الأقباط متحدون - فى مثل هذا اليوم.. وفاة الأشرف خليل بن قلاوون
  • ٠٠:٢٨
  • الثلاثاء , ١٣ ديسمبر ٢٠١٦
English version

فى مثل هذا اليوم.. وفاة الأشرف خليل بن قلاوون

سامح جميل

في مثل هذا اليوم

١٣: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٣ ديسمبر ٢٠١٦

وفاة الأشرف خليل بن قلاوون
وفاة الأشرف خليل بن قلاوون

فى مثل هذا اليوم 13 ديسمبر 1293م..
وفاة الأشرف خليل بن قلاوون الذي وضع خاتمة الحروب الصليبية التي استمرت قرنين من الزمان، وذلك بفتح مدينة عكا آخر معقل للصليبيين بالشام…

الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي النجمي (وُلد في القاهرة في عام 666 هـ/1267 م - توفى في تروجة قرب الأسكندرية في 12 محرم 693هـ / 13 ديسمبر 1293م)، هو ثامن سلاطين الدولة المملوكية البحرية.

تولّى شؤون الحكم إلى جانب والده لفترة قصيرة من الزمن، وبعد وفاة الأخير نُصب خليل سلطانًا في عام 1290 وبقي حتى اغتياله في ديسمبر 1293.
يُعتبر من أبرز سلاطين الأسرة القلاوونية والدولة المملوكية. أشهر إنجازاته فتح عكا والقضاء على آخر معاقل الصليبيين في الشام، بعد أن استمر وجودهم فيها مائة وستة وتسعين سنة.

نجب السلطان المنصور قلاوون أربعة أولاد من الذكور وابنتين. الأبناء الذكور هم علاء الدين أبو الفتح علي، وكان أكبرهم، والأشرف صلاح الدين خليل، والأمير أحمد، وناصر الدين محمد، وكان أصغرهم. وكانت والدة الاشرف خليل هي "الست الخاتون قطقطية".

كان علاء الدين علي أحب الأبناء لقلب قلاوون فقام بالعمل على توريثه الحكم عن طريق سلطنته وتوليته العهد في سنة 1280، ولقبه بالملك الصالح، وخطب له على منابر مصر بعد ذكر والده وتزوج الصالح علي وأخوه صلاح الدين خليل من ابنتي الأمير سيف الدين نوكيه. كان أمراء قلاوون يفضلون الصالح علي على أخيه خليل وكانوا يسيئون معاملة خليل ويكيدون له عند والده. وفي عام 1288 مرض "الملك الصالح علي" فجأة بعد تناوله الطعام ومات، فحزن عليه السلطان قلاوون حزناً شديداً، وأشيع بين البعض أن أخاه خليل قد دس له السم في الطعام لتكون ولاية العهد له. بعد موت الصالح على فوّض قلاوون ولاية العهد للأشرف خليل وخطب له بولاية العهد خلفاً لأخيه الصالح، ولكن السلطان قلاوون وقف عن التعليم على مستند التولية. ويُقال أنه أراد التريث ليوصي لابنه الصغير محمد.

في عام 1290 تسبب الأشرف خليل في إصدار والده قلاوون لقرار باعتقال ونفي سلامش وخضر ابنا السلطان المتوفى الظاهر بيبرس، بعد أن أخبره بأنهما اتصلا بالأمراء الظاهرية. وقد قام خليل بعد أن تولى السلطنة بنفيهما مع أمهما إلى إمبراطورية نيقيا البيزنطية.

عندما خرج قلاوون إلى عكا لتحريرها من الصليبيين في عام 1290 أقام الأشرف نائباً عنه في الحكم، فلما توفي قلاوون في نفس السنة طلب الأشرف توليته السلطنة على هذا الأساس.

توليه السلطنة:
بعد وفاة قلاوون، عندما طلب خليل من القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر تقليده بولاية العهد، اتضح أن والده المتوفى لم يُعلم على مستند التقليد، وقيل أن السلطان قد رفض عدة مرات وضع علامته على التقليد قبل وفاته قائلاً للقاضي فتح الدين: "يا فتح الدين أنا ما أولى خليلاً على المسلمين". فلما رأى خليل التقليد بغير علامة أبيه قال: "يا فتح الدين إن السلطان امتنع أن يعطيني، وقد أعطاني الله" وألقى التقليد إلى ابن عبد الظاهر وجدد الأمراء الحلف له فجلس علي تخت السلطنة وكُتب بسلطنته إلى الأقطار. ويذكر ابن إياس أن الأشرف بعد أن تسلطن نزل من قلعة الجبل إلى الميدان الذي تحتها لأن الأمراء خشوا أن يقبض عليهم إذا دخلوا القلعة، فلما علم الأشرف بذلك نزل إلى الميدان، بشعار السلطنة، وجلس بالميدان حيث استحلف له كل الأمراء.

استهل الأشرف خليل عهده بالخلع على أرباب الدولة وإقامة الأمير بيدرا المنصوري، وكان وزيراً لأبيه، نائباً للسلطنة بعد أن أقال الأمير حسام الدين طرنطاي، وجعل ابن السلعوس،والذي كان مقيماً بمكة، وزيره بعد خلع الأمير الشجاعي من الوزارة، ثم القبض على حسام الدين طرنطاي والأمير كتبغا وأعدم طرنطاي بعد أن نكّل به، وطلب من الأمير الشجاعي الإحاطة بممتلكاته.

بعد أن قام الأشرف بالتغييرات والتبديلات وقضائه على أعدائه ومناوئيه بالسجن والقتل، وكانوا من حواشي أبيه، وأحس باستقراره على تخت الملك قرر مواصلة العمل الذي كان أبوه قلاوون قد بدأه ولم ينهه بسبب وفاته ألا وهو القضاء على آخر ممالك ومعاقل الصليبيين في الشام.

المسير إلى عكا:
حصار عكا:

حصار عكا 1291.

في عام 1289 قضى السلطان قلاوون على كونتية طرابلس الصليبية وحرر طرابلس من قبضة الصليبيين ثم قرر في العام التالي تحرير ثغر عكا الذي كان من بقايا مملكة بيت المقدس الصليبية، إلا أنه ولفرحة سكانها الصليبيين توفي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر قبل أن يبدأ بالمسير. فلما تولى الأشرف خليل السلطنة قرر المسير إلى عكا لفتحها وإنهاء الاحتلال الصليبي لها، فأرسل إلى "وليام أوف بوجيه"، رئيس طائفة فرسان المعبد (الداوية) بعكا يعلمه بأنه قد قرر الهجوم عليها وطلب منه عدم إرسال رسل أو هدايا إليه لأن ذلك لن يثنيه عن مهاجمة المدينة. إلا أن عكا أرسلت إلى القاهرة وفداً محملاً بالهدايا يرأسه فيليب ماينبوف لاسترجاء الأشرف بالعدول عن خطته وضرورة الحفاظ على المعاهدة فرفض الأشرف خليل مقابلتهم وقام بحبسهم.

قام الأشرف بتعبئة جيوشه من مصر و الشام والتي كانت تضم أعداداً كبيرة من المتطوعينوآلات الحصار التي كانت تشمل اثنين وتسعين منجنيقاً. بعض العرارات الضخمة كانت تحمل أسماءً مثل "المنصوري" و"الغاضبة" وكانت هناك مجانيق أصغر حجماً ولكن ذات قوة تدميرية هائلة اسمها "الثيران السوداء". احتشدت الجيوش عند قلعة الحصن في جبال الساحل السوري ثم انضم إليها جيش مصر الذي خرج به الأشرف خليل من القاهرةانضمت أربعة جيوش يقودها نواب السلطان، جيش دمشق يقوده حسام الدين لاجين، وجيش من حماة يقوده المظفر تقي الدين، وجيش من طرابلس يقوده سيف الدين بلبان، أما الجيش الرابع فقد كان من الكرك وكان على رأسه الأمير المؤرخ بيبرس الدوادار. وقد كان في جيش حماة أمير مؤرخ آخر هو أبو الفداء.

كان الصليبيون في عكا يدركون منذ فترة خطورة موقفهم، وكانوا قد أرسلوا إلى ملوك وأمراء أوروبا يطلبون منهم العون والمساعدة إلا أنهم لم يصلهم من أوروبا دعم يذكر. قام ملك إنجلترا إدوارد الأول بإرسال بعض الفرسان. الدعم الوحيد الذي كان ذا أهمية جاء من هنري الثاني ملك قبرص الذي قام بتحصين أسوار عكا وأرسل قوة عسكرية على رأسها أخوه "أمالريك". كانت عكا محمية براً عن طريق سورين مزدوجين سميكين واثنا عشر برجاً شيدها الملوك الأوروبيون وبعض أثرياء حجاج بيت المقدس.كانت الأسوار مقسمة على الطوائف والفرق الصليبية بحيث تكون كل طائفة (فرسان المعبد، الاسباتريه، فرسان التيوتون الألمان وغيرهم) مسؤولة عن حماية قسمها.

غادر الأشرف خليل القاهرة في السادس من آذار/مارس عام 1291، وبحلول الخامس من نيسان/أبريل كان جيشه يقف بمواجهة عكا. نصب الأشرف دهليزه الأحمر فوق تلة مواجهة لبرج المندوب البابوي على مسافة غير بعيدة من شاطئ البحر، وانتشر جيش مصر من نهاية سور مونتموسارت حتى خليج عكا، واتخذ جيش حماة مواقعه عند البحر وعلى ساحل عكا. وفي اليوم التالي انطلقت عرارات جيش المسلمين ومناجيقه تلقي بالأحجار الضخمة والنيران على أسوار عكا وراح رماة السهام من المسلمين بإمطار المدافعين من الصليبيين المتمركزين فوق أبهاء الأبراج وأفاريزها بسهامهم. بعد ثمان أيام من الدك والمناوشات والاشتباكات تقدم الفرسان والمهندسون المسلمون وقد تغطوا بالدروع في موجات متلاحقة نحو سور عكا حتى سيطروا على حافته دون أن يتمكن المدافعون الصليبيون من إيقاف موجات زحفهم لكثرة أعدادهم وتلاحق موجاتهم بامتداد الأسوار.استخدم المسلمون سلاحاً يدوياً صغيراً يطلق نيراناً كثيفة وسريعة أطلق عليه الصليبيون اسم "كارابوها" وقد أحدث هذا السلاح أضراراً بالغة بالمقاتلين الصليبيين وصعب عليهم التقدم نحو المهاجمين المسلمين، وتمكن المسلمون من أحداث أضرار وبعض النقوب في الأجزاء الضعيفة من الأسوار، وأخذ الأمير سنجر الشجاعي ومقاتلوه على عاتقهم نقب سور برج جديد يسمى برج الملك وكان أمام البرج الملعون، فقام الصليبيون بإشعال النار فيه وتركوه ينهار.

على الرغم من استمرار وصول الإمدادت والتعزيزات العسكرية من قبرص إلى عكا عن طريق البحر إلا أن الصليبيين المحاصرين فيها كانوا يدركون أنهم غير قادرين على التصدي لجيش المسلمين. في الخامس عشر من نيسان/أبريل، تحت ضوء القمر قامت قوة صليبية من فرسان المعبد بقيادة "جين غريلي" (بالإنجليزية: Jean Grailly) و"أوتو أوف غراندسون" (بالإنجليزية: Otto of Grandson) بغارة مفاجئة على معسكر جيش حماة بهدف إحراق إحدى عرارات المسلمين إلا أنه، ولسوء حظهم، تعثرت أرجل خيولهم في حبال خيام المقاتلين المسلمين مما أدى إلى انكشاف أمرهم ومقتل وأسر العديد منهم. وتمكن عدد منهم من الفرار ببعض طبول ودروع المسلمين. وبعد بضعة أيام شن فرسان الاسباتريه غارة أخرى على معسكر للمسلمين، تلك المرة في الظلام الدامس، ولكن غارتهم انتهت هي الأخرى بالفشل بعد أن انكشف أمرهم وأشعل المسلمون المشاعل وتصدوا لهم فلاذوا بالفرار بجرحاهم.

في الرابع من شهر أيار/مايو استرد الصليبيون المحاصرون بعض الثقة والأمل حين وصل الملك هنري الثاني من قبرص، وفي صحبته أربعون سفينة محملة بالمقاتلين والعتاد.تولى هنري قيادة الدفاع ولكن سرعان ما أدرك هنري قلة حيلته في مواجهة الأشرف خليل، فأوفد إليه فارسين من فرسان المعبد هما "وليم أوف كافران" (بالإنجليزية: William of Caffran) و"وليم أوف فيلييه" (بالإنجليزية: William of Villiers) لطلب السلام وإعادة الهدنة، وسألهما الأشرف عما إذا كانا قد أحضرا معهما مفاتيح المدينة، فلما أجابا بالنفي قال لهما أن كل ما يهمه هو امتلاك المدينة وأنه لا يهمه مصير سكانها ولكن تقديراً منه لشجاعة الملك هنري ولصغر سنه وقدومه لتقديم المساعدة وهو مريض، فإنه على استعداد أن يبقي على حياة السكان في حال تسليم المدينة له دون قتال، فأجابا بأنهما لم يأتيا إليه للاستسلام ولكن فقط لطلب رحمته على السكان وبينما الفارسان يستعطفان الأشرف إذ بعرارة صليبية تلقي من داخل عكا بحجر يسقط بالقرب من دهليز الأشرف فظن أنها مؤامرة صليبية لقتله وأراد قتل الفارسين، إلا أن الأمير سنجر الشجاعي شفع فيهما فسمح الأشرف لهما بالعودة إلى عكا.

فتح عكا:
منذ الثامن من شهر أيار/مايو بدأت أبراج عكا تصاب بأضرار بالغة نتيجة لدكها المستمر بالمناجيق وتنقيبها عن طريق المهندسين المسلمين. فانهار برج الملك هيو وتبعه البرج الإنجليزي وبرج الكونتيسة دو بلوا، وفي السادس عشر من أيار/مايو قام المسلمون بهجوم مركز على باب القديس أنطوان تصدى له فرسان المعبد والاسبتاريه.

في فجر يوم الجمعة 18 مايو/أيار (17 جمادى الأولى سنة 690 هـ) سمع صليبيو عكا دقات طبول المسلمين، وبدأ المسلمين بالزحف الشامل على عكا بامتداد الأسوار، تحت هدير دقات الطبول التي حُملت على ثلاثمائة جمل لإنزال الرعب في صدور الصليبيين داخل عكا.

اندفع جنود جيش الأشرف وجيش حماة وهم يكبرون لمهاجمة تحصينات المدينة تحت قيادة الأمراء المماليك الذين ارتدوا عمائم بيضاء.[ ووصل المقاتلون إلى البرج الملعون وأجبروا حاميته على التراجع إلى جهة باب القديس أنطوان واستمات فرسان المعبد وفرسان الاسبتاريه في الدفاع عن البرج والباب ولكن المقاتلين المسلمين، الذين كانت نار الاغريق من ضمن أسلحتهم، تمكنوا من الاستيلاء عليهما وراحت قوات جيش المسلمين تتدفق على شوارع المدينة حيث دار قتال عنيف بينهم وبين الصليبيين. وقتل مقدم فرسان المعبد "وليم أوف بوجوه" وتبعه "ماثيو أوف كليرمونت" (بالإنجليزية: Matthew of Clermont) وجُرح مقدم الاسبتارية "جون فيلييه" جرحاً بالغاً فحُمل إلى سفينته وبقي فيها.

رفعت الصناجق الإسلامية على أسوار عكا وأيقن الملك هنري أنه لا طاقة للصليبيين بجيش الأشرف وأن عكا ستسقط في يد الأشرف لا محال، فأبحر عائداً إلى قبرص ومعه "جون فيلييه" مقدم الاسبتاريه وقد تعرض الملك هنري فيما بعد للاتهام بالتخاذل والجبن.

سادت عكا حالة من الفوضى العارمة والرعب الهائل، واندفع سكانها المذعورن إلى الشواطئ بحثاٌ عن مراكب تنقلهم بعيداً عنها، ولا يدري أحد بالتحديد كم منهم قتل على الأرض أو كم منهم ابتلعه البحر. وقد تمكن بعض الأثرياء من النبلاء من الفرار من عكا في مراكب الكاتلاني "روجر فلور"، مقدم المرتزقة وفارس المعبد، مقابل أموال دفعوها له وقد تمكن "روجر دو فلور" (بالفرنسية: Roger de Flor) من استغلال الموقف فابتز الأثرياء والنبيلات وكون ثروة طائلة

قبل أن يحل الليل كانت مدينة عكا قد صارت في يد المسلمين، فيما عدا حصن فرسان المعبد الذي كان مشيداً على ساحل البحر في الجهة الشمالية الغربية من المدينة.عادت عكا إلى المسلمين بعد حصار دام أربعة وأربعين يوماً، وبعد أن احتلها الصليبيون مائة عام.

بعد أسبوع من فتح عكا تفاوض السلطان خليل مع "بيتر دو سيفري" رئيس حصن فرسان المعبد، وتم الاتفاق على تسليم الحصن مقابل السماح بإبحار كل من في الحصن إلى قبرص. بعد وصول رجال السلطان إلى الحصن للإشراف على تدابير الإخلاء تعرضوا لبعض النسوة في الحصن أو أرادوا أخذهن مما أدى إلى غضب فرسان المعبد فانقضوا عليهم وقتلوهم وأزالوا صنجق المسلمين الذي كان قد رفع على الحصن من قبل، واستعدوا لمواصلة القتال.

في الليل، تحت جنح الظلام، غادر" تيبالد غودين" مقدم فرسان المعبد الجديد، الحصن إلى صيدا في صحبة عدد من المقاتلين ومعه أموال الطائفة.وفي اليوم التالي ذهب "بيتر دو سيفري" إلى السلطان خليل ومعه بعض الفرسان للتفاوض من جديد فقبض الأشرف عليهم وأعدمهم انتقاماً لرجاله الذين قتلهم الفرسان في الحصن. فلما رأى بقية الفرسان المحاصرين في الحصن ما حدث لبيتر دو سيفرى ورفاقة واصلوا القتال. في الثامن والعشرين من أيار/مايو، بعد أن حفر المهندسون نقباً تحت الحصن، دفع الأشرف بألفي مقاتل للاستيلاء عليه، وبينما هم يشقون طريقهم داخله انهار البناء وهلك كل من كان بداخل الحصن من مدافعين ومهاجمين.

وصلت أنباء انتصار جيش المسلمين وتحريره عكا إلى دمشق والقاهرة ففرح الناس وزينت المدن. ودخل السلطان خليل إلى دمشق ومعه الأسرى الصليبيين مقيدين بالسلاسل وقوبل جيش المسلمين بالاحتفالات ورفع رايات النصر وزينت دمشق وعمت البهجة بين الناس. وبعد أن دخل إلى القاهرة وتزينت وفرشت فيه الشقق الحرير تحت حافر فرسه. وبعد أن زار قبر أبيه الملك المنصور، صعد إلى قلعة الجبل وخلع على الأمراء. أمر الأشرف بإطلاق سراح "فيليب ماينبيف" وزملائه الصليبيين الذين كان قد قبض عليهم قبل مسيره إلى عكا. وقام الأشرف بنقل بوابة كنيسة القديس أندرياس من عكا إلى القاهرة لاستخدامها في استكمال مسجده

تحرير ساحل الشام:
صراعات داخلية واغتيال الأشرف خليل:

كان الأشرف خليل يملك مواهب وطاقات بعض من سبقوه كالظاهر بيبرس ووالده قلاوون. ولكن الأشرف لم يصادف هوى الأمراء منذ البداية. فقد بدأ حكمه بالقبض على أمراء أبيه وأعدم بعضهم مثلما فعل مع الأمير طرنطاي نائب سلطنة أبيه. بعد فتح عكا قام الأشرف بالقبض على حسام الدين لاجين، وبعد عودته منتصراً إلى القاهرة أعدم بعض كبار الأمراء من بينهم الأمير سنقر الأشقر. ومن جهة ثانية عمد الأشرف إلى تفضيل المماليك والأمراء البرجية من ذوي الأصول الشركسية على المماليك والأمراء من ذوى الأصول التركية مما خلق حالة من التنافس والكراهية بين الأمراء.

بعد عودة الأشرف من الشام إلى مصر منتصراً تملكته مشاعر الغرور والتعاظم فراح يعامل الأمراء بخشونة واستخفاف وأصبح يعلم على الأوراق والمستندات بحرف "خ" فقط دون اسمه مما أغضب الأمراء. وفوق ذلك كان الأمراء يكرهون وزيره ابن السلعوس الذي أتى من سوريا، ولم يكن في الأصل أميراً أو مملوكاً وإنما كان تاجراً دمشقياً، وتقلد منصب الوزارة الرفيع بدلاً من الأمير الشجاعي، وراح يغدق عليه الاشرف ويفضله على كبار الأمراء لمكانته. وكان ابن السلعوس يتعالى على الأمراء.

في شهر ديسمبر عام 1293 ذهب السلطان الأشرف إلى "تروجة" القريبة من الأسكندرية في رحلة صيد طيور، وكان في صحبته وزيره ابن السلعوس ونائب سلطنته بيدرا. وطلب الأشرف من ابن السلعوس الذهاب إلى الإسكندرية لتحصيل العائدات. فلما وصل ابن السلعوس إلى الإسكندرية تبين له أن نواب الأمير بيدرا قد حصلوا العائدات من قبل، فكتب للأشرف يعلمه بما فعله بيدرا. فلما بلغت الرسالة الأشرف غضب واستدعى بيدرا إلى دهليزه وراح يعنفة ويهدده في حضور الأمراء. خرج بيدرا من دهليز الأشرف مضطرباً خائفاً فجمع عددا من الأمراء من خشداشيته ومنهم حسام الدين لاجين وقرا سنقر واتفقوا على قتل السلطان.

في 21 ديسمبر 1293، وبينما الأشرف يتجول مع صاحبه الأمير شهاب الدين أحمد بن الأشل، جاءه بيدرا والمتآمرون معه وكان من بينهم لاجين وألطنبغا رأس نوبة واغتالوه بسيوفهم...!!