الأقباط متحدون - الايجابيات والتناقضات في خطاب أردوغان بعد الجلسة الختامية لمؤتمر التعاون الاسلامي
أخر تحديث ٠٧:٠١ | الجمعة ١٥ ابريل ٢٠١٦ | ٧برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٨٩٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الايجابيات والتناقضات في خطاب أردوغان بعد الجلسة الختامية لمؤتمر التعاون الاسلامي

أردوغان
أردوغان
بقلم : ميشيل حنا الحاج
 
هناك ايجابيات وهناك تناقضات في  كلمة الرئيس أرودغان في الجلسة الختامية لمؤتمر التعاون الاسلامي الذي ستراسه تركيا لمدة عام.  فهذه الرئاسة تفرض أعباء على عاتق أردوغان، استدرجته لتبني محاولات لرأب الصدع في العلاقات بين الدول الاسلامية، مقترحا خطوات لتعزيز التعاون بينها، تمهيدا لعلاقات أوثق بين هذه الدول، ربما ... أركز على ربما، تمهيدا للتقدم خطوة نحو تنسيق جدي شرق أوسطي، قد ينتهي باتحاد شرق أوسطي كونفدرالي على غرار الاتحاد الأوروبي، فكأني بالرئيس أردوغان قد قرأ مقالي الأخير الذي نشرته في اليوم الأول للمؤتمر ( هو واحد من سلسلة مقالات لي حول هذا الأمر)  والداعي لاتحاد شرق اوسطي يحبط، بل ويرد على مشروع الشرق الأوسط الجديد (الأميركي - الاسرائيلي). 
 
وبطبيعة الحال، أنا أعلم بأن أردوغان لم يقرأ مقالي أو يسمع باسمي، وأن ما يدفعه الى ذلك أمران أولهما انتشاؤه بكونه قد بات لعام رئيسا لمنظمة التعاون الاسلامي، مما يفرض عليه واجب تعزيز التعاون بينها، وثانيهما أنه بات يجد في هذا الطرح، مخرجا لأزمته مع اكراد تركيا وحركات الارهاب التي باتت تنتعش قي تركيا، اضافة الى كون مزيد من التنسيق والتعاون الاسلامي، يعزز موقفه في مواجهة روسيا الاتحادية، وفي النزاع الجديد مع ارمينيا الذي ظهرت بوادره مؤخرا، وغذاه وعد أردوغاني بتقديم كل العون لأذربيجان (المطالبة باستعادة ناكورنو كاراباخ)، الخصم المباشر لأرمينيا، الصديق الصدوق لروسيا الاتحادية، رغم الاعلان الروسي الرسمي بأنها ستواصل بيع السلاح لكليهما، رغم وجود ذاك النزاع بينهما، لكون الدولتين كانتا عضوين في الاتحاد السوفياتي السابق، والذي كانت روسيا عصبه الرئيسي، بل عاموده الفقري، فكانت بمثابة الأخ الأكبر لكل منهما.
 
ومن الايجابيات التي ظهرت في كلمة الرئيس أردوغان، كرئيس لمنظمة التعاون الاسلاميي، وهو الاسم الجديد لها بعد أن كان مؤتمر الدول الاسلامية... دعوته لما يلي:
1) نبذ الخلافات الطائفية والعرقية (التي تؤدي الى حروب)، فالقاتل والمقتول هو مسلم، وكل منهما يؤمن  بلا اله الا الله ومحمدا رسول الله. (انظر ما طرحته في مقالي الأخير من تذكير بهذه النقطة الهامة وغيرها من نقاط الاتفاق بين طوائف وشعوب هذه المنطقة).
2) وجوب محاربة الارهاب بشدة.
3) السعي لانشاء أجهزة تسعى لحل الخلافات الاسلامية الاسلامية، أو الاسلامية مع جهات أو دول غير اسلامية، وعدم افساح المجال لدول من الخارج لتحتكر القدرة على حلها. ومن أبرز الخلافات الاسلامية مع دول غير اسلامية، الصراع القائم في كشمير بين الهند الهندوسية، وباكستان الاسلامية، وكذلك الصراع حول السيادة على ناكورنو كراباخ، وهو النزاع بين دولة اسلامية هي أذربيجان، ودولة مسيحية هي أرمينيا.ويمكن اضافة النزاع بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين.
4) ايداع وتوظيف أموال الدول الاسلامية في بلاد اسلامية، وليس في دول أخرى كما هو حاصل حاليا، حيث توجد في مصارف الدول الغربية غير الاسلامية (بطبيعة الحال)، مئات بل آلاف المليارات، علما بأنه لم يودع منها في البنوك التركية الا ثلاثين مليارا فحسب، كما قال.
5) تعزيز الدعم للقضية الفلسطينية، سعيا لوصول الفلسطينيين الى حقوقهم المشروعة، مؤكدا مواصلة تركيا (التي باتت تقترب من مصالحة مع اسرائيل لانهاء النزاع معها حول قضية الاعتداء الاسرائيلي على الباخرة التركية ومقتل عدد من الأتراك في ذاك الاعتداء)... تقديم الدعم للفلسطينيين ولقضيتهم العادلة
6) تشكيل وفد وساطة لحل النزاعات بين الدول الاسلامية مؤلفا من رئيسي تركيا (رئيس المؤتمر) ورئيس كازاكستان.
 
وهناك نقطة ايجابية أفرزها توقيت عقد المؤتمر الذي شارك فيه 35 رئيس دولة ورئيس حكومة اسلامية، وهي اتاحته الفرصة للقاءات أخرى مطولة بين الرئيسين روحاني وأردوغان. حيث توجه الرئيسين الى أنقرة (عاصمة تركيا) فور انفضاض جلسات المؤتمر، لعقد مباحثات ثنائية مطولة لتعزيز التعاون بين الدولتين التركية والايرانية، اضافة الى تقريب وجهات النظر بين ايران والسعودية، رغم بعض المؤشرات على رغبة سعودية في ابقائها قائمة، ترافقها رغبة تركية أيضا بابقائها محتدمة، لكون الجانب التركي من المستفيدين اقتصاديا، ماليا  واستراتيجيا، من بقاء تلك الخلافات قائمة.
 
ولكن الى جانب تلك الايجابيات، هناك عدة سلبيات واضحة أفرزها ذاك المؤتمر والنتائج المرجوة من ورائه كما حددها أردوغان في خطابه، والتي قد تنسف كل ايجابياته، رغم توجه أردوغان، كرئيس لمنظمة التعاون الاسلامي للسعي لحلها، ان كانت قد بقيت له مصلحة في حلها، خصوصا لدى انتهاء رئاسته  لتلك المنظمة بعد اثني عشر شهرا من الآن.  وهذه السلبيات هي:
 
1) عدم اصراره على بقاء الملك سلمان بن عبد العزيز في اسطنبول طوال يومي المؤتمر، وتركه يغادر قاعة المؤتمر بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية فورا متوجها الى الرياض، دون تشبث أردوغان بأظافره وبأسنانه ببقائ العاهل السعودي في اسطنبول ، من أجل عقد اجتماع استثنائي باشراف تركي، يسعى جديا لمصالحة البلدين، علما بأن ايران كان من المفروض أن تتمثل في المؤتمر بوزير خارجيتها، لكن الرئيس حسن روحاني قرر في اللحظة الأخيرة، ترأس الوفد الايراني بنفسه، على أمل أن يشكل ذلك مناسبة ملائمة لمصالحة ايرانية سعودية. 
 
  فمغادرة العاهل السعودي لتركيا فور انتهاء الجلسة الافتتاحية، شكل الفشل الأول لمهمة أردوغان كرئيس للمؤتمر، مع العلم بأن أخبارا تتردد حول عزم الرئيس روحاني للتوجه الى الرياض قريبا، مادا يدا ايرانية في دعوة جدية لتذليل أسباب الخلافات بين الدولتين الكبيرتين، واللتين تتنازعان على القيادة في المنطقة، متناسيتين الدور القيادي أيضا لكل من مصر وتركيا، (اضافة الى العراق وسوريا)..
2) كان على الرئيس أردوغان أن يحل خلافاته مع مصر قبل انعقاد المؤتمر. ولكنه لم يفعل، ولم تصل الوساطة السعودية التي قادها العاهل السعودي بينهما .. الى نتيجة مجدية، وذلك لعدم ابداء أردوغان المتشبث بتوجهاته السياسية الاسلامية، الاستعداد للتجاوب مع المطلب المصري الوحيد، وهو تخليه عن التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، والتآمر عليها بتقديم الدعم المتواصل لحركة حماس وللتنظيات الارهابية المتواجدة في سيناء، مع مواصلة تركية بعدم الاعتراف بشرعية النظام المصري الجديد الذي افرزته ثورة 30 أيار (مايو)، وقادت الى وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى مقعد الرئاسة نتيجة انتخابات شرعية. فالرئيس الشرعي للبلاد، لم يزل في نظر أردوغان، هو  الدكتورمرسي، الرئيس المعزول الذي أقصاه الشعب والجيش عن مقعد الرئاسة.  فتفويت هذه الفرصة، قد أدت الى امتناع الرئيس السيسي عن المشاركة شخصيا في المؤتمر، وانتداب وزير الخارجية، لالقاء خطاب تسليم الرئاسة المصرية لتركيا كأمر بروتوكولي محض،  ثم مغادرته قاعة المؤتمر، بل وتركيا أيضا، فور انتهائه من القاء خطابه القصير.
3) موافقة تركية على تبني المؤتمر لبيان ختامي يدين ايران ويتهمها باثارة النزاعات الطائفية في دول المنطقة، كما هو حاصل (كما يقول البيان) في سوريا والعراق واليمن والصومال، علما بأن النزاع في الصومال، هو نزاع بين الحكومة الرسمية وتنظيم شباب الصومال المنتمي لتنظيم القاعدة ذات الصبغة السنية والاتجاه الوهابي السعودي. فهذا البيان، هو خطوة عملية تعلن عن فشل مهمة المؤتمر لحل الخلافات، ذلك أن البيان الختامي قد عززها. 
4)  تحدث الرئيس أردوغان مشكورا في خطابه، عن وجوب نبذ الخلافات الطائفية والعرقية والتي تشكل أسباب المنازعات في المنطقة. أما حديثه عن الخلافات العرقية، ورغبته في الغائها كسبب للنزاع، فمرده مصلحة تركية أثارها ذاك الصراع القائم في تركيا بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، ولولا وجود ذاك النزاع، لما أثار ذاك الموضوع.  كما أن حديثه عن الخلافات الطائقية وما تثيره من مآس وعمليات قتل، اذ أن من يقتله هذا المسلم، هو مسلم آخر (كما تذكر أردوغان فجأة)، ما كانت ستنجح في الظهور والاستقواء والبقاء حية، لو لم تفتح تركيا حدودها أمام تدفق الأسلحة على المقاتلين، وورود موجات وراء موجات من المقاتلين عبر تلك الحدود (وبعضهم من المرتزقة)،على ساحتي القتال الرئيسيتين وهما سوريا والعراق. ومع ذلك، فان المعتدلين والعقلاء في هذه المنطقة من العالم، يرجحون فعلا الدعوة لنبذ الطائفية والعرقية كسببين للتقاتل بين شعوب، بل وحكومات هذه المنطقة من العالم، وذلك كخطوة نحو استبدال ذلك بتنسيق فعال بين دول الكنطقة، يمهد لاتحاد فيدرالي تدريجي بينها. ولكن لعله من الأجدى أن تكون تركيا هي المبادر لايقاف التقاتل لأسباب عرقية بامتناعها عن مقاتلة الأكراد الأتراك لأسباب عرقية، يتبعها توقف كل دول المنطقة عن مقاتلة من توجد  معهم خلافات عرقية كالأكراد والأمازيغ والبربر، مع وقف آخر لترويج  الخلافات الطائفية بين السنة من جهة، والشيعة والعلوية والاسماعلية من ناحية أخرى، اضافة الى الخلاف مع طائفة الموحدين، أي الدروز من سكان سوريا ولبنان وجزء صغير من الأردن.
5) الدعوة لمحاربة الارهاب أمر محمود، لولا أنه قد جاء متأخرا، اذ كان الارهاب افرازا لما قدموه هم من دعم لهم، أقله شراء النفط غير الشرعي من قبلهم، كما أنه قد جاء متأخرا ونتيجة متوقعة لاكتواء تركيا أخيرا بناره. 
6) الجميع يرحب باستثمار اموال دول المنطقة في دول المنطقة وليس في خارجها، وهذا مطلب شعبي قديم لم تستجب له قط الدول المعنية وقد لا تستجب له أبدا، نتيجة ارتباط مصالحها بمصالح الدولة الغربية المستثمرة تلك الأموال فيها.
7) الدعوة لتأييد القضية الفاسطينية، مطلب قومي عربي واسلامي. ولكن يناقضه توجه تركيا للمصالحة مع اسرائيل، العدو الأشرس للقضية الفلسطينية.
 
اذن كانت هناك ايجابيات وسلبيات لذاك المؤتمر ولما ورد في خطاب الرئيس أردوغان الحماسي في ختامه، أو بعد ختامه. ومع ذلك فقد كان البعض يفضل أن يسعى المؤتمرون بدل هذا وذاك، لارساء خطوات جدية للبدء بتنسيق جدي بينها كخطوة أولى نحو تطوير التنسيق الجدي الى تحالف ينتهي بنوع من الاتحاد الكونفدرالي المرن، الاتحاد الشرق أوسطي، على خطى الاتحاد الأوروبي، ينهي الخلافات العرقية والطائفية بينهم انهاء جذريا، وينتزع من الصدور آثار الحروب القديمة بين بعض تلك الدول. فالاتحاد لن ينهي فحسب الأسباب الداعية للخلافات العرقية والطائفية، بل وبعض الخلافات الحدودية أيضا. كما أنه سيقدم الاتحاد للعالم كقوة عظمى من حقها أن تمثل في مجلس الأمن بمقعد دائم، وهو المطلب الذي قدمه أردوغان في خطابه الشهير الذي القاه في هذا اليوم وشكل النقطة الايجابية السابعة له.
 
وقد رأينا آثار التفكك الذي أصاب دول الاتحاد السوفياتي منذ لحظات تفككه.  فكل النزاعات التي كانت خفية ويحتضنها الاتحاد السوفياتي بصدر رحب، قد برزت بين تلك الدول بعد تفككه.  فهناك خلاف مع جورجيا، وآخر مع أوكرانيا (وهذه خلافات عرقية)، وثالث بين أرمينيا وأذربيجان، وهذه خلافات طائفية في جوهرها. فالاتحاد السوفياتي بما تضمنه مفهوم الاتحاد، قد الغى خلال وجوده، الخلافات العرقية بين هذه الدول كما في جورجيا واوكرانيا، والغى الخلافات الطائفية  كما في أرمينيا وأذربيجان، بل والغى الخلاقات الحدودية كما في  قضية شبه جزيرة القرم الروسية الني كانت روسية وأصبحت أوكرانية في ظلال الاتحاد،  لتعاد روسية نتيجة الخلافات التي نشبت كأثر من آثار تفكك الاتحاد السوفياتي،  ومثلها ناكورتي كاراباخ التي كانت أرمنية وضمت الى أذربيجان تأكيدا لروح الاتحاد، لتعود شبه مستقلة بعد تفككه، ولكن لتعود أذربيجان للمطالبة باستعادتها كجزء من أراضيها رغم الاختلاف في الدين وفي العرق بينهما.  فهذا الاختلاف بينهما، لم يبرز الا كأثر من آثار تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان يجمعهم كلهم تحت مظلة واحدة تناست الخلافات الطائفية والعرقية والحدودية، لتعود الى الظهور بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية وأردنية

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع