الأقباط متحدون - مصر التى فى خاطري
  • ١٤:٤٦
  • الاثنين , ١٢ ديسمبر ٢٠١٦
English version

مصر التى فى خاطري

البروتوبرسفيتيروس أثناسيوس حنين

مساحة رأي

٥٧: ٠٥ م +02:00 EET

الاثنين ١٢ ديسمبر ٢٠١٦

بقلم : الأب الدكتور أثناسيوس حنين
* مسئول قسم البشارة والحوار فى مطرانية بيريه باليونان
) الأب/الدكتور اثناسيوس حنين طلب منى صديق عزيز بضعة سطور عن الأحوال فى مصر "وطلبات الأحباء أوامر" .. يعلم صديقي أن مصر فى خاطري وفى دمى ورغم أن قلمي قد صال وجال " محليا ودوليا " فى حب مصر والذود عن أصالتها الحضارية ومسيرتها التاريخية وإطلالاتها الثقافية و اللاهوتية والفقهية ، إلا أنني أقف أمام المشهد المصري اليوم فى حيرة ، حيرة يوحنا تلميذ المسيح أمام السفر المختوم الذى لم يستطع أحد أن يفك رموزه ولا أن يفسر أسراره ولا أن يستشرف آفاقه ! .
 
الجديد فى المشهد هو حب هذا الشعب الجارف للحرية ورفضه للإذلال، اى كانت ركائبه ، الجديد فى المشهد أن الكل يتكلم والكل يوثّق والكل يجتهد والكل يكتب والكل يحاور والكل يحتج والكل يتظاهر ،لعلهم يبلغون يوما الى  مرحلة الشك الكبير الذى يجعلهم يقفزون الى الإيمان ، لعلهم يتوقفون عن أن يستقبلوا القدر سلبا ويقررون أن يصنعوا الأزمنة الجديدة إيجابا ... هناك إجماع كبير ، على ما يبدو، على رفض الاستقطاب ،دينيا كان أم علمانيا، يذهل المراقبون من هذه الصحوة التى لا هي إسلامية ولا مسيحية بل صحوة مصرية .
 
الإسلاميون يحيون عصرهم الذهبي بعد ان ذاقوا المر فى السجون تارة وفى المنفى تارات . لقد تأسس نظام أمنى وعسكري شمولي قمعي على أساس (فزاعة) الأخوان ! . الشيء اللافت أنهم ليسوا ارهابيين بل منهم علماء وأساتذة قانون وأطباء ومحامون سيدات ورجال أفاضل ومن حقهم بل وواجبهم أن يسيروا فى تجربتهم الجديدة الى النهاية !.ربما يقدمون نسخة مصرية راقية من الإسلام السياسي !!!..
 
لا يخلو المشهد من رموز النظام السابق الدينيين والدنيويين الذين يتناسون أنهم كانوا يرفعون المباخر صباحا ومساء أمام عرش الطاغوت الملهم العالم بكل شيء والقادر على كل شيء ولم يخرج علينا أحد منهم ليقول لنا كيف عاش سنين العبودية بفرح وسعادة ولماذا بكى عندما رحل ؟. ان الشعب الذى يقبل فساد الحكام شعب فاسد، ومن رموز الفساد من لم يعرف مصر إلا من صالونات باريس وجنيف ونيويورك وفى ذات الوقت يركب الآن موجة الأحرار ولا يأكل إلا الكافيار ولا يلوث يديه بالجنيه المصري بل يستعمل الفيزا كارت! لعلهم سيكتبون يوما مذكراتهم ليقولوا للتاريخ أنهم فقط كانوا هناك يمسحون الجوخ ، لم يشاركوا فى صنع تاريخ بل انكفئوا على المصالح " آه من المصالح بالطبع مصالح الوطن !!!
 
" وقتها سيكون قد نسيهم التاريخ وسيلقيهم فى مزبلته العامرة بأمثالهم على رأى الراحل فيليب جلاب.. وإذا جئنا الى الأقباط فهم المتفرجون دائما وهم "الشاهد اللي ما شافش حاجة" على رأى الفنان عادل إمام ،مع الفارق أنهم عندما جاء العرب الى مصر قاموا بدور بطولي فى استقبال العرب ورفض البيزنطيين والتهليل لسقوط الإسكندرية منارة اللاهوت وقبلة الساجدين بالروح والحق وعاصمة الثقافة, الكونية "ومما زاد الطينة بلة "الانقطاع عن مسيرة الكنيسة الجامعة الخلقيدونية ورفض الحوار، وها هم يعانون من الغربة فى أحضان العرب والفرقة عن اللاهوت البيزنطي والتلعثم الثقافي وفقدان الهوية، يتلاعب بهم قادتهم الذين نسوا مهمتهم الأساسية وهى الشهادة للحب الإلهي وزرع الفكر اللاهوتي والإنساني الحواري الراقي ،لقد علموا الناس البكاء والنحيب أمام حوائط مبكى النظام العالمي الجديد والهيئات الدولية ، لقد نسوا أن الثقافة المصرية الشعبية تؤمن أن الشكوى لغير الله مذلة!!!
 
إنها السذاجة السياسية عينها ،يسلمون مفاتيح كنيسة عريقة ومجدا مصريا قديما، كما قال طه حسين، لنظام سياسي فاسد ولأجهزة أمنه ويقصفون الأقلام الحرة ويخرسون الألسنة النارية نظير ترميم حائط فى كنيسة ،ولم يقرؤوا فى كتبهم عن خراب أورشليم وروما وأنه ليس بالحوائط و تصاريح بنيان الكنائس فقط يحيا الأقباط .. يغازلون النظام الجديد ويشاركون فى لجنة صياغة الدستور برمز ابعد ما يكون عن الحس السياسي والتقنية العلمية والحنكة اللاهوتية ، يشاركون نقول الى الرمق الاخير ثم ينسحبون فجأة وبدون أن يقولوا لنا عن الأسباب (يقولون أن ثمة صفقة بين الكنيسة وفلول النظام السابق لوأد الثورة !) وكأنهم يصرون على اعتبار الأقباط والمصريين أطفالا سذجا لا يفقهون لا فى اللاهوت ولا فى الناسوت ، يمكرون على الله وعلى الناس ويتناسون أن الله " فى مصر " هو خير الماكرين . يمارسون مع الحكم الإسلامي كما مارسوا من عمرو ابن العاص الى مبارك ما تفعله العشيقة وهى " مستريحة فى أحضان عشيقها" بلا تمرد ولا تذمر ولا صحوة و لا خجل ولا نقد للذات وهى تقول له : أنا بكرهك بكرهك !
 
ليس لديهم خطاب لاهوتي وسياسي رصين لأنهم قرروا الانقطاع عن تراث الآباء الكبار والعلماء والنساك الذين شهدوا للحب الإلهي أمام أباطرة الدنيا وتعايشوا بل ونصروا شعوبا تعبد الأصنام ، وسخروا التراث اليوناني العنيد لخدمة الإعلان الإلهي الجديد فى حوار ثقافي وما أرقى.. الأمر الذى يبعث على الرجاء فى أزمنة اليأس هذه هو الشباب النضر واليقظ ،من كل الأطياف ، الشباب الذى يفهم بحس راق أن اللعبة يلعبها الكبار ويركبونه كحصان طروادة . ولكن إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر. والى شباب مصر نقول: "كل شيء يمكن أن يصبح لكم جديدا .لا تهتموا بالظلام المخيم اليوم فالنور فى الظلمة يضئ.. كونوا فقراء الى الحق فقط والى العدل والى الحب فهذه هي كل الوجود". (المطران جورج خضر).

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع