ضعف التنظيم في سوريا والعراق
عبد الاله مجيد: توحي الهجمات الارهابية التي شهدتها مدن متعددة في الغرب بأن تنظيم داعش أقوى اليوم منه في أي وقت مضى، ولكن الحقيقة ان الضغط يشتد على داعش في معاقله في سوريا والعراق، إذ يجري الإعداد لعملية وشيكة هدفها استعادة السيطرة على الموصل في شمال العراق فيما احكمت قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها على منبج في شمال سوريا وتقترب من معقل داعش الآخر في الرقة، وفي ليبيا تتقدم القوات الحكومية باتجاه مدينة سرت تحت غطاء جوي اميركي، ويقول محللون ان هذه التطورات كلها عوامل تقف وراء تصاعد هجمات داعش بشكل مثير في الآونة الأخيرة.
وترسم مصادر على الأرض من سوريا والعراق صورة قوة مفككة تتأرجح بين التقهقر والوهم. ويقول اشخاص في مناطق مختلفة تحت سيطرة داعش سواء في سوريا أو العراق ان المراقبة والترهيب هما سلاح داعش الوحيد للسيطرة على السكان وبالتالي فان كل هزيمة عسكرية يُمنى بها تشكل ضربة أشد ايلاماً.
إحباط
ونقلت مجلة شبيغل الالمانية عن عراقي يعيش في منطقة قرب مدينة الحويجة جنوبي كركروك قوله "ان مقاتلي داعش يبدون مُحبَطين وهم لأول مرة يبدون خائفين، وأخذ البعض يرسلون عائلاتهم الى الموصل". واضاف "ان كثيرا من سكان المنطقة الذين انضموا الى داعش في البداية يقولون الآن انهم نادمون وانهم خُدعوا أو أُجبروا على الانضمام ، وإذا وعدت الحكومة في بغداد بالعفو عنهم فانهم يستطيعون ان يجدوا طريقاً الى مواقع الجيش العراقي وتجنب الوقوع في براثن الميليشيات الشيعية".
وفي الحويجة "عرض داعشي طقم اثاث للبيع بسعر 20 دولارا لكن قيمته تبلغ 700 دولار بكل تأكيد" ، كما قال المصدر مشيرا الى ان البعض يحاولون الرحيل عن أرض الخلافة بالكامل نازحين شمالا الى المناطق الكردية، ومع سقوط المنطقة تلو الأخرى بيد قوات الجيش العراقي والبشمركة الكردية والحشد الشعبي تزداد شرطة الحسبة تخبطا في محاولتها الحفاظ على السيطرة، وبعد منع التدخين والموسيقى وفرض النقاب على المرأة وعدم خروجها من البيت إلا بمرافقة زوجها أو احد محارمها، قررت شرطة الحسبة منع الملابس الحمراء.
وقال شخص من سكان الموصل "انهم يقولون ان الأحمر لون احتفالي وبالتالي ممنوع". وتابع "ان استخدام علامة الجمع + في دروس الحساب لم يعد مسموحاً به لأنها الصليب المسيحي وعلى التلاميذ ان يكتبوا الآن "1 زائد 1 يساوي ، إن شاء الله ، 2" والذين يستخدمون علامة الجمع السابقة يقعون تحت طائلة العقاب. كما ان قمصان تي ـ شيرت أو الأعلام التي تحمل صليباً مثل شعار نادي برشلونة الكروي ، ممنوعة الآن منعاً باتاً".
التحرير
ويؤكد محللون ان هذه الاجراءات محاولة يائسة للحفاظ على السيطرة في مناطق داعش المتبقية حيث الخوف وحده يبقي السكان راضخين على مضض. ولكن سلطة داعش تتراخى مع كل ضربة يتلقاها في ساحات القتال. وما ان يفقد داعش السيطرة على منطقة حتى يعبر السكان عن مشاعر الفرح بإنتهاء سيطرة داعش. ويؤكد نازحون ومخبرون على الأرض انه ليست هناك مدينة أو قرية في سوريا أو العراق يحظى فيها داعش بتأييد أو قبول الغالبية من سكانها، وعلى سبيل المثال ان التبرع بالدم لمقاتليه الجرحى لا يكون الآن إلا بالقوة والاكراه.
على هذه الخلفية شهدت المناطق المحررة في شمال سوريا نساء يحتفلن بطرق لا يتوقعها المرء في بيئة محافظة. وانتشرت في انحاء العالم صورة سعاد حميدي (19 عاماً) وهي تمزق نقابها. وهتفت امرأة اخرى في مقطع الفيديو "شكرا على تحريرنا ، شكرا لأني استطيع ان ارتدي اللون الأحمر".
وفرح الحلاقون الذين كسدت حرفتهم على امتداد العامين الماضيين بعودة الزبائن لحلاقة ذقونهم وطلب تسريحات تماشي الموضة. وعاد الرجال يلعبون الورق والنرد في المقاهي ويدخنون بلا خوف، هذا كله لا يعني ان داعش سيختفي بلا عودة. فتنظيم القاعدة هُزم عملياً في العراق حيث قام ابناء العشائر السنية بدور حاسم في هزيمته. لكنه عاد أكثر دموية وهمجية تحت تنظيم داعش وهذا ما أكده المتحدث باسم داعش ابو محمد العدناني حين اشار في كلمة مؤخرا الى بقائهم في الصحراء بعد ان فقدوا السيطر على المدن في العراق. واضاف ان داعش مثلما عاد بعد ان فقد هذه المدن فانه سيعود إذا فقد الموصل أو سرت او الرقة.
وتتمثل المأساة في استراتيجية واشنطن ضد داعش في انها قصيرة النظر بتركيزها على الضربات العسكرية فيما تتجاهل الولايات المتحدة الظروف الأساسية التي يمكن ان تجعل عودة داعش ممكنة لاحقاً.
وفي اوائل يوليو طار وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى موسكو حاملا حقيبة مليئة بتنازلات اميركية لروسيا ستمكن الأسد ونظامه من البقاء. وتبدو واشنطن غافلة عن حقيقة ان العنف لن ينتهي ما دام الأسد باقياً وان وجوده سيعرقل أي اتفاق حقيقي مع فصائل المعارضة في سوريا يحقق الوحدة الضرورية لدحر داعش بلا عودة ، كما تلاحظ مجلة شبيغل.
وحتى هذا اليوم لا يفهم استراتيجيو واشنطن لمكافحة الارهاب عمل داعش من الداخل. إذ قال المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية مايكل هاين لصحيفة واشنطن بوست ان داعش "يمتلك كل ما تمتلكه حركة شعبوية من طاقة وما تتسم به من عدم القدرة على التنبؤ بأفعالها". ولكن هذا على وجه التحديد هو ما لا يمتلكه داعش الآن.