بقلم : د. لميس جابر | السبت ١٣ اغسطس ٢٠١٦ -
٢٣:
٠٤ م +02:00 EET
د. لميس جابر
التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن البشر هم من يعيدون نفس الأخطاء، وأحياناً نفس الإنجازات. ومن أشهر من أعاد أخطاءه هى.. هى.. بنفس القدر من الغباء -على حد معرفتى- هم الإخوان. بنفس طريقة التفكير العقيمة يذهبون إلى ارتكاب نفس الخطأ بلا أى محاولات للتجديد أو أى مواكبة للمستجدات على الساحة العالمية من تكنولوجيا العنف والبلطجة وفنون الأمريكان فى تخريب الأوطان.. ما زالوا يرتكبون حماقات الأربعينات، ولم يفكروا ولو للحظة أن هذا الهطل لم ينجح فى الماضى حتى ينجح اليوم..!! لكن الحمد لله على كل حال على هذا القدر من الغباء لأنه فى صالح مصر والمصريين، وربنا يزيدها عليهم كمان وكمان.
يوم الجمعة قبل الماضى تلقينا بمنتهى الفزع والخوف خبر محاولة اغتيال شيخنا الجليل الجميل الدكتور على جمعة، ثم فرحنا وحمدنا الله كثيراً على نجاته.. كان سائراً على قدميه إلى الجامع لأداء صلاة الجمعة، وإذا بعدد من الملثمين يطلقون عليه سبعين طلقة أثناء دخوله إلى الجامع. سبعون طلقة فى أقل من دقيقة واحدة.. ولأن الله خير حافظ، ولأن أعمار البشر ليست بأيديهم فقد نجا شيخنا الغالى.. وكما تعودنا منه توجه إلى داخل المسجد واطمأن على أحد الحراس الذى أصيب فى قدمه.. وبدلاً من أداء صلاة الجمعة كعادته مع المصلين أصر على اعتلاء المنبر وإلقاء خطبة الجمعة ليعلو صوته مواجهاً هؤلاء الخوارج قائلاً: «إن منهجنا عمارة المسجد وعمارة الكون وليس خراب الدنيا والآخرة.. إن عقيدتنا التعمير لا التكفير والتدمير». قال خطبة موجزة بكل قوة، كما كان يقول منذ خمس سنوات، وكما كان يواجه بلا خوف، ويحارب لمصر بلا تردد ولا وجل.. رجل متدين.. عالم معتدل وسطى وطنى شديد الوطنية.. تكاد وطنيته أن تشكل جزءاً من إيمانه.. وتذكرت النحاس باشا، فهو قائل هذه العبارة، وكان متديناً مستنيراً، قال يوماً: «إن وطنيتى جزء من إيمانى». كان النحاس قوياً لم يخشَ فى يوم تعنت الملك ولا تهديد الإنجليز.. كان شجاعاً، يقول دائماً بكل جسارة ما يرى أنه الصواب فى سبيل مصر، ويصل إيمانه وورعه إلى حد التشبه بأولياء الله الصالحين. كانت جماهير الشعب ترسل له خطابات تطلب منه أن يدعو لهم لأن دعوته مستجابة.. هذا يريد دعاء لولده فى امتحانات البكالوريا، وهذا يريده أن يدعو لزوجته التى تشرف على الوضع.. إلى آخر هذه الطلبات. كان فى السياسة شرساً محارباً، حتى إنه كان يسير فى مظاهرات مثل الطلبة أيام إسماعيل صدقى ويُضرب من الشرطة مثلهم.. كان الإخوان فى أيام حكم النحاس لا يُسمع لهم صوت. وعندما تقال وزارة الوفد ينتشرون ويتحدثون ويعلو صوتهم. وفى عام 1948 كتب حسن البنا فى صحف الإخوان عن المسموح والممنوع والحرام والحلال، وصاح النحاس: «لقد صادر البنا الإسلام لصالحه»، وبدأ فى الهجوم على المرشد وإخوانه. وفى أبريل عام 1948، وفى إحدى الليالى، وقفت عربة سوداء بدون لوحة أرقام أسفل منزل النحاس، بل أسفل حجرة نومه، وتحجج ركابها للحارس بأن العربة فارغة من البنزين وسوف يعودون فوراً.. وبعد دقيقة واحدة انفجرت العربة، وكان أول حادث من نوعه فى تاريخ الإخوان باختراع العربات المفخخة.. جُرحت السيدة زينب الوكيل بعد تدمير المنزل تماماً، وجُرح الحرس.. ودخلوا حجرة النحاس باشا فوجدوا أن موتور العربة قد اخترق النافذة وتعلق بناموسية سرير النحاس، وحال هذا النسيج الضعيف بين كتلة الحديد الضخمة ورأس النحاس. أخرج النحاس مصحفه من أسفل الوسادة، وأخذ يردد «الله خير حافظ».. كان هذا الحادث هو خامس محاولة لاغتيال النحاس. أما المحاولة السادسة فهى تماماً مثل المحاولة الفاشلة لإيذاء الدكتور على جمعة.. كان الوقت فى نوفمبر عام 1948 وكان النحاس يحب التمشية حول المنزل نصف ساعة فى المساء، وكان معه فؤاد باشا سراج الدين، وعند باب المنزل جاءت سيارة مسلحة وأطلقت النيران من رشاشات على النحاس وسراج الدين فقضت على حياة اثنين من حراسه وأصابت ثلاثة ونجا النحاس باشا للمرة السادسة.. وعاش إلى أن جاء ميعاده فى 23 أغسطس، وفى نفس يوم وفاة زعيم الأمة سعد زغلول.. وهكذا يفعلون مع شيخنا الجليل. وهذه المحاولة الأخيرة لم تكن الأولى، ولكنهم مثل «كتكوت بيفرفر» كما قال.. التشابه كبير بين الشخصيتين رغم فرق الوقت والحضارة والتكنولوجيا.. التدين المعتدل المستنير، والوطنية الخالصة، وحب مصر النقى من أى شوائب.. الفرق الوحيد هو عدد مرات محاولات اغتيال النحاس التى وصلت لست محاولات متفوقاً على د. على جمعة.
لن نخاف عليك شيخنا الحبيب، فأنت سالم غانم بأمر الله.. والأمر ليس بأيديهم، بل هو بيد الواحد العادل. وليس بأيدينا سوى أن نحيطك دائماً بدعائنا الخالص الصادق بأن يحفظك الله لوطنك ولنا.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع