بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (579)
بينما كنت أتساءل في مقال الأسبوع الماضي عن أحكام المواريث في لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين, كانت وطني تحاور الصديق العزيز المستشار الجليل منصف سليمان حول اللائحة وتاريخها ومشتملاتها حيث أفصح سيادته عن أن مشروع القانون الذي نحن بصدده – ويقصد لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين-لم ينظر إلي المواريث شأنه شأن جميع القوانين التي قدمتها الكنيسة منذ عام 1979 … واستطرد قائلا : .. ولكن تعالت أصوات قانونية من أساتذة قانون أجلاء تقول إن المواريث هي من أركان الأحوال الشخصية ولهذا واحتراما لنص المادة الثالثة من الدستور يجب أن يتضمن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين ما ينظم أحوال المواريث .. وهذا الرأي قد يعارضه رأي آخر يقول إن الكتاب المقدس لا يتضمن أية أحكام تتعلق بالمواريث , وبالتالي فالاحتكام لنص المادة الثالثة من الدستور التي تقضي بأن يحتكم المسيحيون لشرائهم فيما يخص أحوالهم الشخصية هو احتكام قائم علي سببه .. وأناشد أساتذة وفقهاء القانون مسلمين وأقباطا أن يدلوا برأيهم في الأمر , وأن يكون موضوع المواريث معروضا للحوار المجتمعي.
هذا ماتفضل به المستشار منصف سليمان , وهو ما دعاني إلي مواصلة الكتابة في هذا الأمر المسكوت عنه:
** الآن نتأكد من أن اللائحة الأخيرة للأحوال الشخصية للمسيحيين خلت من البنود الخاصة بالمواريث , الأمر الذي يعكس عدم انشغال واضعيها بأن المورايث تشكل ركنا من أركان الأحوال الشخصية … وذلك توجه يستحق إعادة النظر والمراجعة .
** مقولة أن مشروع قانون لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين الذي نحن بصدده لم ينظر إلي المواريث شأنه شأن جميع القوانين التي قدمتها الكنيسة منذ 1979 , هو تبرير يفضح التقصير أكثر من إقراره بالواقع , لأنه يتجاهل الإرث التشريعي الذي سارت عليه الكنيسة منذ القرون الأولي للمسيحية, وحتي عصرنا الحديث من ترسيخ المساواة بين الرجل والمرأة في أنصبة الميراث حتي أن التشريعات المصرية التي أقرت الشريعة الإسلامية كمصدر لأحكام المواريث- بإعطاء الذكر نصيب أنثيين – تركت البابا مواربا للمسيحيين للاحتكام إلي شرائعهم إذا اتفق الورثة علي ذلك.
** يؤلمني أن أشعر أن الرجل المسيحي يستمرئ التعلل بتفسيرات شتي تضمن له الاستئثار بنصيب أنثيين في الميراث ويقاوم علاج ذلك الواقع المعوج لمجرد أن بقاءه يصادف هوي في نفسه .. فذلك لا يستقيم أبدا مع مقولة خلو نصوص الكتاب المقدس من تحديد أحكام بعينها للمواريث .. فروح الكتاب المقدس راسخة في إعلاء مساواة الرجل بالمرأة التي خلقها الله معينا نظيره,فإذا كانت أحكام نصوص الكتاب المقدس تخلو من أحكام بعينها للمواريث , ما هي التبريرات التي تدعونا للانحياز لإعطاء الذكر ضعف نصيب الأنثي , وتمنعنا عن المساواة بينهما ؟!!!
** إذا…المسيحيون لا تكبلهم أية تشريعات أو نصوص أو أحكام كتابية توزع أنصبة مختلفة بين الرجل والمرأة في المواريث , فهم أمام فرصة تاريخية لترجيح معيار المساواة التامة بين الرجل والمرأة في المواريث في لائحة أحوالهم الشخصية .. وذلك لو تحقق يعد إنجازا حضاريا تقدميا سباقا بجمع المقاييس يحسب لهم في مجال إنصاف المرأة المصرية .. والإقرار بحقوقها المتساوية مع الرجل, ويقدم نموذجا يحتذي للمجتمع بأسره قد يؤدي إلي اتباعه من جانب المشرع للمصريين جميعا – مسلمين ومسيحيين- الأمر الذي ينقل مصر نقلة حضارية عظيمة إلي الأمام نحو الدولة الحديثة.
** مقولة إدراج موضوع المواريث – وخاصة مساواة الأنصبة بين الرجل والمرأة- للحوار المجتمعي , هي مبادرة ظاهرها طيب لكن حقيقتها كارثية , لأنها ببساطة تخلق صداما لا يحمد عقباه بين الشريعة الإسلامية والشريعة المسيحية.. وبينما نحن المسيحيين نسعي للاحتكام إلي شرائعنا الخاصة في ترسيخ المساواة بين الرجل والمرأة ونبغي من وراء ذلك تصدير نموذج حضاري لمجتمعنا,لانرغب إطلاقا في إرغام إخوتنا المسلمين علي الانصياع لما قد يعتقدون أنه يخالف شريعتهم.. ذلك المنحي إنما يدفع بنا إلي ساحة الصراع والاختلاف ونحن في شدة الحاجة للابتعاد عن ذلك , يكفينا أن نشرع ما يتناسب مع شريعتنا , ثم إذا حسن ذلك في أعين إخوتنا المسلمين لهم أن يقرروا أن يتمثلوا به دون أية ضغوط أو إلزام.
** دعونا نعترف بكل شجاعة وأمانة أن ترك معايير المواريث تفرق بين الرجل والمرأة – وتعطيل أو مقاومة ترسيخ المساواة بينهما – لا يمكن أن يغري بأنه مجرد التزام بشرائع دينية , فالشرائع الدينية التي أتت لصلاح وسعادة الإنسان لا يمكن أن تنقض أمام تطويعها لتأكيد صلاح وسعادة الإنسان .. ودعوني أذكركم بأمر مسكوت عنه في غاية القسوة والوحشية : إننا ونحن نجاهد من أجل إنصاف المرأة وإعادة نصيبها المساوي للرجل في الميراث لسنا فقط ننهي عهدا كان نصيبها فيه نصف نصيب الرجل , إنما نضع حدا لواقع مريض كان يستحل أن يغتصب نصيبها بالكامل ويتركها مقهورة دون سند من قانون .. أوعدالة .. أو دين!!
نقلا عن وطنى