(١)
أحب الوفاء فى كل صوره وأشكاله.. حتى وفاء الكلاب والخيل للإنسان.
أحب الوفاء لمن نحبهم ويحبوننا ونضحى من أجلهم ويضحون من أجلنا.
أحب الوفاء لأنه البوح الصامت لمن نحملهم وشما على أرواحنا.
أحب الوفاء حين يصير ترنيمة الشفاه لاسم المحبوب.
أحب الوفاء حين لا نرى سواه ولا نهنأ إلا بين ذراعيه محبة.
أحب الوفاء يوم تبقى «الذكرى» حاضرة وتستعصى على النسيان.
أحب الوفاء فهو الهوى المسافر بين الضلوع والمختلط بالدم والدموع.
(2)
و«هى» تحتفل بذكراه. ذكرى زواجها «السادس والخمسين».
هى الشاعرة العربية الكويتية الكبيرة سعاد الصباح «الصديقة الصِّديقة» وقد خصتنى بآخر ما كتبت يوم ذكرى زوجها «عبدالله المبارك الصباح»، قصيدتها الخريفية بمذاق الربيع وأبياتها تبللها أمطار حب لا يذهب ولا يفنى، كتبت سعاد الصباح تقول:
،، أنا فى حالة حب
،، يا حبيبى
،، رائع
،، أن تجد المرأة فى جانبها
،، من تناديه: حبيبى
،، مدهش
،، أن تفتح المرأة عينيها مع
،، الفجر
،، لتلقى نفسها
،، غارقة فى بحر طيب
،، يا حبيبى
،، بارد من دونك البيت كثيراً
،، بارد من دونك العمر كثيراً
،، إن لم أتكوم تحت
،، كرسيك
،، لن يدفئنى أى مكان يا حبيبى
،، يا حبيبى
،، يا الذى شكلنى بالأغانى
،، واليواقيت
،، وزهر الأقحوان
،، يا الذى بلل أعشابى
،، بأمطار الحنان
،، يا الذى أوصلنى
،، بر الأمان
،، أنت لا تعرف معنى
،، أن تحس امرأة خائفة
،، أنها قد وصلت بر الأمان
(3)
تعودنا «د. سعاد الصباح وأنا» على الحوار فهو الغذاء المفضل لكلينا، هى كشاعرة درست الاقتصاد فى مصر وأحبت مصر لدرجة العشق وياما شهدت المنتديات الثقافية أمسياتها الشعرية وهى تصدح وتغرد، كانت قبل الأمسية تقول لى «زوجى الشيخ عبدالله مبارك الصباح» له الدور الأول والأكبر والأعمق فى حياتى، فقد رعانى وحمانى وغمرنى ببحر من فروسيته ومروءاته، ولولا فكره الحر والليبرالى لما أمكننى أن أغرف من بحار المعرفة وأواصل رحلتى الثقافية، لكن «صقر الخليج» ذهب فى رحلة اللاعودة وبقيت قيمته كرجل نادر فى رجولته. لولا أنه منتدى ثقافى مصرى لقلت من ديوان «آخر السيوف» قصائد هى بكائية لحبيب العمر ورفيق الطريق، لعلها هديتى إلى الرجل الذى كان خيمتى.
ذات مرة عبر حوار منشور، غامرت بسؤال لم تتوقعه مطلقاً: هل عرض أحد عليك الزواج يا سيدتى؟.. قالت و«صقر الخليج» يملأ وجدانها ويسكنها ويحتلها: من يجرؤ؟!. كانت محقة فى هذه الإجابة القصيرة النافذة فهى تعتبر أن أهم زلازل حياتها حدث عام 1959 «حين طرق عبدالله المبارك قلبى». وتقول لى مرة ونحن فى بغداد أيام المربد: كان عبدالله المبارك تجتمع فيه البداوة والحضارة والمحافظة والليبرالية وقداسة الماضى وطموحات العصر، أهم ما فى عبدالله المبارك - يا أستاذ مفيد- أنه كان دائماً مع العصر، مع الحداثة فى فكره، وتركت بصماتها علىّ وعلى أولاده.
قلت لها مداعباً: تخيلت أنه سوف «يخبئك» عن العيون!
قالت: لم «يخبئنى» عبدالله المبارك خلف الستائر ولم يحبسنى فى قارورة وإنما أدخلنى إلى مجلسه وقدمنى إلى زواره وشجعنى على كل الحوارات السياسية التى كانت تدور فى ديوانيته، وأصارحك- كصديق- أن من أهم أفضال زوجى عبدالله المبارك أنه «صنعنى» فكرياً وثقافياً.
هنا قلت لها متسائلاً بفضول لا أخفيه: صنعك؟! قالت: يوم فتح أمامى الضوء الأخضر لأواصل تعليمى وأستكمل معارفى فدخلت جامعة القاهرة وحصلت على بكالوريوس فى الاقتصاد رغم مسؤوليات الأمومة والبيت الكبير، وأشهد أن عبدالله المبارك حملنى على أهدابه وعلى أكتافه حتى أوصلنى وأولادى إلى شاطئ السلامة، وأحمد الله على أن أولادى تعلموا من أبيهم متى وكيف ينتمون إلى أرض ووطن وتاريخ.
(4)
لاحظت عندما قمت بزيارة لسعاد الصباح فى «البيت الأبيض» كما يطلقون عليه فى الكويت أن صور عبدالله المبارك- زوجها- تتصدر المكان، سألتها يومئذ بعد تحرير الكويت «كيف واجه عبدالله المبارك ما جرى من صدام حسين؟ قالت أذهلته الصدمة ودخل فى حالة الصمت والإحباط والاكتئاب ولم يصدق وهو العربى الأصيل أن يدخل الاستعمار العربى عليه من نافذة بيته..».
التقطت من مكتبتها كتاب «رسائل من الزمن الجميل» الذى تهديه إلى «عبدالله المبارك: زوجى ومعلمى وحبيبى وصديق الزمن الجميل»، كتبت تقول: شكراً لحبك الذى كشف عن بصرى وبصيرتى.
إنه الشرارة السماوية التى أضاءت ليلنا.
وكتبت سعاد الصباح تقول:
هل تزعل عندما أقول لك إن الزمن الذى قضيته
قبلى هو زمن مسروق منى؟
،، هل تعرف؟ وهذا سر أعلنه للمرة الأولى؟ أنى فكرت
،، بأن أقيم عليك الدعوى بتهمة أنك كنت لغيرى..
،، قبل أن ترتبط بى
،، أشياء جنونية، إنما غيرة المرأة
،، سلاما يا جبلا من الكبرياء
،، سلاما يا أيها الرجل الذى اختصر العالم.
وكتبت تقول:
،، إنى أعرف أننا عانينا كثيراً واصطدمنا كثيراً
،، وغضبنا كثيراً..
،، ولكن كل هذا كان جزءا من عملية الخلق..
،، ومن عملية التكوين..
،، أن ولادة الأطفال فيها كثير من التمزق والوجع..
،، والنزف والصراخ وكذلك ولادة الحب العظيم.
وكتبت تقول:
،، أنت البلاد التى ولدت فيها..
،، وأريد أن أموت على ترابها..
،، فهل تقبلنى لاجئة سياسية إلى عينيك؟.
وكتبت تقول:
،، الطائرة تطير باتجاه ذراعيك
،، قلبى يضرب كعصفور وأنت بانتظارى
،، أصرخ «أحبك» فيعلو صوتى على صوت
،، محركات الطائرة
،، آه، كم أنا مشتاقة إليك.
(5)
عشت وصلة مطرزة بالبوح الجميل من شاعرة إلى «معلمها وحبيبها»، عشت «الوفاء» الذى لم تنطفئ جذوته ولم يتحول إلى رماد، بل يشتعل يوماً بعد يوم؟ هل هو البعاد والشوق واللهفة؟ هل هو افتقاد الرجل.. الرجل؟ هل يتكثف حضوره برحيله..؟ هل ينتظر الجواد فارسه؟.
الوفاء، تلك القيمة الغائبة فى زمن المصالح، تلك الأيقونة الضائعة فى دنيا المكاسب الزائفة.
الوفاء هو «الإقامة الطويلة التى تنعش القلب».
هو «الاحتلال الجميل» الذى يفرح بالمحتل!.
■ فى الشأن العام.
1- لم يبق من الناصرية سوى د.هدى عبدالناصر وسامى شرف.
2- منسية من إصغاء الرئيس لأحوالها: النوبة والنوبيون.
3- صحيح، هناك «غول» مفترس اسمه الغلاء ولكن هناك «غول» أشد شراسة ويتنفس جشعا اسمه «التجار».
4- «المحنكة والأهطل»: هيلارى وترامب، وفى لعبة الحظ يفوز الغشيم أحياناً.
5- كرة القدم هى نقطة التقاء الشعبية الكاسحة والالتفاف حولها، وهو ما لا تحظى به مشروعات الدولة العملاقة مع أنها من أجل الناس.
6- الذاكرة الشعبية، هل أصابها الزهايمر وباتت لا تتذكر تماماً ما جرى لمصر أيام الإخوان؟.. أى صنف من الشعوب نحن؟!.. ماذا تريد النخبة الكسيحة غير تغذية مشاعر الغضب والسخط؟.. مصر تتعافى اليوم من الورم الخبيث.
7- الناس فى مصر الآن تقول شيئاً و«تضمر» شيئاً آخر.
8- زمان، كنا إذا دخل جلستنا شخص ما، صمتنا وتهامسنا «مباحث أو مخابرات!!»، واليوم لا تستطيع أن تحدد «هوية» من يجلس معك، وإذا أغلقنا مواقع التواصل الاجتماعى رغم بذاءتها، انتقل النشاط إلى تحت الأرض.
9- توقف حركة السكة الحديد لاصطدام قطار بأغنام فى سوهاج!!.. أيحدث هذا عام 2016، يا غنم؟.
نقلا عن المصري اليوم