الأقباط متحدون | ذكريات.. العمر اللي فات - 25
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٨:٣٦ | الثلاثاء ٩ نوفمبر ٢٠١٠ | ٣٠بابة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٠١ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ذكريات.. العمر اللي فات - 25

الثلاثاء ٩ نوفمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: أنطوني ولسن/أستراليا
ثانيا: في أستراليا.. 11

ذكريات.. العمر اللي فات، هي محطة استراحة فكرية، أنزل فيها من قطار الحاضر محاولا الاسترخاء والتجوال في شوارع وحدائق حياتي. اثناء تجوالي أحكي للقارئ حكاية من هنا او من هناك.. اربطها بحكاية اخرى او حكايات. وان اقتضي الأمر العودة الى قطار الحاضر.. سأفعل ذلك لإستمرارية التفاعل مع الحاضر الذي سيصبح يوما.. ذكريات العمر اللي فات..
دعونا الآن نكمل الحكاية..
كما أوضحت أقلقني حصول إبني على 271 درجة وهو الحد الأدنى للنجاح في الثانوية العامة، لأنني لست من مشجعي إعادة السنة لحصول على مجموع أكبر، لأن خسارة عام دراسي تساوي خسارة سنة مالية حسب العمل الذي سيقوم به.
أعددت نفسي لإرساله الى اي كلية مهما كانت بعيدة عن سيدني او في اي مكان في ولاية نيو ساوث ويلز.
لكن ابني فاجأني بعد اسبوع من إعلان النتيجة بخطاب به اوراق قبوله في جامعة ولنجونج لدراسة الهندسة الكهربائية Engineering Electrical. هذه الجامعة التي تقع في مدينة وولنجونج وتبعد عن مدينة سيدني بحوالي ساعتين بالسيارة تقريبا.
اعد نفسه للذهاب بمفرده لتقديم اوراق الإلتحاق، طلبت منه الذهاب معه، إعترض مؤكدا لي بأنه لم يعد طفلاً صغيراً عليه ان يمسك بيد والده او والدته، ضحكت وطمأنته إنني أريد ان أعرف الطريق فليس من المعقول ان تسافر يوميا من سيدني إلى ولنجونج، وفي الوقت نفسه أعيد ذكريات الجامعة، إن كانت كلية الحقوق جامعة القاهرة او مدرسة الخدمة الإجتماعية او حتى كلية الآداب  جامعة الاسكندرية.
ضحك ايضاً وقال:
- داد انا عايز بس اشوف رايح تقول إيه..
جاء اليوم المحدد وقاد هو السيارة ووصلنا الجامعة، تركته يقدم اوراقه والتقينا بزملاء الدراسة الذين كانوا معه بالمدرسةً، التحقوا بنفس الجامعة، اخذت اجوب اقسام الجامعة كأن المتقدم انا وليس ابني.
كان علينا البحث عن سكن. تركت له ذلك.. وبالفعل استأجر (شقة) واتفق مع بعض من اصدقائه في سكن مشترك بينهم . اشتريت له سيارة بـ 2000 دولار فقط وكانت في حالة جيدة. اشترينا ما يحتاجه للنوم وللدراسة والأكل وقبل موعد بدء الدراسة باسبوع ذهبنا جميعا إلى حيث استأجر السكن.
مر العام الدراسي على خير.. يزورنا مرة ونزوره مرة وكل شيء والحمد لله تمام.
قبل بدء العام الدراسي الجديد فاجأني مرة اخرى بقوله انه سيغير دراسته للهندسة الكهربائية بدراسة هندسة الكومبيوتر.. وكانت هذه الدراسة جديدة في ذلك الوقت. والاكثر من هذا انه يستطيع تحويل اوراقه الى جامعة سيدني بعد حصوله على تقديرات عليا في الهندسة الكهربائية.. لكنه يفضل البقاء في ولونجونج. لم اعترض واستمر في دراسته للكومبيوتر.
في تلك الاثناء كنا قد بدأنا في إدخال بعض التغيرات على المنزل الذي اشتريناه في كينجزجروف، اضفنا حجرة معيشة كبيرة وحجرة غسيل ودورة مياه، مع تغير شامل للمطبخ والحمام.. المهم عمل شاق ومتعب.. طبيعي لم نقم به.. بل قام به متخصصون. لكن كان علينا عملية الدهان.. واشتغل يا عم انت وهي.. وما احلى شغل الزوج مع الزوجة.. الله لا يعدها تاني.. بتجي تعمل حاجة يجيلك (الفيتو) في السريع.. تنشال تتنكت كلمة الست هي اللي تمشي.. قوم يعمل ايه المخ الصعيدي.. يعاند طبعاً.. وهب يدب الخناق ومعاه الزعاق ويا دهية دقي.
استمر الحال على هذا المنوال حتى انتهينا من تجديد البيت ودهان الحيطان والحيل انهد.
في يوم الثلاثاء 1 اكتوبر عام 1985.. إستقيظت مبكرا وارتديت ملابسي مستعداً للذهاب لرؤية الدكتور نبيل اسعد طبيب العائلة في ذلك الوقت، ذهبت الى دورة المياه الجديدة اقضي حاجتي وادخن سيجارتي والتي دخلت التاريخ، آخر سيجارة دخنتها حتى اليوم والى الأبد، خرجت وكانت إبنتي ماجدة التي جاءت وزوجها للعيش معنا ليستطيعا شراء منزل لهما، في نفس اللحظة التي وقع عليها بصري وهي على وشك فتح الباب للخروج، سمعت صوتا يهمس في اذني بهذا الكلام بالعربي وبالانجليزي )ها يجيلك Attack Heart (اشرت لابنتي  ان تقف ولا تخرج.
تقدمت اليها واخبرتها بما سمعت.. نظرت إلي غير مصدقة لما اقول، طلبت منها الاتصال بالدكتور، قامت بالاتصال ولم يكن الدكتور قد وصل بعد واخذت تتحدث مع السكرتيرة ولكني امسكت بسماعة التليفون واعتذرت لها، طلبت من ابنتي الاتصال بـ (تاكسي).. د,ن فائدة، فاقترحت عليّ ان تتصل بالاسعاف، أمسكت بساعتي وقلت لها:
- الاسعاف ممكن تاخد 5 دقائق الى عشر دقائق.. لا ياماجده ما فيش وقت.. تعالي..
خرجت الى السيارة وركبتها وركبت الى جواري إبنتي.. في ثواني كنت اواجه شارع كينجزجروف.. اذا اتجهت ناحية اليمين ساذهب الى مستشفى سانت جورج وقد يستغرق وصولي إلى المستشفى حوالى من 15 إلى 20 دقيقة، واذا اتجهت ناحية اليسار سأذهب الى مستشفى كانتربيري ويستغرق الوصول اليها اقل من 5 دقائق، والفارق كبير بين المستشفيين.. ولذلك اتجهت ناحية اليسار ووصلت الى شارع مقابل المستشفى، اوقفت السيارة وسارت معي ابنتي.. عبرنا شارع كانتربيري وتوجهت الى الطوارئ وقلت:
* حالة ذبحة صدرية أين تذهب ؟
لم يعرني احد اهتماما، رأيت امامي رجلا واقفا وظهره لي.. وضعت يدي فوق كتفه فالتفت إلي فرددت عليه مقولتي. سألني اين الحاله.. قلت له أنا.
جرى الرجل واحضر لي كرسي متحرك، أجلسني فوق الكرسي ودفعه بكل قوته تجاه غرفة واقفة امامهاحكيمة تلقفتني واجسلتني امامها، وسألتني ان كنت استطيع إخراج ما في جيوبي.. بدأت أفعل ذلك.. لكني شعرت بعرق بارد يتصبب وضيق في التنفس.. دخلت ابنتي في تلك اللحظة ورأتني على تلك الحالة التي بعدها مباشرة فقدت الوعي وذهبت في غيبوبة، إستمرت ما يقرب من تسع ساعات وهم يحاولون إفاقتي في غرفة العناية المشددة او المركزة.
كل هذا حدث دون ان اشعر باي اعراض الذبحة الصدرية او مايسمى بـ attack Heart  .
بقيت في العناية المشددة او المركزة لمدة اثني عشرة يوماً.. الرعاية والإهتمام لم اصدق ان اجدهما في مستشفى محلي. بمعنى مستشفى غيرمجهز بمعدات طبية حديثة مثل مستشفى سانت جورج مثلا.. ومع ذلك عناية الله ارسلت لي طبيب قلب متخصص إسمه جون ووكر فبذل جهدا كبيرا معي، ارسلني بعد ذلك الى مستشفى سانت جورج لأجراء أنجي جرام "قسطرة " اجريت لي الاشعة اعادوني الى سريري بالمستشفى لأبقى ليلة قبل اعادتي الى مستشفى كانتربري، صادف في اليوم التالي ان رآني الطبيب المساعد للدكتور ووكر، ربت على كتفي قائلاً لي إنني انتهيت، الاشعة اظهرت إصابة قلبي بعطل كبير مما يجعله غير قادر على العمل.
بعد عودتي الى مستشفى كانتربري كان من الطبيعي ان اشعر بنوع من اليأس، اتصلت بالدكتور نبيل اسعد في عيادته وطلبت منه زيارتي في المساء. وعند زيارة زوجتي والاولاد طلبت منها ان تتصل بالعائلة في اميركا لاخبارهم بحالتي ليذكرونني في صلواتهم.
الارهاق الزائد فيما قمنا به من تجديدات في المنزل.. إضافة الى التوتر المستمر في تلك الفترة، إضافة الىخبر وفاة والدتي الذي وصلني في خطاب تعزية من إبن عمتي بالقاهرة الدكتور موسي بشاى. كل ذلك كان من اهم عوامل إصابتي بتلك الذبحة الصدرية القاتلة لولا عناية الله.
إتصلت  بهم في اميركا مستفسرا عن عدم إخباري بانتقال الوالدة الى السماء.كانت إجابتهم جميعا متفقةعلى الخوف من صدمة الخبر للعلاقة القوية بأمي فأنا الابن الأكبر الذي كان بمثابة الإبن والأخ الذي تستطيع أن تفضفض بمكنون نفسها له..  بل كانت عندما يؤلمها شيء سواء معنوي او جسدي كنت أمسك برأسها واضعها فوق كتفي وأربت عليها وأطلب منها ان تبكي وتخرج ما بداخلها. فكانت ترتاح وتهدأ وغالباً لا تبوح بشيء ولكنهاتقول (الحمدلله يا ولدي.. ما فيش حاجه أهي ساعة شيطان وتروح، وكانت اول زيارة لي لاميركا بعد ذلك توجهي مباشرة إلى قبريهما.. ابي الذي انتقل في 3 ديسمبر عام 1984 وامي التي لحقت به بعد تسعة اشهر في 3 سبتمبر عام 1985. وقد تعلم اخوتي درسا قاسيا لما حدث لي بعدما عرفت بالخبر.. وتولى شقيقي الخامس في العدد آنسي بالاتصال الدائم ووضعي في الصورة لكل مايحدث للعائلة في اميركا.
نعود الىحالتي الصحية وماحدث لي والغريب إني اتذكرها في نفس الفترة بعد مرور 25سنة عليها.. لكن لكل انسان منا رسالة عليه ان يؤديها واتمنى ان اكون قد اديتها أو استطيع تأديتها.
ارسلتني مستشفى كانتربري مرة اخرى الى مستشفى سانت جورج في 31اكتوبر عام 1985 لاجراء اشعة الأنجي جرام لمعرفة ما وصل اليه القلب.. تم ذلك يوم الجمعة 1 نوفمبر 1985.
في يوم السبت 2 نوفمبر عدت الى مستشفى كانتربري إلى غرفة اخرى غير الغرفة التي ظللت بها شهرا كاملا وكانت تحتوي على سريرين فقط قضيت معظم الوقت بمفردي، لكني وجدت نفسي في عنبر به اكثر من 4 مرضى. وقت العشاء جائتني الممرضة بالطعام ولم تكن حقيقة مثل باقي الممرضات في تعاملها مع المرضى مما جعلني احتج على معاملتها.. بل لا اخفي عليكم بأنني صرخت في وجهها وطردتها من محضري طالبا منها ان تأتيني بالطبيب النوبتجي (لأن يوم السبت والأحد العطلة الاسبوعية) سارعت زوجتي بالخروج وراءها واعطتها درسا لا تنساه وذهبت الى الطبيب طالبة منه ان يأتيني باقصى سرعة.. فعلت كل هذا بلغتها الانجليزية البسيطة.
أصريت على موقفي بترك المستشفى والعودة الى المنزل.. اجرى بعض بالاتصالات بالطبيب الاخصائي المعالج.. لكنه لم يوفق بالاتصال به، جائني يسألني ان كنت مازلت مصرا على الخروج.. فكانت اجابتي بنعم.. فعاد وطلب مني ان اوقع على اوراق الخروج انها على مسؤوليتي.. فعلت ذلك وكانت زوجتي قد اتصلت بابننا مجدي للحضور لاخذنا الى المنزل. فلم يكن يبيت في ولنجونج معظم ايام الاسبوع منذ يوم ذهابي الى المستشفى ليكون بجوار امه وللأطمئنان علي.
كانت فرحتي كبيرة بعودتي الى المنزل وشكرنا الله على كل شيء ومن أجل كل شيء.
وإلى لقاء.. وذكريات العمر اللي فات




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :