ما إن تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة إبان زيارة العاهل السعودى للقاهرة حتى اندلع جدل شديد فى الشراع المصرى حول حقيقة وضع جزيرتَى تيران وصنافير، هناك من قال إنهما كانتا وديعة لدينا ومن ثم فإن الاتفاقية ما هى إلا رد الوديعة لأصحابها، وهناك من قطع بمصرية الجزيرتين وأن ما حدث هو استغلال السعودية للوضع الاقتصادى الحرج فى مصر ومن ثم ربطت أى دعم واستثمارات جديدة بالحصول على الجزيرتين المصريتين، وهناك من ذهب إلى القول بأن الجزيرتين محلّ نزاع مصرى سعودى ومن ثم كان لا بد من التعامل معهما بنفس طريقة التعاطى المصرى مع ملف طابا.
الملاحظ أن جدل الشارع انتقل إلى البرلمان، وعلى أثر وقع الانقسام فى الشارع كان الانقسام فى البرلمان، فهناك من أقسم بأغلظ الأيمان أن الجزيرتين سعوديتان، وهناك من جزم بأنهما مصريتان، وذهب فريق ثالث إلى القول بأنهما محل نزاع تاريخى وأن الخطأ كان فى طريقة الحكومة السرية فى إدارة المفاوضات وغياب العقل السياسى على النحو الذى جعلها توقع اتفاقية نقل ملكية الجزيرتين إلى السعودية وسط توقيع اتفاقات استثمارية سعودية فى مصر على النحو الذى ولّد إحساساً لدى الرأى العام بأن تيران وصنافير ذهبتا للسعودية كثمن للدعم السياسى والاقتصادى.
بدا واضحاً أن القضية ستكون محلاً لصراع سياسى فى مجلس النواب وأنها سوف تتسبب فى حالة من الانقسام الشديد ما بين فريق يسير على خطى الخط الرسمى لا يحيد عنه قيد أنملة، وآخر يرى البطولة فى تبنّى مواقف مناقضة لما تطرحه الحكومة، ويرى فى المزايدة على الخط الرسمى مصدراً لا ينضب للحصول على الجماهيرية، وبدا واضحاً أيضاً أن ضجيج الصراع بين هذين الفريقين سوف يغطى على الأصوات الموضوعية التى تحكّم العقل وتمتلك الرؤية السياسية ولا تتبنى رأياً مسبقاً فى القضايا المثارة. وفى تقديرى أن ترك الساحة للفريقين المتناقضين يمكن أن يعصف بالبرلمان المصرى ويُدخل الدولة برمتها فى أزمة سياسية حادة فتضيف انقساماً داخلياً فى جسد ما تبقى من تحالف 30 يونيو، يُضعف من مناعة الدولة فى التعامل مع المخططات الخارجية.
لذلك أتصور أن الحل العملى والمنطقة هنا هو سرعة تشكيل مجلس النواب للجنة من بين أعضائه، لجنة تضم فى عضويتها كافة ألوان الطيف السياسى فى البرلمان وتتسم بالتوازن فى تشكيلها، وتُمنح فترة زمنية، ولتكن ثلاثة شهور، لإجراء بحث شامل حول الجزيرتين، وللجنة أن تستعين لخبراء من القانون الدولى مثل مفيد شهاب، فؤاد عبدالمنعم رياض، نبيل العربى، وخبراء فى التاريخ مثل عاصم الدسوقى وجمال شقرة، وأيضاً خبراء فى علوم الجغرافيا والاستراتيجية، وتقوم اللجنة بالعمل الجاد والحقيقى ومن خلال التنسيق التام مع فريق الخبراء إلى أن تصل إلى نتيجة بالتوافق أو تبنى تقرير اللجنة العلمية الكلفة، ويجرى بعد ذلك تقديم التقرير للمجلس.
ومن ثم يجرى التصويت عليه. فى تقديرى أن القضية لا تحتمل استمرار طريقة الإدارة بالفهلوة ولا الحشد فى مجلس النواب لتمرير الاتفاقية، وهو أمر أعلم سهولة تحقيقه، القضية ليست معركة بين تمارين داخل المجلس، القضية تخص التوافق الوطنى بين مكونات تحالف 30 يونيو، وهو الأمر الذى ينبغى على من بيده الأمر الحفاظ عليه وعدم تمزيقه، نعم يمكنكم تمرير الاتفاقية فى المجلس عبر الحشد على طريقة إسقاط عضوية توفيق عكاشة، ولكن عليكم أن تدركوا أن ذلك يمثل خطراً شديداً على تماسك ولحمة ما تبقى من تحالف 30 يونيو، كما أن مصر لا تحتمل اليوم انقسامات داخل المجلس إضافة إلى عدم استبعاد اللجوء لأساليب معروفة من قبل. من يريد الاعتراض على طريقة الحشد التلقائى للأصوات بالاعتصام أو الاستقالة من المجلس، مصر لا تحتمل مثل هذه التصرفات فى الوقت الراهن، والقرار بيد داعمى الحكومة.
نقلاً عن الوطن