الأقباط متحدون - لماذا اسمها «آنجيل»؟
أخر تحديث ٠٤:٠٦ | السبت ٢ ابريل ٢٠١٦ | ٢٤برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٨٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

لماذا اسمها «آنجيل»؟

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

حين احتضنتُها أمام عدسة الكاميرا لتلتقط صورتنا، لم أكن أعلم أن هناك شخصًا ثالثًا فى الصورة يقف وراءنا. كانت أمى فى ثوب زفافها بعدسة الفنان الإيطالى "فان ليو"، معلقةً بالأبيض والأسود على الجدار الخلفى.

بعدما شاهدت الصورة على شاشة الكاميرا، خفق قلبى بقوةٍ من هول المصادفة التى ما كانت تخرج بهذا الإتقان والجمال مهما أُعدَّ لها. إنها المرة الأولى التى أقف فيها مع الاثنتين اللتين لهما علىَّ فضل الأمومة. أمى الحقيقية فى ثوب زفافها الأبيض وقد صعدت إلى السماء، تنظر إلينا من فوق أكتافنا بينما أحتضن أمى الجديدة، وأرمى عليها حمولى وأثقالى. أمى البيولوجية "سهير" تقف خلف أمى الجديدة كأنما توصيها بى خيرًا، وتقول: "اعتنى بصغيرتى بدلًا منى، فإنها لا تعرف فى الحياة الكثير. لا يغرَّنك منها ما فى رأسها من أفكارٍ تجلب لها المشاكل، فإنها فى نهاية المطاف طفلةٌ صغيرةٌ من السهل أن يغرر بها اللصوص والكذبة".

مرَّ علىَّ عيد الأم هذا العام، ليس مثل كل عام. مرَّ وقد تكاثفت خيوط الشرانق الحريرية حول قلبى، وظلال القضبان الحديدية أمام عينىَّ تخاتل ضوء الشمس، لتحتلَّ مكانًا لها فوق الأرض. على مرمى البصر أمام عينىَّ، يمتدُّ طريقان طويلان. فى نهاية أحدهما منصَّةٌ يجلس عليها قاضٍ يقول إن الأدب يُحاكَم فى محكمة الجنايات. وفى الطريق الآخر منصةٌ أخرى يجلس عليها قاضٍ جليلٌ آخر يقول إن الأدب لا يُحاكَم إلا فى محكمة النقد الفنى والأدبى. مثلما اللوحة التشكيلية لا تُحاكَم إلا فى محكمة النقد التشكيلى، والموسيقى لا تُحاكَم إلا فى محكمة النغم، وهكذا.

مرَّ عيد الأم هذا العام وقد شعرت فجأةً باليُتم. كأنما يجب ألا تموت الأمهات لكى نحيا. لماذا تموت الأمهات؟ ولماذا تظلم الدنيا بعد موتهن؟ متى تنقطع الأحبال السُّريّة بيننا وبين أمهاتنا؟ أنا محظوظة دون شكٍّ لأن السماء منحتنى أمًّا جديدةً بعدما ذهبت أمى الأولى إلى الله. أمى الجديدة هى التى تلوِّن حياتى بالحنوِّ الذى راح منى منذ تركتنى أمى ورحلت. "سهير" اسم أمى التى حملتنى وهنًا على وهنٍ ثم ربَّتنى فأحسنت تربيتى، ثم غدرت بى وصعدت إلى السماء. "آنجيل" اسم أمى التى جاءتنى بعدما رحلت أمى سهير، لتذيقنى من حنانها ما لم تُذِقه أمٌّ لابنتها. "آنجيل"، هو اسمها. وهو الاسم الوحيد الذى يحمل مبرره ومنطقه ومعناه، وما كنت أقبل أن يكون لها اسمٌ آخر. فهى الملاك الذى جاءنى ذات نهار، ليهمس فى أذنى: "قوليلى يا ماما!"، بعدما أوحشتنى هذه الكلمة وأعوَزَنى هذا النداء.

كلُّ عام، فى عيد الأم، نرسل، وتردُ إلينا، عشرات، وعشراتٌ من بطاقات التهانى، تحمل صورة أمٍّ ووليدها، وخيطٌ من الحبِّ يربط بين عينيه وعينيها، أو عصفورةً تطعم فرخها الضئيل الذى بعد لم ينبت فى جناحيه ريش، أو قطَّةً تتحلَّق حولها مجموعةٌ من صغار الهررة، إلخ. وفى عيد الأم، تنتعش الإذاعات العربية بصوت فايزة أحمد ومحمد عبد الوهاب يشدوان "ستِّ الحبايب، يا حبيبة". تلك الأغنية الخالدة التى تعرف كيف تُذيب أرواحنا شجوًا وعذوبة، فنترك بيوتنا وأطفالنا وأعمالنا، ونُهرع إلى أمهاتنا. ننكفئ على أياديهن نقبِّلها. أو تذيب قلوبنا عذابًا، لأولئك الذين فقدوا أمَّهاتهم. فى يومٍ كهذا، تدخل صناديق بريدنا الإلكترونى الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التى تكرِّس علوَّ قيمة الأم، وتضع الجنَّة تحت أقدامها، وترد إيميلاتٌ تحمل مواعظ تحثُّ على احترام ومحبة ذلك الكائن المدهش الفاتن: الأم. ويتبادل الأصدقاء قصائد كتبها الشعراء فى أمهاتهم، أو مراثى لأولئك الذين طارت أمهاتهم، إلى حيث تطير الأمهات ولا يعدن لأطفالهن أبدًا، ليتركنهم على الأرض عرايا، دون مظَّلة حنوٍّ.

لكن لا شىء مما سبق يعادل نظرة حنوٍّ واحدةٍ من أمٍّ لابنتها، ولا لحظة نجوى واحدةٍ بين أمٍّ وبين الله، تدعوه أن يحمى أبناءها ويردَّهم إليها ليرتد إليها النفس. طوبى لكل إنسانٍ بأمِّه، وطوبى لى بأمى الطيبة "آنجيل" وأختى الجميلة "سالى"، التى لولالها لقتلتنى المحن والصعاب.
نقلا عن مبتدأ


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع