الأقباط متحدون | المصري في بلده!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠١:٥١ | الثلاثاء ١٤ ديسمبر ٢٠١٠ | ٥ كيهك ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٣٦ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

المصري في بلده!

الثلاثاء ١٤ ديسمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: سامح محروس
لدي اعتقاد قوي بأن ما حدث في شرم الشيخ منذ أيام، عندما هاجمت أسماك القرش عددًا من السياح في منطقة خليج نعمة لم يكن حدثًا عرضيًا أو وليد الصدفة؛ لأسباب عديدة من بينها: استحالة وجود هذه النوعية من الأسماك المفترسة التي يقتصر تواجدها علي مناطق أعالي البحار في تلك المنطقة، فضلاً عن كونها المرة الأولي التي نصادف فيها مثل هذا الحادث، ولم تكن تلك المنطقة بمياهها غير العميقة يومًا مكانًا مفضلاً لهذه الأسماك.

لقد تابعت هذا الحادث باهتمام، غير أن أكثر ما لفت انتباهي لدي قراءتي لما نشرته الصحف، هو قيام الحكومة بتخصيص طائرة خاصة لنقل احدي السائحات المصابات من "شرم الشيخ" إلي مستشفي معهد ناصر مباشرةً؛ انقاذًا لحياتها، واستكمالاً لعلاجها هناك علي نحو فعَّال.

قرار نقل السائحة بالطائرة كسبًا للوقت، سيحظى بحفاوة لدى العديد من دول العالم التي تضع عينيها علي "مصر" كمقصد سياحي. ولا شك أن القرار يحمل في ظاهره لمسة إنسانية بصرف النظر عن حجم التكلفة التي ستتحملها الخزانة العامة، وبصرف النظر أيضًا عن حجم ما أنفقته هذه السائحة بالدولار أو اليورو في "مصر". غير إنني لا أخفيكم سرًا، أن شعورًا بالدهشة والغيظ في آن واحد قد سيطر عليَّ، ولم أستطع أن أمنع نفسي من المقارنة بين ما فعلته الحكومة مع السائحة الألمانية، وما تفعله يوميًا مع المواطنين الذين يموتون بأمراضهم وأوجاعهم دون أن يتم توفير الحد الأدنى من الخدمات الطبية لهم.

أكتب هذا ولا أستطيع أن أنسى مأساتي وفجيعتي الشديدة في وفاة أمي الشهيدة "فريال ناروز جودة"، عندما صدمتها سيارة يوم 15 أغسطس 2010 في مكان لا يبعد أكثر من (100) متر عن المستشفي. وقد تقاعس الجميع عن إنقاذها، وتعمَّد البعض إهدار حياتها في سلوك شديد القسوة والهمجية، عندما أدخلوها ثلاجة المستشفي "المشرحة" مباشرة، دون أن يضع طبيب سماعة على صدرها بتعليمات من البيه الذى منع الإسعاف من دخول المستشفى، وفبرك فى تدوينه لأحداث الواقعة، وتخلى عن مهمته الأصلية ليقوم بمهمة أخري طبية لم يدرسها وغير مؤهَّل لها، وفي غيبة تامة ممن كان الضمير يحتِّم عليهم إنقاذها أو حتي نقلها بسيارة الإسعاف. وكان أقصي ما تمكَّنتُ منه أنا وإخوتي أن أخرجناها عنوة من مشرحة المستشفى، وقمنا بنقلها في سيارتنا الخاصة "وهي غير مؤهلة علي الاطلاق لنقل مصاب في حادث" إلي معهد ناصر، بعد إهدار بشع للوقت، وصدامات مع أشخاص تجرَّدوا من أي مشاعر إنسانية.

لقد حدث كل هذا مع أمي ذات التاريخ الوطني المضيء، دون أن يشفع لها ما قدَّمته لخدمة الوطن عندما خرجت في فجر شبابها دفاعًا عن بلدها "بورسعيد" في وجه العدوان الثلاثي الغاشم، ودفعت أسرتها ثمن مواقفها البطولية، وانخراطها في صفوف المقاومة الشعبية الباسلة.

لم يشفع لأمي تاريخها الناصع، وعطاؤها الذي امتد أكثر من أربعين عامًا في مجال التربية والتعليم، وتبرعاتها، ومواقفها الإنسانية المؤثِّرة التي يشهد لها كل من عملوا معها وتحت قيادتها.

لم يشفع لها كل ذلك، واستكثروا عليها حقها الإنساني الطبيعي في إنقاذها من آثار حادث غادر فرَّ الجاني الجبان علي إثره دون أي محاولة لضبطه أو تعقبه! وكأن حياة واحدة من أبطال "مصر" لا تساوي عندهم عناء تركيب جهاز للتنفس الصناعي، أو نقلها بسيارة إسعاف إلي معهد ناصر، مهما كان الأمل ضئيلاً!!
أرأيتم حجم شعوري بالألم وأنا أقارن بين هذا الحنان الذي تعامِل به الدولة سياحها، وأنا لا أعترض عليه مطلقًا؟ وحجم العنف واللاآدمية الذي يعامَل به المصري داخل بلده، مهما كان حجم عطائه؟ والسبب واضح جدًا، وهو أن صورتنا في الخارج تهمنا أكثر مما تهمنا حقيقة أوضاعنا في الداخل.

دعوني أكون صريحًا إلي حد الصدمة، وأقول: إن ما تعرَّضت له السائحة الألمانية لو كان قد حدث مع مواطن مصري، لما تحرَّكت شعرة في رأس مسئول؛ لسبب بسيط وواضح جدًا، وهو أن هذه السائحة ستكون مثار حديث وسائل الإعلام في أوروبا، وما أصابها قد يؤثِّر على حركة التدفق السياحي الواردة إلي "مصر". أما المصري إذا مات- أو حتي "راح في ستين داهية"- فلن يكترث مدير المستشفي به، وسيتم التعامل معه بإجراءات إسعاف روتينية وعقيمة تجاوزها الدهر.

ثقافة حقوق الإنسان في بلدنا مازال أمامها الكثير، وأتمني أن أري اليوم الذي يعامَل فيه المصري في بلده كما يعامَل الضيف الزائر لها.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :