وحرمة الدماء كبيرة، وليس من السهل على أحد التفريط فيها.
فمصر دولة فقدت ما يزيد عن سبعة آلاف ضابط ومجند من الجيش والشرطة؛ فضلا عن ألوف المدنيين، الذين سقطوا نتيجة للحرب، التي تخوضها ضد الإرهاب. وكذلك خضوع معظم أفراد الجماعة وحلفائها لمحاكمات، وصلت عقوبتها إلى حد الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة؛ وهو أمر يصعب التراجع عنه بسهولة.
أما فيما يتعلق بـ"الجماعة"، فيرى المتحدث الرسمي الأسبق باسم التنظيم الدولي "للإخوان" الدكتور كمال الهلباوي أن "الجماعة" تعاني الآن من تصدع كبير وانشقاقات وتفرق للقيادة؛ الأمر، الذي يصعب معه فرض وجهة نظر بعينها على كل أفرادها في الداخل والخارج.
فيما يرى الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أحمد بان أن المصالحة بين الدولة و"الجماعة" أضحت من الصعوبة بمكان للجانبين؛ فلا الدولة تستطيع أن تبرر سببا لأن تضع الحرب أوزارها ضد "الجماعة"، التي حملتها الفاتورة الكاملة لكل ما عانته مصر خلال السنوات الأخيرة من أعمال عنف وإرهاب، ولا "الجماعة" تستطيع أن تسوق مصالحة مع نظام اتهمته بتكبيل الحريات واغتصاب السلطة وإسالة الدماء. غير أن أحمد بان استدرك مشيرا إلى أنه في حال توفرِ الإرادة لدى الجانبين فلا شيء مستحيلا، ولا سيما أن تاريخ "الجماعة" يشهد بذلك، ويؤهلها لتكرار مصالحات حدثت من قبل.
مصر و"الإخوان" وتركيا وقطر: حسبة ومعادلة مرتبطة. ولا علاقة مستقلة للدولة المصرية بالمفردات الثلاثة بمعزل عن بعضها بعضا؛ فإذا ما ارتأت مصر مساحة لحوار يجمعها مع الأتراك، فذاك يعني مساحة تسع الإخوان وقطر؛ وإذا أغلقت هذا الباب، فلا مواربة فيه مع مفردة أخرى من الكيانات الثلاثة. والأمر برمته سيتضح في موقف مصر من القمة الإسلامية المقبلة في اسطنبول.