- العثور على قنبلة يدوية الصنع بكنيسة الأنبا"انطونيوس" بالمنيا
- ظهور صورة المشتبه به في حادث الإسكندرية وسط مظاهرة إسلامية سابقة
- دلالات النبوات ومستقبل الايام
- "هيومان رايتس فيرست" تدين الحكومة، والجندي: الرهان على رجال الدين خاسر!
- الانبا مكاريوس : الأمن تعامل مع عبوة كنيسة الأنبا أنطونيوس سريعًا ولم تكن متفجرات
بعضها يثير السخرية وأخطرها يهدِّد الجهاز العصبي للمجتمعات: فتاوى التطرُّف قتلت المسيحيين قبل أن تطالهم العبوة الناسفة
في الساعات الأولى بعد وقوع مجزرة كنيسة القديسين في الإسكندرية، خرج الخطاب الرسمي المصري هادئًا، محاولاً أن يكون متوازنًا، مخففًا من الصدمة ومهونًا من شأنها، رغم أن الحدث كان جللاً، وإذا كانوا يقولون ليس من سمع كمن رأي، فإن من شهد الواقعة رأي العين لا يزال يعيش في رعب وفزع أعتقد أنه لن يغادره للأبد. لكن وبعد أن خرج الرئيس، معلنًا الحرب على الإرهاب تغيرت اللهجة تمامًا، وحاول الكثير من المسؤولين أن يضعوا الحدث في حجمه الذي يستحقه.
فما كان لهذا العمل الإجرامي أن يمر مرور الكرام، ليس من أجل المسيحيين فقط، ولكن من أجل الجميع، فالتفجير الذي حدث في الإسكندرية، يمكن أن يتكرَّر في أي مكان على أرض مصر، وبدلاً من أن يصبح القتلى مجهولين بالنسبة لنا لا نعرفهم، يصبح القتلى أنا أو أنت أو أولادنا أو أولادك.
حسنًا ما فعله وما قاله الرئيس، فالحرب على الإرهاب لا بد أن تبدأ وبقوة، خاصة أن هناك من أعلن عن نفسه وبوقاحة منقطعة النظير.
ولأنه لا خير يأتي من الإنترنت، فقد خرجت الوقاحة والفجاجة والإجرام من الإنترنت، تحديدًا من الشبكات الغامضة التي ترتدي رداء الإسلام وتتحدث باسمه.
هل سمعتم عن شبكة تطلق على نفسها "شموخ الإسلام"؟
هي شبكة إلكترونية بعد ساعات من وقوع حادث الإسكندرية استقبل أعضاؤها والمتعاطفون معها الخبر وكأنه فتح من الله عظيم، فرحوا واستبشروا وأعلنوا إعلانًا لا مواربة فيه ولا مداراة له بفرحهم لأن الله كما يقولون أخذ بحقوق الأسيرات المسلمات في الأديرة والكنائس.
المسؤولون عن الموقع بكل إجرام يخلو من أي إحساس بالإنسانية أطلقوا على ما جرى في سيدي بشر بأنه "غزة الإسكندرية" في تماهٍ غريب مع الغزوات التي قام بها المسلمون في صدر الإسلام، وكأنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب رسالة، رغم أن كل رسالتهم في الحياة هي القتل والتدمير، وهي أمور الله بريء منها ولا يعرف أصحابها.
الغريب أن رجال هذه الشبكة – هذا إذا كانوا رجالاً من الأساس، أصبحوا بدوًا أشد تطرفًا وإرهابًا من شيوخ كنا نلوم عليهم أنهم زرعوا الإرهاب من خلال فتاواهم المتطرِّفة.
لقد سارع الشيخ محمد حسان وأفتى بأن من نفذ حادثة الإسكندرية ليس مسلمًا، وهذا أقل ما يقال عنه بالفعل، لكن جهابذة شبكة شموخ الإسلام يرفضون ما ذهب إليه محمد حسان، يقول أحد الأعضاء عن حسان: "حق له أن يسمَّى بالشيخ إن كانت المشيخة في انتفاخ البطون ولبس البياض والنوم في هدوء مع زوجته ونساء المسلمين في سجون أعداء الله ورسوله يسب ليل نهار وكتاب الله يرمى به في القاذروات وأمهاتنا يُغتصبن في كثير من البلدان، وحسان يقول اتركوهن للرحمن، وعليكم بالدعاء فإن الله منان، وأما الجهد والجهاد فهو ليس في مصلحة أتباع العدنان، بل هو ضرب في دين الأوطان، فصار المسيحي المصري يأخذ في الأحضان والأخ المجاهد الأفغاني لا، فهو من الطالبان، والطالبان لا تدين بدين الأوطان، بل دينها لا يعرفه أمثال حسان وإخوانه. ويكتمل الطعن في حسان لأنه أخيرًا قال كلمة حق: إن حسان لم يعد يفرق بين القرآن والدستور، وبين حزب الرحمن وحزب الأوطان".
هل رأيتم بجاحة أكثر من هذا، إن الشيخ محمد حسان عاد إلى صوابه وإلى رشده، وقال قولة حق، كان لا بد من الاحتفال بها والاحتفاء بقائلها، لكنهم أهالوا عليه التراب ولعنوه، كما كان يفعل مريدوه مع من يخالفونه الرأي.
وعلى خطى شبكة شموخ الإسلام التي هي إهانة كاملة للإسلام، يأتي رجال شبكة المجاهدين، ولا أعرف بأي أمارة هم رجال وهم يتخفّون عن العيون ويحرضون من خلف الشاشات الصماء، تجاوزت شبكة المجاهدين، فهي تحرض على تفجيرات جديدة في الكنائس المصرية، وكأن التفجير الذي جرى في الساعات الأولى من العام لا يكفي لإرواء عطشهم للدماء.
تعلن الشبكة في بجاحة منقطعة النظير أن ما حدث في الإسكندرية ليس إلا أول الغيث، ويوجهون دعوة أغلب الظن أنها إلى البابا شنودة شخصيًّا، يقولون له فيها: "سلِّم أسرانا... واسلم تسلم فالسيف بيننا".
هذه الدعوة ليست غريبة على الإطلاق عمَّا تخطط له شبكة المجاهدين ولا عما يريده أصحابها، فقبل أسبوعين من حادث الإسكندرية الآثم نشرت الشبكة خريطة بمواقع وعناوين الكنائس المصرية المستهدفة في احتفالات رأس السنة، وكان من بينها كنيسة القديسين، وهو ما يعني أن الأمر كان مخططًا له بعناية، وأن من فعل، كان يعي ما يفعله جيدًا، فلا شيء يأتي صدفة على الإطلاق.
بجاحة المجاهدين الوهميين والواهمين تتواصل، فهم يوجِّهون رسالة واضحة وصريحة يقولون فيها: "نعم فأول الغيث قطرة، نعم لأجل امرأة مسلمة تجيش الجيوش من المسلمين، وإن أبيدت عن بكرة أبيها، أسوة بالرسول صلوات الله عليه وسلامه، تقبل الله منكم يا شباب مصر الأبي يا غيارى يا موحدين، هكذا يكون الكلام مع الأقباط".
إنه لم يكن كلامًا يا كلاب جهنم، كان قتلاً وتشويهًا وتمثيلاً بالجثث، ولا يحق لكم أن تقولوا أن الرسول لكم أسوة، فلا أسوة ولا قدوة للمجرمين وسافكي الدماء، فأنتم قدوتكم الشيطان، هو مولاكم وبئس النصير.
ولا تتوقَّف شبكة المجاهدين الواهمين والوهميين عن التحريض، فهي تدعو الشباب أن يقوموا، فهم شباب مصر الأباة، لأنه على ما يبدو أن لديهم مهمة يعتبرونها مقدسة ونعتبرها نحن مدنسة، يقولون للشباب: "كونوا فداء لله، فلا ولن يضيركم الكفرة الظلمة المجرمون، فالجنات التي عرضها السموات والأرض هي الجزاء، أعدت للمتقين الموحدين المؤمنين الغيارى البررة".
رسالة القتل والدماء لا تزال تتواصل، لكنها هذه المرة موجَّهة إلى الأقباط، يقول المجاهدون الفاسدون: "ليس بيننا وبينكم يا أقباط المهجر والداخل إلا السيف، فقد انتهى وولَّى زمن المهادنات والتسامحات إلى غير رجعة، وما بدأناكم ولكن أنتم من بدأ، وأنتم من تعاليتم وأطلقتم ألسنتكم بحق المسلمين والرسول صلوات الله عليه وسلامه، وأنتم من أسرتم وعذبتم إخواننا وأخواتنا الذين أسلموا لله الواحد القهار ولي المؤمنين هازم الأحزاب والكفار والمشركين، فلا تلوموا شباب المسلمين الغيارى".
ليس صحيحًا ما يقوله المجاهدون الفاسدون، فهم من أساءوا إلى وجه الإسلام، وهم من أرغموا المسيحيين على أن يخرجوا في مظاهرات حاشدة، فليس كثيرًا على من أن نقتله أن يصرخ ويعترض على الظلم.
لكن من أوصل هؤلاء المجاهدين إلى هذه الدرجة من الحمق والتعالي والكذب على الجميع، إنني لا أعفي أحدًا من المسؤولية، فعلى مدى ما يزيد على أربعين عامًا والفتاوى التي تستهدف الأقباط لا تتوقف، فتاوى بتكفيرهم، وفتاوى بتحريم بناء كنائسهم، وفتاوى بتحريم دفنهم في مقابر المسلمين.
وإذا أردتم فتوى واحدة، فهذا مثال واضح أورده شيخ السلفية الأكبر أبو إسحاق الحويني في إحدى خطبه الكثيرة، سأله أحدهم: هل يجوز أن ألقى السلام على المسيحي؟ وكان رد الحويني نصًّا: إذا قابلت النصراني فلا تحييه بتحية الإسلام، قل له أي تحية، صباح الخير أو صباح الفل، وإذا وقع في مشكلة لا مانع أن أقدم له يد المساعدة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "دخل رجل الجنة في كلب سقاه".
هل رأيتم إلى أي مدى تصل عدم اللياقة، لم يكن كلام أبو إسحاق الحويني جديدًا، قاله من قبله عمر عبد الكافي في منتصف التسعينات وقامت الدنيا عليه ولم تقعد، ولم تنته الأزمة إلا بعد أن ذهب واعتذر إلى البابا شنودة في الكاتدرائية الكبرى بالعباسية، وكان بصحبة وزير الأوقاف محمد علي محجوب.
لكن أبو إسحاق الحويني وغيره قالوه، دون أن يعترض عليهم أحد، لم يقل لهم أحد هذا عيب، أو أن ما تقولونه حرام وكفر ولا يليق، ويمكن أن يخلق جيلاً لا يعرف العقل، وسيسعى إلى قتل الأقباط دون أن يشعر ولو بوخزة من ضمير، فلديه الغطاء الشرعي من شيوخه.
الأزمة هنا ولا يجب أن نفلتها على الإطلاق. إنني لا أتهم الشيوخ أو الجماعات الإسلامية بأنهم من نفَّذوا مجزرة الإسكندرية، فهذا أمر سابق لأوانه، لكنني لا أعفيهم مطلقًا من مسؤولية ما جرى، فقد زرعوا الأرض بالتطرُّف، فكان طبيعيًّا أن نحصد جميعًا الأحزان، التي لا يستطيع أن يتحمَّلها بشر.
الآن خرج الجميع ليقدموا فتاواهم التي تجاهد التطرُّف، شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب يقول في بيان له أن هذا العمل محرَّم شرعًا، وأن الإسلام أوجب على المسلمين حماية الكنائس كما يحمون المساجد، مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة قال كلامًا مشابهًا، الجماعة الإسلامية أدانت مرتكبي الحادث، وقال متحدِّثهم الرسمي أن من نفَّذوا هذه الجريمة يخالفون تعاليم الإسلام التي تحرم التعرُّض لدور العبادة حيث أقر الإسلام حماية أهل الكتاب، وحرم الاعتداء على المدنيين في الحرب، فكيف يباح من أشخاص بارتكاب هذه الجريمة المروعة.
حتى الجماعات السلفية أصدرت بيانًا تستنكر فيه الجريمة البشعة، وتعلن من خلاله أن المنهج الإسلامي الذي تتبناه هذه الجماعات والقائم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة يرفض هذه الأساليب التي تخدم أهداف من لا يريدون بمصرنا خيرًا.
أين كان هؤلاء جميعًا والفتاوى التي تحرق الأقباط وتكفرهم وتعتدي على حرماتهم تُتلى من على منابر المساجد وتتعاقب في الفضائيات؟
أين كان هؤلاء والتطرُّف يمرح في كل مكان في مصر.. قاصدًا الأقباط ولا أحد غيرهم؟
هل أفاقوا الآن؟ للأسف الشديد لقد أفاقوا بعد أن فات الأوان، فالتطرُّف المتأسلم أخرج الغضب القبطي من جعبته، ولا أعتقد أن هذا الغضب يمكن أن يخبو أو يتوارى، إن هناك من يطالب بالانتقام، بالقتل، بالترويع، وهؤلاء لا يمكن أن نلومهم، فلا يمكن أن تذهب لأهل قتيل لتلومهم على أنهم يريدون القصاص، فهذا أقل العدل.
إن الفتوى التي لا بد أن تصدر الآن – رغم أنني أعرف جيدًا أن المسيحيين لا يريدون فتاوى الآن ولا ينتظرونها ولا يعترفون بها – هي فتوى تعلن أن دماء الأقباط حرام. من يعترض طريقهم يغضب الله عليه، من يستحل دماءهم ملعون ولا بد أن يقتل على الفور بلا رحمة ولا هوادة.
ستقولون إن شيوخ السلفية وشيوخ الأزهر وكل الشيوخ في الدنيا فعلوا ذلك. أقول لك إنهم فعلوه بعد أن خربت مالطة.
ثم إن الفتوى التي أريدها ليست من الشيوخ، فهؤلاء من الآن يجب ألا يكون لهم شأن بنا، ليتركونا نعيش حياتنا بعيدًا عن تطرُّفهم وتحجُّرهم وعدائهم وخصامهم للحياة.
إن الفتوى التي نريدها جميعًا فتوى قانونية. القانون الذي يحكمنا جميعًا، الذي يتعامل مع الجميع على أنهم مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. لا مكان للتفرقة على أساس الدين، فلا حاجة لنا أن نقول إن هذا مسلم وهذا مسيحي... هذا تخلف مطلق لا بد أن نتخلَّص منه.
لقد فزع شيوخ التطرُّف عندما رأوا أن الغرس الذي غرسوه طوال السنوات الماضية كان نتيجته القتل والذبح.. مجزرة سيظل المصريون يذكرونها طويلاً، لن يتخلَّصوا من كابوسها بسهولة، ولذلك سارعوا للتخلُّص من آثار الدماء التي ستظل تطاردهم إلى قبورهم.
إن الأحزان التي يعيشها المصريون الآن لا يمكن لأحد أن يتحملها أو يستوعبها. لم أر حزنًا عامًّا وشاملاً، مثلما رأيت بعد أن وقعت مجزرة الإسكندرية. لقد شعر الجميع أن الحياة تتفلَّت من بين أصابعهم، تنتهي، تتلاشى، فلا قيمة لشيء أي شيء، حتى الكلام لم يعد له أية قيمة، فما الذي يمكن أن يقدمه الكلام للقلوب المكلومة والنفوس الجريحة والأرواح التي أصبحت كسيحة. لا شيء.
زهقنا جميعًا من الكلام، لكن ولأننا لا نملك غيره، فسنظل نحارب بالكلمة، كل من يريدون أن يدخلونا إلى القبور، رغم أننا نستحق الحياة، من يحرمون علينا عيشتنا ويريدون أن يقتلوا البسمة ويخطفوا الفرحة. هؤلاء ليس لهم إلا الموت، فحاربوا جميعًا من أجل أن نبقى، على الأقل من أجل أن نبقى.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :