اليوم السابع | الأحد ٧ اغسطس ٢٠١٦ -
١٩:
٠٣ م +02:00 EET
الأنبا كيرلس الخامس
كان الوقت صباحًا فى مثل هذا اليوم «7 أغسطس 1927» حين توفى الأنبا كيرلس الخامس، بطريرك الأقباط الأرثوذكس، وبالرغم من عمره المديد، حيث ولد فى عهد محمد على باشا عام 1824 بمدينة «تزمنت» بنى سويف، إلا أنه وحسب أحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية- الحولية الرابعة 1927»، «الهيئة العامة للكتاب- القاهرة»: «لم تكن وفاته متوقعة الحدوث، إذ لم يعرف أن مرضًا أصابه اللهم إلا مرض الشيخوخة».
تلقى الملك فؤاد خبر الوفاة وهو فى إيطاليا ضمن جولته الأوروبية التى بدأت بفرنسا، ووفقًا لـ«شفيق باشا»: «طير الخبر إلى بلاط الحبشة «كانت الكنيسة الأرثوذكسية فيها تابعة للكنيسة المصرية»، والقدس وغيرها، وانتشر النعى فى أرجاء البلاد، وطلعت الصحف حافلة بتاريخ حياة البطريرك، منوهة بتقواه وورعه اللذين كانا مضرب الأمثال، كما ذكرت مواقفه الوطنية لاسيما فى الثورة الأخيرة «1919»، ومؤازرته للنهضة الوطنية، والدور المهم الذى قام به غبطته فى وضع أساس التآلف بين عنصرى الأمة المصرية، المسلمين والأقباط».
شغل الأنبا كيرلس موقعه البطريركى لما يقرب من 53 عامًا، بدأت أول نوفمبر عام 1874، ولذلك يعتبره صلاح عيسى فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن»، «مكتبة الأسرة- القاهرة»: «من أهم شخصيات التاريخ المصرى الحديث».
فى حسابات أهمية الرجل، كما يقول عيسى: «شهد وهو بطريرك ثورتين من أعظم ثورات التحرر الوطنى المصرية، هما الثورة العرابية وثورة 1919، وساهم فى صياغة الموقف الوطنى الذى اتخذته الكنيسة المصرية خلال هاتين الثورتين ضد الاستعمار، وهو موقف كانت له أهميته الخاصة، إذ كانت الاحتكارات الأوروبية التى جاءت لاحتلال مصر، أوسعت لإبقائها بين مستعمراتها، ما تزال ترفع خلال هاتين الثورتين أعلام الصليب، التى رفعها ملوك أوروبا فى عصر الحروب الصليبية، وتدعى أن احتلالها لمصر ضرورى لحماية الأقباط، وليس للاستيلاء على الأسواق».
يستطرد «عيسى»: «خلال حوادث الثورة العرابية فإن البابا كان فى مقدمة الذين كانوا يؤيدون «عرابى»، والاتجاهات الثورية عمومًا، فعندما سقطت الإسكندرية وقرر عرابى المقاومة عزله الخديو توفيق، فجمع عرابى جمعية وطنية ضخمة ضمت أعيان البلاد ووجهاءها، وكان من بين المدعوين إلى هذه الجمعية البابا كيرلس، وقد وقع مع الحاضرين على القرار الشهير الذى صدر عن اجتماعها، والذى ينص على الاستمرار فى الحرب ضد الغزو الإنجليزى، وعدم سماع أوامر الخديو ومجلس وزرائه لانضمامهم إلى الغزاة، وإبقاء عرابى فى منصبه ليتولى شؤون الدفاع عن البلاد ضد الغزاة، وأخطر ما صدر منه فى هذه الفترة، فتواه الشهيرة التى أعلن فيها أن الإنجليز بعدوانهم ومحاولتهم احتلال مصر، قد خرجوا عن تعاليم المسيحية الحقة التى تدعو إلى السلام وعدم الاعتداء، ومن ثم اعتبرهم كفرة خارجين على دينهم يجب حربهم».
وإذا كان هذا رصيده الوطنى والسياسى، فإن «عيسى» يعطى جانبًا من ملامحه الشخصية: «كان رجلًا طاهرًا نقيًا، شفافًا كالندى المؤتلق، وفى الوقت نفسه كان قويًا كأقوى ما يكون الرجال، عنيدًا، صلب الشكيمة، يملك قدرًا بالغًا من التحدى، دفعه لأن يصر على موقفه، فيعارض جماهير الأقباط فى مصر، ويعارض الحكومة، ويتحمل نتائج كل هذا، وكانت نتائجه مذهلة، لقد نفى الحبر الجليل، بابا الأقباط والبطريرك العام على كرسى مصر والحبشة والنوبة وليبيا والمدن الخمس الغربية وأفريقيا، وسائر أقطار الكرازة المرقسية».
كان صاحب قرار نفى الأنبا كيرلس الخامس هو الخديو عباس حلمى الثانى، وتم تنفيذه يوم 9 سبتمبر 1892، وجاء استجابة للمجلس الملى الذين هم عصاة فى نظر البابا، وكانت هناك جولة طويلة من الصراع بينهما بسبب الاختصاصات، وضاق البطريرك من هذا المجلس لشعوره بأنه ينازعه، فأهمله ولم يدعه إلى اجتماعات، ولا يأخذ رأيه، وبلغ الأمر حد أن «المجمع المقدس» قرر أن المجالس الملية مخالفة لقوانين الكنيسة، وهو ما رفضه مجلس الوزراء، وتصاعدت المسألة إلى درجة توسط القنصل الروسى بين بطرس غالى الذى كان يقود الداعين إلى المجلس الملى، وبين البطريرك، وانتهى كل ذلك بقرار النفى الذى أدى إلى أن يهجر الأقباط كنائسهم، وفى يوم 31 يناير 1893 أمر الخديو بالعفو عن البطريرك، ليعود إلى موقعه.