الأقباط متحدون - 25 يناير ثورة تزلزل المجتمع المسيحي
أخر تحديث ٠٧:١٥ | الثلاثاء ٦ سبتمبر ٢٠١٦ | نسئ ١٧٣٢ش ١ | العدد ٤٠٤٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

25 يناير ثورة تزلزل المجتمع المسيحي

محمد أبو الغار
محمد أبو الغار

فى العصر الليبرالى منذ ثورة 1919 كان المجتمع المدنى المسيحى يشارك بقوة فى بناء المدارس والمستشفيات والجمعيات الأهلية، وشارك سلامة موسى وآخرون فى نشاط جمعية الشبان المسيحيين الواسعة الانتشار فى حيوية كبيرة فى المجتمع المصرى المدنى عموماً والمسيحى خصوصاً. وكان السياسيون الأقباط هم الذين يتفاوضون مع الدولة فى الشؤون القبطية وفى شؤون المجتمع كله.

تأثراً بهذه الفترة الليبرالية لم أجد هناك حرجاً بل رحبنا أنا وبعض زملائى من المسلمين بدعوة زملاء مسيحيين فى السنة الثانية فى كلية الطب للذهاب وإشعال شمع فى كنيسة سانت تريزا فى شبرا بعد أن أقنعنا زملاؤنا من الأقباط بأن البركة سوف تحل بنا وسوف ننجح فى الامتحان. وفى أربعينيات القرن الماضى لم تجد أمى حرجاً حين كنت طفلاً وأصابنى التيفويد، ولم يكن له علاج آنذاك، فى أن تقبل نصيحة صديقتها وجارتها طنط أولجا بأن يزورنا القسيس للدعاء لى والصلاه حتى أشفى.

وحين جاء النظام الشمولى توقف المجتمع المدنى عن النمو بل وانكمش كثيراً وتأثر بذلك المصريون الأقباط أكثر من المسلمين ووجد المسيحيون أن ممارسة النشاط الثقافى والمدنى أصبحت مستحيلة فى المجتمع، فذهبوا إلى حضن كنيستهم الوطنية العريقة، ونشط بعض الكهنة وعلى رأسهم الأنبا موسى الأب الروحى للنشاط الثقافى والترفيهى لآلاف من الأقباط حين ضاقت به الحياة المدنية فأقاموا حياة مدنية داخل وخارج جدران الكنيسة. ساعدت هذه الحركة الكثيرين من المثقفين والناشطين الأقباط على محاولة الاندماج فى الحياة المدنية المصرية وقدمت أسقفية الشباب نموذجاً عظيماً للقبطى الوطنى المدنى الحر.

ولكن الأقباط فى الريف كانت حياتهم كلها داخل جدران الكنيسة فكان الكاهن أو الأب هو الذى يحل مشاكلهم مع المجتمع حين كان الفلاح القبطى لا يستطيع أن يأخذ حقه بالقانون فينوب عنه القسيس الذى يصوغ علاقة مع المأمور لمحاولة أن يأخذ الأقباط جانباً من حقهم وذلك بالود تارة وبالهدايا تارة أخرى. وتفاقمت مشكلة انغلاق الأقباط داخل الكنيسة وهو ما أدى إلى انفصال تام بين شباب الأقباط وشباب المسلمين فى المجتمع وهو أمر لم يعرفه جيلى ونحن شباب. وتنبه لخطورة الأمر الأنبا موسى الوطنى واسع الأفق وقام بعمل ندوات لمحاولة دمج الأسر الجامعية القبطية مع بقية الطلاب وقد طلبنى الأنبا موسى لأشارك فى هذا النشاط وكان الأمر صعباً لكن تحققت بعض النجاحات.

ثم جاءت ثورة 25 يناير وكانت نصيحة الكنيسة كمثل عدد كبير من الهيئات والأحزاب بعدم مشاركة أبنائها فى 25 يناير.

واستجاب معظم شباب الأقباط ولكن بعضهم خرجوا وشاركوا من أول لحظة وسقط منهم شهداء فى سبيل حرية الوطن، وحدث غضب عارم بين شباب الأقباط فى القاهرة والإسكندرية لأنهم لم يشاركوا ولاموا الكنيسة على ذلك ولكن الأنبا موسى استوعب الغضب وأبدى تفهما واعياً وحضارياً للموقف وهدأ الشباب وكنت مشاركاً فى جزء من هذا النشاط.

زلزال 25 يناير أثر تأثيراً جذرياً فى شعب مصر ومفاهيمه، خاصة فى الشباب وكان التأثير كبيراً بين الشباب الأقباط، فقرر الكثير من شباب المدن الانخراط فى الحياة المدنية فاشتركوا فى الجمعيات والأحزاب وأصدروا صحفا وأخرجوا أفلاماً تسجيلية، وأصبح لهم كلمة على وسائل التواصل الاجتماعى، واشتركوا فى تظاهرات، وكانت تظاهرة ماسبيرو، والتى سقط فيها شهداء كثيرون فى معركة غير إنسانية حيث داستهم الدبابات، نقطة تحول جذرية فى آلاف الشباب الذى قرر بصفة نهائية أن تكون الكنيسة هى بيته الذى يمارس فيه طقوسه الدينية والروحانية ولكن المجتمع المصرى الواسع هو ميدان عمله ونشاطه الوطنى.

سوف أتحدث عن مثل واحد عن تأثير 25 يناير وهو ما يسمى قانون بناء الكنائس. قبل 25 يناير كان بناء الكنائس يتم حسب قاعدة الخط الهيمايونى ولولا 25 يناير ما أخذ الأقباط هذه الخطوة الإيجابية. كل مصرى مدنى حقيقى يؤمن بأن الحل الأمثل هو قانون دور العبادة الموحد، وكل مصرى براجماتى يعلم أيضاً أن هذا مستحيل فى ظروف هذه الدولة وهذا المجتمع. وتفاوضت الدولة مع الكنيسة ممثلة للمسيحيين فى قانون بناء الكنائس ووصلت إلى شبه اتفاق. ولكن المجتمع المدنى القبطى وكثير من المسلمين المدنيين رفضوا هذا الاتفاق وضغطوا على الدولة وعلى الكنيسة بعدم قبول هذا الاتفاق وتحت ضغط الرأى العام اضطرت الدولة لتقديم تنازلات، لم يكن من الممكن أن تحصل عليها الكنيسة وحدها. وعندما قدم المشروع للبرلمان اعتبر بعض الأقباط والمسلمين المدنيين أن هناك عواراً ومعوقات فى مشروع القانون فرفضوه وطالبوا بتعديله.

القوة المدنية للأقباط سوف تتعاظم مع الوقت وخاصة بعد انضمام كثير من المسلمين إليها فأصبحت قوة ضغط مصرية لا تمثل طائفة بعينها. وسوف يستطيع الأقباط كمصريين مدنيين أن يتفاوضوا مع النظام على حلول المشاكل المدنية. هذا هو التطور الطبيعى فى النظم الديمقراطية وهو أمر لا تحب الدولة غير الديمقراطية أن تراه يحدث، وتود أن تتفاوض مع الكنيسة وحدها.

التاريخ يسير إلى الأمام وسوف يتساوى جميع المصريين، مسلمين وأقباطا، فى الحقوق والواجبات سواء أراد النظام أو لم يرد. وروح 25 يناير مازالت مشتعلة فى قلوب المصريين جميعاً ولن تخبو أبداً ومن يريد أن يطفئها لا يعرف شيئاً عن حركة التاريخ.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.
نقلا عن المصري اليوم
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع