يبدأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اليوم الخميس زيارة إلى مصر تستمر عدة أيام بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الزيارة تعد الأولى من نوعها للملك السعودي منذ توليه منصبه خلفا للملك عبد الله بن عبد العزيز، باستثناء زيارة خاطفة إلى مدينة شرم الشيخ لحضور فعاليات القمة العربية بعد أيام من بدء عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في اليمن؛ وهي القمة، التي شهدت أيضا إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة القوة العربية المشتركة، التي لا تزال مجمدة.
وقد شنت وسائل الإعلام السعودية والحكومية المصرية حملة شرسة على من وصفتهم بأعداء البلدين، وذكرت أن الزيارة تجيء "لإخراس ألسنة من روجوا للخلافات في المواقف بين البلدين"، وادعوا أن الملك سلمان ينتهج سياسة منحازة إلى "جماعة الإخوان المسلمين"، وأن سياسته تختلف إزاء مصر عن سياسة أخيه الملك عبد الله، الذي كان أكثر الحكام العرب دعما وتحيزا للمواقف المصرية، وأولهم تأييدا لثورة الثلاثين من يونيو التي أطاحت حكمَ الإخوان.
وما حاولت الدبلوماسية المصرية والسعودية إخفاءه من خلاف في وجهات النظر بين البلدين في قضايا إقليمية عدة، بتصريحات طالما كررها وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره السعودي عادل الجبير عقب اجتماعاتهما المغلقة حول تطابق وجهات النظر، لم ينسحب على موقف الدولتين من الملف السوري والإيراني والتركي المعادي للثورة المصرية.
وكانت القاهرة سباقة في تهيئة الأجواء لقمة “السيسي - سلمان“ بتصريحات أدلى بها سامح شكري قبل يومين؛ حيث أشار إلى أن الثورة الإيرانية كانت لها تأثيراتها في المنطقة، وأنها تسعى لمد نفوذها في الدول الإقليمية المحيطة بها بشكل طائفي، مؤكداً أن مصر مستمرة في موقفها من "قطع العلاقات مع إيران حتى اللحظة".
وقد جاءت تصريحات شكري رداً على تحفظات سعودية تجاه الموقف المصري غير المعادي لطهران منذ اقتحام الممثليات السعودية في إيران. ولم تكتف القاهرة بذلك، فقد أبلغت إدارة "النايل سات" المصرية وزارة الاتصالات اللبنانية رغبتها بوقف بث قناة "المنار" الناطقة باسم "حزب الله" خلال 48 ساعة لمخالفتها الاتفاق الموقع معها، وبث برامج تثير النعرات الطائفية والفتن". وهو ما يعد مطابقا لوجهة النظر السعودية، التي تبنت قرارا في اجتماع وزراء الداخلية العرب وفي قمة مجلس التعاون الخليجي باعتبار "حزب الله" منظمة إرهابية.
وتبقى ملفات عديدة عالقة. وفي مقدمتها تباين الموقف المصري-السعودي من الحل السياسي للقضية السورية، وتصنيف مصر لـ"جبهة النصرة"، التي تدعمها المملكة بأنها منظمة إرهابية وامتداد لتنظيم "القاعدة".
كما أن عودة العلاقات المصرية-التركية كما يربد لها الملك سلمان أن تعود حتى تتمكن الرياض من تشكيل التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، تبقى محل مراجعة من الدولة المصرية التي لم تنس إساءة الرئيس رجب طيب أردوغان لثورتها ورئيسها، وتعمده التدخل بشكل يخالف الأعراف الدولية في شؤونها الداخلية، وصولا إلى استضافته رموز التنظيم الإرهابي الصادرة بحقهم أحكام قضائية، بل والسماح لهم باستخدام الأراضي التركية لبث قنوات تلفزيونية معادية لمصر.
وفي كل الأحوال، يبدو أن زيارة الملك سلمان إلى القاهرة سوف تطوي صفحات من الخلاف، وتتجاوز صفحات أخرى يحتفظ فيها كل طرف بمواقفه من دون أن تتأثر العلاقات بين البلدين، التي تستطيع وحدها أن تنقذ ما تبقى من ضعف الأنظمة العربية.
وبعيداً عن تعقيدات مواقف البلدين من القضايا الإقليمية، فإن زيارة الملك السعودي إلى القاهرة تعيد التعاون الثنائي بدعم متنوع للاقتصاد المصري، بين استثمارات مباشرة لدعم قطاع السياحة وقناة السويس وتوفير احتياجات مصر من المواد البترولية لسنوات مقبلة، إلى جانب وضع حجر الأساس لجامعة الملك سلمان في منطقة الطور بجنوب شبه جزيرة سيناء، ومساهمة المستثمرين السعوديين في استصلاح عشرات الألوف من الأفدنة ضمن المشروع الرئاسي لاستصلاح ١.٥ مليون فدان إلى جانب الشركات، التي تم تأسيسها برأسمال 36 مليار جنيه مصري (4 مليارات دولار) تم إيداع عشرة في المئة منها في البنوك المصرية على أن يتم إيداع 25 في المئة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة."