الأقباط متحدون - عندما تتحدث سيدة «المنيا»!!
أخر تحديث ٠٥:١٠ | الاربعاء ١ يونيو ٢٠١٦ | ٢٤بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٤٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

عندما تتحدث سيدة «المنيا»!!

مصطفى بكرى
مصطفى بكرى

فجأة وجدت نفسى عارية، لا أصدق، كأننى أعيش كابوساً فظيعاً، أشهروا أسلحتهم، اقتادونى من منزلى، مزقوا ملابسى، فى دقائق أصبحت كما ولدتنى أمى، أصرخ بكل ألم، استرونى أو اقتلونى، أصوات هادرة، وحوش كاسرة، تطرحنى أرضاً.

منذ ساعات قليلة تقدمت إلى قسم الشرطة ببلاغ، كنت أدرك أن أسرتى مستهدفة، حذرت وتوسلت، لكن البعض ظن أننى أكذب أو أُبالغ، البلاغ لم يحرك ساكناً، عدت إلى منزلى لأنتظر قدرى، أصابنى الخوف على ابنى، الذى تلاحقه الاتهامات الظالمة عن علاقة له بسيدة مسلمة.

ما بين المغرب والعشاء من مساء يوم جمعة، تجمع الحشد عشرات بل مئات، تزحف، قاصدة بيتنا، أشعلوا النيران، أخرجونى من بين جدران كنت أحتمى بها، وبدأوا معركتهم الظافرة، هجموا علىَّ، مزقوا سترتى، وجعلونى أتمنى الموت.

دقائق معدودة، لكنها ثقيلة، مؤلمة، قاتلة.. قلت لهم: اقتلونى اذبحونى فأنا امرأة، لا أملك سوى شرفى وجلبابى، لم أعرف فى حياتى سوى بيتى وكنيستى، كيف سأواجه أهلى وجيرانى، وقد جللونى بالعار، بلا ذنب أو جريرة.

فى هذه اللحظات، تذكرت تاريخ حياتى، كأننى مقدمة على الهلاك المبين، روحى غابت عنى، وعقلى يأبى أن يصدق، وعيناى تائهتان، الدموع تحجرت، واللسان لم يعد ينطق، بينما كنت أنتظر رصاصة الرحمة، التى لم تأت بعد.

هنا فى بلادنا، فى جوف الصعيد، حيث ترعرعت فى قرية الكرم، نعرف العيب جيداً، نعرف ثوابتنا، وقيمنا، وأخلاقنا وعقائدنا الدينية، يالها من قسوة شديدة، أناس لا يعرفون الطريق إلى الرحمة، سأفترض أن ابنى مخطئ، سأفترض، فهل يكون الجزاء تعرية أمه فى شارع عام، وسط مئات البشر المحتشدين؟

لم أسألهم ما هى أدلتهم؟ ولماذا يصدقون شائعة كذبتها الزوجة نفسها؟ لماذا لم يحاسبوا الزوجة لو كان الأمر حقاً؟ لماذا أعلنوا الحرب علىَّ أنا؟ ما ذنبى؟ وما جريرتى؟ وهل تلك هى أسلحة الفرسان؟

أشعر بانكسار، هزيمة بلا حرب متكافئة، وصمة عار سوف يسجلها التاريخ، ستبقى تلطخ الوجوه إلى نهاية الدنيا، ستتوارثها الأجيال، وسيبقى الجرح غائراً فى صدرى حتى وفاتى.

بعد قليل، بحثت عن أقرب مكان، إنه منزل جارتى المسلمة، احتضنتنى، ألقت بغطاء على جسدى، هالتها الصدمة، فراحت تلملم قواها، لتشد من أزرى، أطرافى ترتعش، والكلمات تلعثمت فى فمى، غطينى يا أختى، استرينى يا حاجة، أغلقى الباب جيداً، ادفعى بى بعيداً عنهم، أغلقى كل الأبواب.

فى رحلة الرحيل من القرية إلى الكنيسة فى المنيا، كان الطريق طويلاً، أنظر خلفى كأننى أودع الأرض التى عشت فيها وترعرعت، أترانى هل سأستطيع العودة من جديد، أم أن علىَّ أن أدفن ذكرياتى وألقى نظرة الوداع الأخيرة.

ساعات قليلة وانتشر الخبر بعد بيان الأنبا مكاريوس، أصبحت صورتى تحتل عناوين الفضائيات لا تتوقف، الناس تحيط بى من كل اتجاه، الآباء والكهنة، شيوخ الأزهر المسلمون والمسيحيون، إنها مصر الحقيقية، الشعب والأرض، مصر التى نعرفها، القيم، والمبادئ، والأخلاق، أما المشهد الآخر فقد كان غريباً علينا.

سألت نفسى، ما الذى حدث؟ كيف يجرؤ البعض على تعرية سيدة محافظة، فى عمر أمهاتهم؟ ماذا سيقولون؟ وكيف سيبررون ذلك لنسائهم وبناتهم؟ كيف سيصفهم الناس؟ وماذا سيقولون عنهم؟!

أسئلة عديدة تطاردنى، لا أنتظر إجابات، ولكننى فقط أطرح تساؤلات، نعم فقط أريد أن أعرف، كيف ولماذا وما السبب؟!

منذ قرون طويلة من الزمن تعايشنا على هذه الأرض الطيبة، نقتسم لقمة الخبز، نتزاور، اختلطت دماؤنا فى الحروب، وفى زمن الإخوان، احترقت العشرات من كنائسنا، لكن أشقاءنا المسلمين، وقفوا يدافعون عنها جنباً إلى جنب، وعندما أحرقوا بيوتنا، كانت بيوتهم داراً لنا، تجسدت كل المعانى الجميلة، توحدت الآمال، قلنا لن نسمح لأحد بالنفاذ بين صفوفنا.

تركت قريتى وأقمت بعيداً عنها، الأحلام تحولت إلى كوابيس، والقرية الهادئة اشتعلت فيها نيران الغضب، ليس كل أبنائها قابلين بما جرى، السواد يجلل البيوت، والكل يبحث عن وسيلة تنهى ما جرى.

عندما أقول القانون، فهذا هو مخرجى، ومخرج كل من يتعرض للظلم، القانون يحمى الفرد ويحمى المجتمع، العدالة الناجزة هى الخيار الوحيد، هى وحدها القادرة على الردع.

لا أحد فينا يريد الفتنة، نعرف أن وطننا مستهدف، وندرك أن الغربان السوداء تسعى إلى استغلال ما حدث لضرب هذه الوحدة التى صمدت وتصدت، ولكننا نحن أبناء الوطن، نرد بأنفسنا ونرفض المتاجرة من الداخل أو الخارج.

عندما جاءتنى كلمات قداسة البابا تواضروس، وسمعت صوته عبر الهاتف، شعرت أنها برد وسلام، كان يتابع كل شىء من خارج البلاد، فى هذه اللحظة شعرت أن جرحى بدأ يندمل، مصر كلها من حولى، وكلمات الرئيس هدأت روعى.

أعرف أن الحادث سيمضى، ولكن النفس لن تهدأ إلا بتفعيل القانون، ومحاسبة كل من أجرم فى حقى، لكن إياكم والمزايدة على حساب الوطن، إياكم والمتاجرة بآلامى، ليس كل من يتحدث عن قضيتى مخلصاً، الإخوان يتحدثون عنها، يريدون إشعال النيران فى بلدى، ليس من أجلى، ولكن من أجل خرابها، انتقاماً من أهلى.

رسالتى إليكم أيها المصريون، أنا الجريحة، سعاد ثابت، فلتكن قضيتى قضيتكم جميعاً، لا علاقة للدين بها، ولكنها انحطاط أخلاقى، ومحاولة كان الهدف من ورائها إشعال الفتنة، والنفاذ منها إلى جسد الوطن.

أقول لكم بعقل وتفكير إنسانة بسيطة، مصر هى الأبقى، مصر ستتجاوز كل المحن، هكذا علمنا التاريخ، هكذا كانت الحقيقة دائماً، هذا البلد وجد ليبقى، لأبنائه جميعاً، لا فرق بين مسلم ومسيحى، فكلنا أصحاب القضية، الهم مشترك، والمصير مشترك.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع