كتب تاريخ القديسين و الشهداء
أوليفر
الاربعاء ٧ ديسمبر ٢٠١٦
Oliver كتبها
كنيستنا صاحبة تاريخ عريق.و هكذا تاريخ الكنائس العتيقة الخمسة الأولي.أنطاكية- الإسكندرية – روما –القسطنطينية-أورشليم-
التاريخ الكنسي يمكن تقسيم عناصره إلي 1- تاريخ الشهداء 2-تاريخ الكنيسة 3- تاريخ البابوات 4- تاريخ الشعب المسيحي5- تاريخ طقسى .و هذه السلسلة قصاصات مختصرة للغاية ستشمل الخمسة عناصر من التاريخ .
أولاً تاريخ القديسين
حين نقول قديسين نقصد الجنسين قديسين و قديسات شهداء بمختلف أعمارهم و أجناسهم. شهداء المسيح و قديسيه في كنيستنا أعظم و أغزر من أن يجمعهم تاريخ في كتب لكن مع أن التاريخ أيضاً لدينا حافل بالكثيرين رغم هذا فإن أكثر الشهداء لم يذكرهم تاريخنا. الكثير من هؤلاء كتبت سيرته نقية خالصة خالية من أية شوائب خصوصاً حين تتعلق سير هؤلاء القديسين و الشهداء بالقرون الخمسة الأولي .نظراَ لقرب الزمن ما بين زمنهم و زمن تدوين تاريخهم.أيضاً وجود شهود علي تلك السير في بعض الأحوال.كذلك إشتراك الكراسي الكنسية الكبري في الإعتراف بنفس القديسين .
ثم بدخول الإسلام بدأت سير الشهداء تختفي رويدا رويداً مع أن الإسلام لم يسيطر علي مصر تماماً قبل سنة ألف ميلادية.و مع أن الشهداء في عصر الإسلام كانوا أفرادا و جماعات و يشهد علي ذلك شهداء الفيوم الذين ظهرت رفاتهم لتفصح عن مجازر إسلامية حدثت للرهبان في تلك المناطق.كما لا يمكن أن ننكر أن هدم الأديرة و الكنائس في عصور الخلافات الإسلامية المتعاقبة ما كان يتم دون أن يصاحبه مقتل مسيحيين قرباناً و إرهاباً لتسليم الأديرة و الكنائس التي تم تحويلها عنوة لمساجد يذكر فيها إسم محمد و ينكر فيها إسم المسيح.
ثم بدأت مرحلة إختفاء تام لسير الشهداء مع أن الشهداء كانوا يتساقطون بالسيف و الحرق و التنكيل يومياً بأوامر الولاة و السلاطين.و ظهور أجساد مثل القديس بشنونة و مارجرجس المزاحم و القديس سيدهم بيشاي و أنبا برسوم العريان و القديس أنبا رويس هؤلاء مجرد نماذج لتعكس أحداثاً في أجيالهم و تعصباً مقيتاً وصل إلي حد القتل ثم محو الأدلة بمنع تدوين التاريخ حتي يسهل إنكار الجرائم الوحشية.
ثم ظهر بعد إختراع المطابع مرحلة إحياء جديدة لكتب القديسين و سير الشهداء لكن بسبب بُعد الزمن بين الكتابة و الحقيقة.و بسبب قلة المراجع أو قل إنعدامها صار لدينا أسماء لقديسين و شهداء لا نعرف عنهم غير أسماءهم.لا سيرة لهم و لا حتي في السنكسار الذي يكتفي بعبارة ساذجة حين يقول اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار القديس فلان.ثم لا مزيد من تفاصيل أو سيرة عنه.إنه مجرد إسم فقط ليس هذا تاريخ و لا حتي نقطة في كتاب تاريخ
الشهداء.إنه عوار تاريخي لا يجب أن يستمر في كنيستنا .فكيف تحتفل الكنيسة بمن لا تعرف غير إسمه؟
ثم حين برز دور إنتشار وسائل الإتصلات و الميديا الحديثة صار لنا سير شهداء و قديسون صنعهم الإعلام لم تظهر لهم قداسة حتي الآن.و لا دليل علي صحة ما ورد عنهم .يكتب بعض الآباء أننا لابد أن نصدق ما يكتبه.فلماذا لابد ؟و القداسة ليست صناعة إعلامية بل صناعة الروح القدس.و الرب حين يريد فإنه يشهد للقديس و يسمح له بأعمال تثبت قداسته ليس شرطاً معجزات بل يمكن أن يكون أداة توبة لكثيرين مثل أبونا ميخائيل إبراهيم أو أداة صالحة سخية لتوصيل المحبة الإلهية للبشر مثلما صار مع القديس أنبا إبرام .أو عمل أعمالاً تبني الكنيسة مثلما فعل الأرشيدياكون حبيب جرجس بتأسيس مدارس الأحد التي صارت مهدا للتعليم المسيحي للنشء .أما أن يجد كل منتقل من أصدقاءه أو من شعب كنيسته من يصنع منه قديساً و يكتب عنه كتاباً سرعان ما يندثر لأن القداسة شهادة إلهية و ليست شهادة إعلامية.و هذا ما جعل الكنيسة تنص علي عدم إضافة أحد إلي قائمة القديسين من غير أن يمضي علي إنتقاله 50 سنة لكي يروح أثر التعاطف الإنساني و التأثر البشري و يكون قد ثبت أن هذا الإنسان قديس أو قديسة أياً كان منصبه و مهما قال عنه الناس.لكن هذا النص لا يجد إحتراماً من الكنائس نفسها.
ثم جاءت مرحلة مزج الفن السينيمائي و المسرحى بسير القديسين.و إختلط الخيال بالوقائع.و صار القديسون يطيرون في الهواء و تصبح لهم أجنحة.و يمارسون أعمالاً تبدو فكاهية هذا ما ليس من القداسة في شيء.فليس القديس أو القديسة إنساناً خارقا للعادة.بل شخصاً كان قلبه طيعاً لعمل الروح القدس . و إذا إستدعت الضرورة فالرب قادر أن ينقله من مكان لآخر بغير أجنحة و لا بطريقة سينمائية.كما فعل مع فيلبس الرسول و نقله ليقف قدام والي كنداكة و لم ينشغل الكتاب المقدس في كيف نقله بل إكتفي بقوله أن الروح نقله.فالسياحة الروحية ليست من طراز سوبرمان.لأن هذا يقلل من عمل الروح القدس في قديسيه.ذلك لأن من يكتبون هذه السير و من يبلورون تلك الأفلام ليسوا معتمدين علي مراجع روحية و لا علي مصححين لهم رؤي عقيدية ثاقبة كما يفعل المخرجون و كتاب السيناريست في الغرب بل يعتمدون هنا علي إستخدام وسائل بدائية ساذجة و أفكار فلكلورية و يمزجونها بسيرة القديس أو القديسة. و يكتبون سيرة القديس بنفس منطق كتابة ألف ليلة و ليلة فيصبح للفيلم عدة أهداف منها الكوميدي و منه الإبهارو منها تحقيق أرباح و آخرها سرد حياة القديس بحسب خيالهم و ليس حسب الحقيقة بينما أن القديس نفسه عاش يشهد للمسيح و من يقدم سيرته عليه أن يركز كيف يقدم المسيح الذي شهد له القديس بأعماله و مواقفه و أقواله و كيف يتم التركيز علي هذه الشهادة التي هي سبب تسميته قديس.
إن بيننا و بين سير القديسين مسافة عميقة كبيرة يملأها الغموض و النسيان فنحن لا نجيد إلا بعض السير المعتمدة حتي من كنائس أخري كبري.و فيما عدا بعض أسماء قديسين لدينا مراجع عن سيرهم و هي أسماء قليلة لا يتوفر عندنا سوي مزيج من فبركات قديمة أضيفت لسير القديس رغم إيماننا بقداسة القديس و القديسة لكن كتابة سيرهم تحتاج إلي مراجعات و تنقيح.هذه الفبركات التي حدثت في عصور الكنيسة المعتمة بدءاً من القرن الثامن و حتي السادس عشر جعلت السير المكتوبة في تلك الأزمنة تحتاج إلي جهد مكثف لتصحيحه و توثيقه و قديسون كثيرون لو بحثنا في مخطوطاتنا لوجدناهم و قد إنهالت عليهم أتربة التاريخ و طمستهم. ربما حان الوقت لظهور سيرهم العطرة لنعرف كيف كان الرب يحفظ أتقياءه و ينفذ وعده بأن له في كل جيل شهود له.
و من المؤسف أننا لا نحتفظ في تاريخنا الحديث بسير القديسين في العصور من الثامن عشر و حتي اليوم.بينما أن هذا هو جزء حي من إيماننا نحتاج إلي توثيقه.ليت هذا الأمر يؤخذ في الحسبان حتي لا نفقد هذه الثروات التي بها يغتني الإيمان الحي.
أيها الرب القدوس علمنا الوفاء لمن كانوا في حياتهم شهود أوفياء لشخصك.و كما أكملتهم في القداسة إصنع معنا هكذا نحن الناقصين.لأن سيرة أولادك تتمحور حول شخصك المجيد و عمل روحك القدوس فيهم لذلك علمنا أن نراك فيهم.و نراهم فيك.فهم أعضاء موكبك في مجيئك الثاني المهوب.و فيهم نجد رجاء لأنفسنا أننا لنا نفس النصيب فيك كما صار لهم يصير لنا.أيها الرب القدوس أنت وحدك صانع القديسين.هم شهدوا لك و أنت شهدت لهم و نحن بك نفرح بهم كما تفرح و معهم نشارك الطلبة لأن أشخاصهم المحبوبة تعط لصلواتنا شركة سمائية في ذلك البخور الذي ملأ مجامر الملائكة السمائيين.لإإسمع لهم عنا و إسمع لنا معهم و إجعلنا معهم أسرة سمائية كنيسة واحدة جسد واحد يبقي فيك إلي الأبد