2- كتب تاريخ الكنيسة القبطية
أوليفر
الجمعة ٩ ديسمبر ٢٠١٦
Oliver كتبها
بقولنا تاريخ الكنيسة القبطية نقصد الكنيسة كمؤسسة روحية و كيان روحى معنوى أدبي .تاريخها هو تاريخ نشأتها و نموها و و أما كتب تاريخ البطاركة و تاريخ الشعب القبطى فستكون عنه قصاصة أخرى.و أنا أقول قصاصة لأن ما يكتب هنا ما هو إلا عناوين مختصرة لموضوعات متسعة دون الخوض في أية تفاصيل لأجل القراء الذين زهدوا القراءة .
في تاريخ الكنيسة يمكن أن نضم تاريخ المجامع المقدسة لأن بها تحددت بصمات تاريخية إنطبعت علي شخصية الكنيسة القبطية.و حيث أن موضوعنا ليس تفنيد المجامع أو بحث نتائجها لكن كيف جمع كتاب التاريخ هذه الأحداث.موضوعنا منصب علي الكتاب التاريخي الذي سجل ما مرت به الكنيسة و عن هذا نكتب هذه القصاصة الصغيرة.
كتاب التاريخ الوحيد
حين نعلم أن مصدر تاريخنا هو كتاب وحيد كتبه يوسابيوس القيصري و هو اسقف آريوسي ينسبونه خطأً كتلميذ للعلامة أوريجانوس ليهيلوا مزيداً من الإتهامات له . و لو كان أوريجانوس معلمه ما تركه يعتنق الآريوسية .و قد عاش آريوسياً محروماً من مجمع محلى عاقبه علي إعتناقه الأريوسية .لكنه للحق كان كاتبا تاريخياً محايدا نزيهاً.إنما إعتماد كنيستنا علي كتاب وحيد و كاتب وحيد للتاريخ أمر ليس له شبيه في بقية الكنائس الكبري.إننا نستطيع أن نعيد كتابة التاريخ من خلال تتبع سير البطاركة و أحداث مدرسة الإسكندرية و أحداث المجامع كما جائت في كتب الكنائس الشقيقة.و من خلال تتبع سير الأباطرة الرومان حتي القرن الرابع.و من خلال تاريخ الكنائس الأخري و ما سردته ضمناً عن تاريخ كنيستنا في كتبها القديمة.و قد حاول بعض المؤرخين تنفيذ هذا الفكر لكنهم لم ينالوا إستحسان القيادات الكنسية و هكذا أوقفنا مشروع إعادة كتابة التاريخ في مهده.
إن مركز كنيستنا و تأثيرها في العالم قد تأثر سلباً بسبب قلة المراجع التاريخية أو محدوديتها.لقد إكتفينا أن يكتب تاريخنا أسقفاً آريوسياً من فلسطين رغم كثرة المتمكنين من آباءنا الأوائل الذين أضاعوا علينا معرفة تاريخنا بكتابات قبطية أصيلة.
كنيستنا و مشكلة الترجمة
كان للمجامع يوميات تدون فيها كل كلمة تقال و كل قرار يتخذ و كل حدث يحدث. و كان هناك وصف للبيئة التي عقد فيها المجمع و لموقف الشعب من الأحداث و رأي الكنائس المحلية و للمؤامرات التي حيكت حول كل مجمع من الهراطقة و أعوانهم بينما إكتفت كنيستنا بخلاصة المجامع و إحتفظت فقط بنسخة من قوانين كل مجمع دون الإلتفات إلي يوميات المجمع و كيف توصل الحاضرون إلي النص النهائي للقانون المجمعي.كنا كنيسة تهتم بالعقيدة وحدها متجاهلة للتاريخ.و ها نحن نهاجم الآن بسبب عدم حصولنا علي وثائق كل مجمع.و يدعي البعض علينا ما ليس في كنيستنا.لكننا نرد عليهم بالمكاتبات و ليس بالوثائق التي لو كانت توفرت لدينا لكنا قد تجنبنا شقاقات تاريخية و خسارات كثيرة لكنائس شقيقة و كنا قد أعدنا الحق لمن له حق علينا و نلنا الحق ممن تجنوا علي حقوقنا و لكان الحوار الدائر الآن من أجل الوحدة أهون و أجدي لكن بكل رجاء نقول أن النعمة تعمل و تعوض النقائص مع أن هذا لا يغني عن تخصيص باحثين لتجميع تاريخنا المبعثر في كتب الكنائس الأخري و المكتوب بلغات يونانية و روسية و رومانية و سريانية و كان من المفترض أن يكون مكتوباً بالفرعونية و بالقبطية أيضاً .
كنيستنا و تاريخ الرهبنة
كنيستنا روحية و قد إنصب إهتمامها بأقوال آباء الرهبنة و سير الرواد الأوائل .فمن القديس أثناسيوس عرفنا القديس أنطونيوس و منه عرفنا القديس أنبا بولا .لم يكن الهدف من كتاب سيرة أنبا أنطونيوس توثيق الرهبنة بل ترسيخ سيرة قديس عظيم أسس الرهبنة النظامية.و من بعد هذا الكتاب إكتفينا بتسجيل شذرات من أقوال آباء الرهبنة المعروفين من القرنين الرابع و الخامس.حتى جاءنا راهب فرنسي هو القديس يوحنا كاسيان الذي جمع سير الرهبان علي مدي ستة عشر عاماً ظل يطوف فيها البراري العامرة بالأديرة و الرهبان و ترك لنا مجموعة كتب هم 12 كتاباً أو قل مجلداً تم تصنيفها إلي كتابين رئيسيين هما مؤسسات نظام الشركة و كان حديثه فيها منصبا علي الأسس التنظيمية لحياة الرهبنة و كتابه الآخر الرائع مناظرات يوحنا كاسيان و كان فيه يناقش مفاهيم روحية من خلاصة خبرات آباء الرهبنة. و في مجموعة كتبه قضي القديس يوحنا كاسيان الكثير يطوف بين الأديرة في كل أرجاء مصر من الإسكندرية حتي طيبة فيسرد لنا عنها و لولاه ما عرفنا الكثير من تاريخنا الرهباني.مع أنه كان يلزم و لا زال يلزم أن يحتفظ كل دير بسجلات تدون فيها يوميات الدير لتكون تاريخاً موثقاً لا يحتاج إلي إجتهاد للحصول عليه و إستخلاص ما نحتاجه منه من معارف و خبرات و تاريخ للشخصيات و المكان.و هكذا صار لنا مؤرخاً فرنسياً للرهبنة القبطية.في الوقت الذي يجب أن نتدارك من الآن أن يكون في كل دير و أسقفية مؤرخ ماهر أمين يدون يوميات العمل الروحي و الأحداث الهامة و كل ما يجب أن يوفره التاريخ للأجيال القادمة.
الأمر الذي يجب أن نحذره و بشدة هو أن نعتبر أن الأفلام التي يتم إنتاجها تاريخاً معتمداً .فالتاريخ يكتب بحيادية بدون تمثيل و مؤثرات, دون مونتاج و إخراج و خدع ساذجة.التاريخ مهمة ثقيلة يجب أن تتولاها لجنة مجمعية و ليست جهة سينيمائية.التاريخ حق الأجيال القادمة .الذين لا نريد لهم أن يقفوا عاجزين عن فهم الأحداث التي جازت بنا كما نقف نحن الآن غير قادرين عن فهم أمور كثيرة في التاريخ لعدم وجود تأريخ لفترات كثيرة في كنيستنا.
تاريخ علاقة السلطة بالكنيسة
لنا في الكتاب المقدس درساً بليغاً إذ أن أربعة أسفار منها كانت مختصة بعلاقة قادة و أنبياء الشعب الإسرائيلي و الهيكل بالملوك في سفري أخبار أيام أول و ثان و ملوك أول و ثان بالإضافة إلي أسفار تاريخية أخري مختصة بوقائع أو سيرة محددة. و لولا وجود يوميات الملوك ما إستطاع نحميا النبي إستكمال بناء سور أورشليم بعدما إعترض سنبلط و جشم و قورح علي بناء السور بدعوي عدم وجود قرار بذلك ففتشوا في أدراج كورش الملك المنتقل و وجدوا ما يثبت التصريح بل التشجيع ببناء السور و الهيكل نح 1-4. في كل جيل كان للكنيسة علاقة بالسلطة.كانت سلبية غالباً وإ يجابية أحياناً نادرة .و لم يذكر أحد عن تاريخ هذه العلاقة بشكل منظم سوي القس منسي يوحنا في كتابه سنة 1924 عن تاريخ الكنيسة غير أن كتابه عن هذه العلاقة إعتمد فيها علي ما إستنبطه من مراجع إسلامية أكثر من القبطية (ربما لعدم وجودها) .لكننا لا زلنا نستطيع أن نجد الكثير من هذه الأحداث مدونة في المكتبات الرئاسية بالعراق و أسطنبول وفرنسا و غيرها فنستشف تاريخاً مندثراً و نعرف ما لم نكتشفه بعد .حتي لا نكتفي ببضع أسماء قديسين و معجزة نقل المقطم.فتاريخنا أعظم من مجرد حوادث متفرقة.إننا بحاجة إلي تاريخ متكامل يغطي عمر الكنيسة من ألفي عام لأنها تستحق أن نبذل لأجلها هذا الجهد و نخرج منه بالجدد و العتقاء.
خلاصة الأمر نحن لم نكتب تاريخنا بعد.بل تركنا آخرين يكتبونه.و حان الوقت لنكتبه بأنفسنا بضمير نقي و حيادية و بمنهج علمى.
صلاة
أيها الرب صانع التاريخ و محرك أحداثه.ليس عندك غوامض لأن عيناك فاحصتان منذ الماضي السحيق و حتي الأزل.ليس هناك تاريخ لم تصنعه يداك بالإرادة حيناً و السماح حيناً آخر.لكن كتابك ليس فيه سهو أو ثغرات.و روحك القدوس يلهم المؤمنين بما لم يكونوا علي علم به.في هذا نثق و لأجله ننتظر.ليس لنكتب تاريخ نتشدق به علي آخرين هم أشقاءنا بل فقط لكي نتبصر كيف حفظتنا يداك قبل أن نولد نحن و نتعلم من معاملاتك العجيبة في ذاك الزمان فنتعضد بثقة الآن.لقد علمتنا أن نتذكر المحبة الأولي و نتب.و نحن نرجو منك أن تذكرنا بمحبتك الأولي أيضاً هذه التي صنعتها مع آباءنا و أجدادنا و نحن نجهلها.لقد علمنا بمسار هروبك إلي مصر برؤية سماوية فأكثر لنا رؤاك لكي يستعلن ما قد خفي عنا.هذه الكنيسة أنت أسستها و فيها أحجار روحية لم نعرفها.إكشفها لنا كى نزداد تمسكاً بهذه الصخرة التي بنيت بيدك و حفظتها يمينك عبر الأجيال.فليكن تاريخنا دافعاً لعودة الأشقاء من كل صوب و حدب لكي كما علمتنا نكون كنيسة واحدة وحيدة مقدسة جامعة سماوية.