نبيل المقدس
لأول مرة في تاريخك يا مصر القديم والحديث .. يقوم شخص مصري بكسر العرف . وهدم التقاليد التي ورثتها أجيالك منذ قرون كثيرة .. ولأول مرة نجد رئيس مؤسسة مصرية يقف أمام حراس الإسلام المتطرف , ويضع دستور مصر أمامه , وكأن يتخذه كتابا و شريعة , وعليه أن يطبق ما يحويه الكتاب بكل كلمة تم إنزالها من عصارة حق الشعب المصري .. تماما مثل كتابه الذي يؤمن به بأنه النازل من السماء .. فطبقا للقسم والعهد الذي تعهد به , بأن يحترمه , ولا يحيد عنه , مدركا أن إحترام وعدم الخروج عن دستور البلاد هما العبادة الحقيقية إلي الله السماوي... لذلك قام الدكتور جابر نصار بكل قوة , واضعا صدره أمام المتأسلمين بكل جرأة ليحقق أمل كان يراود كل مسيحي مصري , وكل مصري مسلم أصيل برفع خانة الديانة , ومحوها من جميع الأوراق المتداولة في أكبر وأول مؤسسة علمية بجمهورية مصر ألا وهي جامعة القاهرة .
ما قام به الدكتور جابر نصار نجد أن مجلس النواب بجلالة قدره , وإدعائه بانه مجلسا للتنوير , وأنه حامي حقوق الشعب بلا تمييز عنصري أو ديني , لم يستطيع أن يطبق قوانين الدستور ويحذف خانة الديانة من جميع الأوراق المتداولة وسط ملفات دواليب الحكومة .. وينضم إليهم للأسف الشديد أعضاء الحكومة ورئيسها .. وخصوصا في المؤسسة التعليمية . التي من المفترض أن تكون أول مؤسسة تطالب بإلغاء خانة الديانة في أوراقها التي تداول بينها وبين الطلبة , كما كنا ننتظر أن تلغي حصص الديانة التي مازالت هي منبع الإرهاب .
ما قام به الدكتور جابر نصار هو ما إلا جزء صغير لكنه يعني الكثير في تغيير الخطاب الديني , ووقف توجيه مصر إلي دولة دينية .. كما أن عمله هذا قدوة لكل مسئول في مصر أن يخطو خطاه في تسيير الأمور محاولا وأد الفتنة التي ازدادت بعد حرب اكتوبر 73 .
لكن السؤال الذي يدور في نفوسنا .. هل ما قام به الدكتور جابر سوف يكون مجديا بينما مايزال أصحاب فكر التمييز الديني يتواجدون في نفس أماكنهم ويمارسون التمييز الطائفي حتي بدون وجود خانة اليد ؟؟ , أتصور سوف يكون من السهل معرفة ديانة الشخص مِنْ إسمه .. ولو عجز التعرف عليه بالإسم , فهناك طريقة أخري هي التحية والسلام .. فتحية المسلم " سلام عليكم " أما تحية المسيحي " السلام لكم " أو أهلا أو نهارك سعيد . بذلك سوف لا يتغير الحال .. بل العكس سوف تزداد ضد المسيحيين الإضطهادات والنبذ , لأن الأساتذة المتأسلمين سوف يتخذون قرار الدكتور جابر نصار بجدية في الظاهر , لكنها بخبث قي الخفاء " أي عنادا وتحديا ضد الدكتور جابر نصار.. وفي الآخر سوف تكون النصرة للمتأسلمين . وسوف يستمر هذا العناد علي مستوي المؤسسات الأخري .. وكأن هذا القرار الدستوري ما إلا كلام في الهوا,
إذا علي الحكومة ان تبدأ بطريقة جدية إجبار رؤساء مؤسساتها أن تنظف وتخلي هذه المؤسسات من الذين يدعون حماة الدين .. أو علي الأقل أن يتدربوا علي ممارسة عدم التمييز ... فعدم التمييز بين الطوائف هي نعمة يعطيها الله للإنسان وعلي الإنسان تنميتها بالممارسة الحقيقية .. فجميع الدول الخالية من التمييز الطائفي إن كانت دول فقيرة او غنية , يمتازون بعدم التمييز بالطبيعة , وهذا يحتاج بث الحب والسلام في قلوب المتعصبين , والذين يسعون إلي تحويل مصر المدنية إلي مصر الدينية .. وإخراج النور وإستبداله بالظلام .. وتجديد حياة البدو مرة أخري في نفوسنا .. وتجريد مصر من حضاراتها المتأصلة فيها منذ اكثر من 7000 سنة .
لذا علينا أن نتوقع ظهور مشاكل وإضطرابات بعد هذا القرار , وخصوصا لو تم تعميمه دستوريا علي جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية .. ووسوف يكون وقعه علي المسيحيين صعب جدا , لكنه هو بمثابة دواء مُر يجب ان نتعاطاه أولا ولحين أن تُشفي مصر من مرض التمييز والتفرقة والتعصب... حتي نضمن حياة كريمة لكل فصائل المجتمع ونصير دولة من الدول المحترمة .. فقد سبقنا الكثير من الدول التي كانت منقسمة طوائف واصبحت دولة خالية من هذا المرض ...
متي يأتي الوقت وتصبح دولة مصر المدنية خالية من مرض التمييز ... وتصبح المعاملات طبقا للمواطنة !!! ؟؟؟