البيان العبثى الذى صدر من المركز الإعلامى للأزهر بأمر من مستشار شيخ الأزهر القانونى، يدل على حالة التراجُع التى وصلت إليه مشيخة الأزهر، بعد أن كانت تهيب جلالاً وعبقرية، فالأزهر هو مرجعية الإسلام السنى، ومن ثَمّ فإن المفترض أن العالم الإسلامى يرى هذه البيان -والحمد لله أنه لم يره- فحين تصغُر المشيخة وتخرج ببيان للتعليق على كاتب مقال، فهذا يعنى أننا افتقدنا الأزهر الذى يصنع الشخصية الراقية ومنظومة الأخلاق والحضارة، وصرنا أمام إدارة لم يعد لها قضية ذات بال تنشغل بها، حتى انشغلت بمقال هنا ومقال هناك.
يقول البيان: «تابع المركز الإعلامى ما نشرته جريدة «الوطن» من مقالاتٍ، وبفحص الادعاءات الواردة بالمقال الأول ثم ما تلاه، وبعد الإيضاح والتنبيه أكثر من مرة سوف يتم.. إلخ»، إذاً فالأزهر الشريف فى أشد الأوقات التى تتعرّض فيها مصر لهجوم متواصل باسم الدين من منافذ إخوانية متعدّدة، إذا به مشغول بـ«متابعةٍ» و«تنبيهٍ» و«فحصٍ» و«إيضاحٍ»، دفاعاً عن شخص، ولم نرَ جهوداً من الأزهر الرسمى فى «متابعةٍ» و«تنبيهٍ» و«فحصٍ» و«إيضاحٍ» للمقالات اليومية التى تستخدم الدين فى التحريض على مصر وجيشها.
بل إن المرصد الإعلامى للأزهر منشغل برصد المقالات التى تنتقد ضعف أداء المشيخة، على حساب انشغاله برصد المقولات والأفكار والأطروحات المتطرّفة، وهنا لا بد فى هذا المقام من الإشادة بدور المرصد الإعلامى لدار الإفتاء فى رصد فتاوى التكفير والتطرّف.
إن مقالات خرجت تهاجم منهج الأزهر وتحرّض على الوطن والجيش، مستندة إلى تأويلات باطلة لنصوص دينية صحيحة، ومع ذلك لم يخرج بيان مقنع من الأزهر ليرد عليها، علماً بأن هذه المقالات كُتبت فى الفترة نفسها التى كُتبت فيها مقالات تنتقد أداء مشيخة الأزهر.. لماذا؟ لأن المستشار القانونى استطاع أن يُسخّر إعلام الأزهر للدفاع عن شخصه.. فمَن هنا الذى أساء إلى الأزهر وقياداته وعلمائه؟ إننى سبق أن كتبت مقالاً فى «الوطن» بعنوان: «صمتوا لطعن البخارى وانتفضوا لطعن عبدالسلام» بتاريخ 6 يناير 2015، دارت فكرته حول انتفاض الأزهر الرسمى أمام نقد الشخص سابق الذكر، والصمت أمام تيارات ترفض المنهج الأزهرى.
ليس هذا فقط.. بل إننا أمام مشهد يتكرّر لأول مرة فى تاريخ الأزهر، وذلك لما يستهين القائمون على الأزهر بالأزهر حين ينزلون بمقامه إلى أدنى درجة يوم يعتبرون مدح أو ذم هذا المذكور مدحاً أو ذماً للأزهر نفسه!!!
إن كل محب للأزهر يفزع حين يتم توجيه إساءة أو نقد (بغض النظر عن صحة النقد أو خطئه) لشخص هذا المستشار القانونى، فيخرج بيان رسمى ليُعلن أن هذا النقد أو هذه الإساءة هى (إساءة للمؤسسة العريقة، وقيادات الأزهر وعلمائه الشرفاء).
إن الإساءة الحقيقية إلى الأزهر حين تُطلق كلمة (قيادات الأزهر وعلماؤه الشرفاء) على من اختارهم المستشار القانونى لشيخ الأزهر فى مناصب مختلفة بالمشيخة، يأتمرون بأمره، ويقدّمون له الولاء الكامل، بطريقة تُنافى كبرياء مناصبهم وعمائمهم، بعد أن كانت كلمة (قيادات الأزهر وعلماؤه الشرفاء) تنصرف إلى أئمة عظماء أمثال الشيخ الشعراوى، والشيخ عبدالحليم محمود، والشيخ دِراز، والشيخ الغزالى، والشيخ زكى إبراهيم، والشيخ العدوى، وغيرهم كأعضاء هيئة كبار العلماء اليوم، تلك الهيئة التى أبعدها المستشار القانونى عن صناعة القرار داخل المشيخة، ليتفرّد بها وحده، لكن لا بد من يوم يرجع فيه الأزهر إلى مكانته السامية، وهنا سيكون القائمون عليه موضع فخر واعتزاز للدنيا كلها.
نقلا عن الوطن